الشجرة ترزح تحت تهديد التغيرات المناخية والأمراض والاستغلال الجائر كالتحطيب والرعي، وهي ظواهر باتت تقلق الباحثين عن حلول لإنقاذ شجرة الأرز.العرب [نُشر في 2017/10/21، العدد: 10788، ص(20)]حال شجرة اللبنانيين هزيل بيروت - رغم صمود أشجار الأرز الشامخة في لبنان قرونا عديدة، إلا أن انعكاسات التغير المناخي وجور الإنسان عليها باقتطاعها، تضاعفان التهديدات لمصير الشجرة التي تشكل رمزاً للبنان وتتوسط علمه. هذه العوامل جعلت الاتحاد الدولي للمحافظة على البيئة يدرج أرز لبنان في قائمة الأصناف المهددة بالانقراض. وتنتشر أشجار الأرز على امتداد جبال لبنان، وتعد محمية أرز الشوف الطبيعية أكبر محمية طبيعية في لبنان، وتمثل نظاما بيئيا وجبليا على قمم الجزء الأوسط من سلسلة جبال لبنان، وينمو الأرز اللبناني في المحمية تلقائيا بالإضافة إلى عدد من الأشجار والشجيرات والأعشاب المتنوعة. ويقول اللبنانيون إنهم لا يرمون شيئا من هذه الشجرة، ويستعملون كل ما تنتجه من أوراق وحطب، وما تنتجه من الحب الأسود والأبيض، حتى بات إنتاجها يعرف بذهب لبنان الأبيض الذي يعد من أجود الأنواع، ما دفع بعض التجار إلى الاهتمام بمحصول الشجرة كـ”حبوب سوداء” وبيعه بعد تكسيره إلى أوروبا بأثمان باهظة. وترزح شجرة الأرز تحت تهديد التغيرات المناخية والاستغلال غير المقنن من قبل اللبنانيين، الأمر الذي بات يقلق الباحثين عن حلول لإنقاذ شجرة كل اللبنانيين. وأدرج الاتحاد الدولي للمحافظة على البيئة منذ سنوات أرز لبنان في قائمة الأصناف المهددة بالانقراض. وعلى الرغم من صمودها قرونا عديدة فإن انعكاسات التغير المناخي تضاعف التهديدات لمصير الشجرة التي تشكل رمزا للبنان وتتوسط علمه، فعلى مر التاريخ اقتطعت مختلف الحضارات أشجارا من أرز لبنان بسبب صلابة خشبها. ومن المعروف أن الفينيقيين استخدموا خشب الأرز لبناء سفنهم التجارية والعسكرية ولبناء المنازل والمعابد، كما استخدم الفراعنة صمغ شجر الأرز في تحنيط موتاهم. وطلب الملك سليمان من ملك صور أحيرام تزويده بخشب الأرز لبناء هيكله وقصره في القدس. ويشعر خبراء البيئة في لبنان بأن أشجار الأرز تواجه تهديدات جدية، منها انخفاض نسبة هطول الأمطار والثلج، واختفاء الندى، وكذلك الارتفاع الملحوظ في درجات الحرارة خلال السنوات الماضية، والذي لعب دورا أساسيا في تكاثر نوع من الحشرات يمكن أن يقضي على غابات الأرز.من ينقذ شجرة كل اللبنانيين وعاود مرض يباس الأشجار ظهوره ليضرب بقوة أكثر من ذي قبل، وهو أحد أخطر أمراض الصنوبر، فتحولت الأشجار الباسقة إلى كتل يابسة لا أثر فيها لحياة، ما يستدعي إعلان خطة طوارئ لإنقاذ ما بقي من هذه الثروة بعد أن تطاول عليها التمدد العمراني وأتت عليها الحرائق، ولم تنجُ من أعمال القطع الجائر. ويقول المزارع اللبناني خالد نجد الذي لديه حرج صنوبر حول المزرعة بمساحة 300 ألف متر مربع، “لاحظنا هذه الظاهرة، فالشجرة تبدأ بالاصفرار، ثم تتيبس تماما، والمخيف في الموضوع أن هذا الأمر لا يستمر إلا لفترة قصيرة لا تتجاوز الأسبوعين، وما صدمنا أن شجرة معمرة يقدر عمرها بمئات السنوات وقاومت كل الظروف الطبيعية أصيبت بهذا المرض القاتل”. ويعتبر الجفاف من أبرز أسباب انتشار حشرة الأرز المنشارية لأن ارتفاع الحرارة يساعد على تكاثرها. وقد اجتاحت هذه الحشرة محمية أرز تنورين منذ عدة سنوات. وتعيش هذه الحشرة مع شجر الأرز في نفس البيئة، ولكن الطقس الحار يدفعها إلى التكاثر ثلاث مرات سنويا بدلاً من مرة واحدة. ويقول أحد الخبراء إنه إذا لم يكن هناك مزيج من الأمطار والثلوج والجليد لعدة أيام متتالية، فإن بذور الأرز لن تتناثر على الأرض، وهذه البذور تحتاج إلى مناخ بارد حتى تنبت كما تحتاج إلى الندى في الصيف لأنه يلبي حاجتها إلى المياه، وأي تغيير في هذه الظروف لسنوات عدة متتالية قد يؤدي إلى موت الأشجار؛ فالثلج ضروري جدا لأشجار الأرز دائمة الخضرة التي تعيش على ارتفاع يتراوح بين 1200 و1800 متر عن سطح البحر. ومن التحديات التي تواجهها شجرة الأرز الرعي الجائر وقتل الطيور عشوائيا وهو ما يمثل انتهاكا لمبدأ التوازن الطبيعي الدقيق بين الكائنات الحية ومحيطها والعلاقات الوثيقة فيما بينها، حيث يمثل قتل الطيور عاملا مساعدا لتكاثر الحشرات الضارة كالدودة الزياحة التي تقتات من إبر الأرز فتضعف شجرة الأرز، بحسب أهل الاختصاص. أخذت الغابات فب لبنان تفقد شجرة الأرز، وذهبت الأخشاب إلى المواقد والمشاحر، فبعد أن انتهكت الحرب العالمية الأولى ثروة لبنان حين أصبحت شجرة الأرز مصدرا رئيسياً للأخشاب اللازمة لمدّ خط سكة الحديد لوصل مدينة طرابلس اللبنانية بمدينة حيفا الفلسطينية، يحتضن لبنان اليوم عدداً محدوداً من أجمات الأرز المبعثرة في أرجائه، منها محمية “حرش إهدن”، و“حدث الجبّة” و”تنورين”. أما محافظة جبل لبنان ففيها إحدى أقدم الغابات التي جرى استغلالها في العصور القديمة، وهي “أجمة جاج” في قضاء جبيل التي لم يبق منها إلا بعض الأشجار، و“أرز الباروك” التي يزيد عمر أشجارها على 350 سنة، وهي أحسن حالا وأفضل حماية من غابات وأجمات الأرز اللبنانية، وحرش “عين زحلتا” و”معاصر الشوف”. تردي حال شجرة الأرز في لبنان يستدعي حملات لإنقاذها والحفاظ على ما تبقى منها، فكل شجرة ترفدنا بأكثر من مائتي لتر من الأوكسجين، ومن هذه الحملات التي تسعى إلى الحفاظ على هذه الثروة جمعية “جذور لبنان” من خلال عمليات تشجير سنوية تطلقها في الغابات اللبنانية.
مشاركة :