على جمر النزوح وتحت خيام مهترئة هدى جاسم (أربيل) بين جمر الحصى المشتعل تحت أقدام الصغار الذين يحملون حقائب الآمال الضائعة، ووجع النزوح الذي تقض أشواكه على براءةالطفولة، وتختزل أحلامهم في شربة ماء وسقف خيمة متهرئ، لتمتد أجساد النازحين، لحما فوق لحم بين صخور العراء وطين الصحارى وجدب الإنسانية العمياء، آلاف وآلاف ترسم فوق غبش الفجر طريقاً للعودة لا يلبث أن يذوب مع أول شعاع للشمس، وتذوب معه أرواحهم، أجيال تأتي وتراكم وجعها فوق أجيال سابقة .. وتحرث الأرض لأخرى لاحقة، وليس سوى الحسرات على ماضٍ رحل للأبد!. رسمت الطفلة داليا «عزيز سرحان» ـ الحافية ـ إلا من وجعها وهي تحمل حقيبة آمالها الضائعة، على وجهها السؤال متى نعود إلى ديارنا، بينما كانت الطفلة «رغد علي» ترسم على الطين الذي أحاط خيمتها حلماً جميلًا، تحاول بين نبضاته أن تنسق بياض وجهها الجميل من الأتربة التي علته رغماً عنها بوجع النزوح! .. كل ما نستجليه من مشاهد الوجع طفولة مقتولة، وأناس لم يعودوا يعرفوا بوصلتهم، بعدما تركوا ديارهم مرغمين وهي تضج بغبار الحروب، تلك كانت الذاكرة الأخيرة التي حفرت ألوان الدماء في عيونهم، وبين ملايين الحصى المنثورة على أرض مخيمات النزوح في أربيل، تتراكم مطالب الصغار بكتاب ولعبة وثوب عيد، ويرنو الكبار لستر ولقمة وحليب.. بين هذا الوجع كانت «الاتحاد» ترصد دموع أطفال ونساء ورجال من بين أكثر من 72 ألف نازح يتوزعهم في 14 مخيماً، منها عشرة مخيمات للنازحين العراقيين، وأربعة مخيمات للسوريين، وواحد للإيرانيين. من بين 25689 شخصاً من النازحين في مخيم (حسن شام) الذي يبعد نحو 25 كيلو متراً عن مركز أربيل شمال العراق، كان الأطفال وعددهم كبير جداً، يشعرون أن الحياة لا ترغب في وجودهم، فبعضهم ولد وتنظيم «داعش» الإرهابي يتسلط على بيته وألعابه وأهله، وبعضهم شاهد مناظر مرعبة لهذا التنظيم وهو ينحر من يعاديه من أهالي الموصل أو المناطق الأخرى، أما أفضل ما مر بحياة هؤلاء الأطفال، فكان الهروب تحت جنح الليل والرصاص، ليصلوا إلى أقرب نقطة للجيش العراقي قد تمنحهم أملا في الحياة، ثم ليرسلوا مع أهلهم إلى مخيمات النزوح وكرافانات لاتقيهم من حر ولا برد. كان «نهيان خلف درويش» الذي لم يتجاوز عمره الخمسة عشر عاماً، يحلم بأن يكمل دراسته في مدرسته بالجانب الأيمن في الموصل، قبل أن يمنعه احتلال «داعش» للمدينة من ذلك، وصار التنظيم يبحث عمن بعمره ليجندهم، كانت والدة دوريش مريضة وتحتاج إلى غسيل للكلى كل فترة، وهو وأشقاؤه وأبوه حاولوا مرارا الاحتيال على عناصر التنظيم للهرب من الموصل ولم ينجحوا إلا قبل أشهر عدة، فروا سيرا على أقدام عريت كثر ما خاضت أهوال الطرق، حتى وصلوا لنقطة تفتيش عراقية خلصتهم وأرسلتهم مع 200 عائلة إلى مخيم «حسن شام». ... المزيد
مشاركة :