مرة جديدة يضرب الإرهاب الأعمى مصر المحروسة لتفجع في أعز ما تمتلك .. شبابها وزهرة أجيالها القادمة … على طريق الواحات المصرية قبل ساعات معدودات كانت الايادي الآثمة تمتد لتصيب نيرانها رجالات الشرطة المصرية، ليسقط العشرات شهداء ناهيك عن الجرحى، وهو مشهد بات يتكرر بشكل ملحوظ في الأشهر الأخيرة، وعليه يتوجب النظر بشكل عميق إلى مآلات المواجهة مع الإرهاب في عدة نقاط. بداية يمكننا القطع بأن مصر لا تزال مستهدفة وأن إسقاط الدولة المصرية هو هدف واضح أمام أعين واضعي إستراتيجية الخراب والدمار، التفكيك والتفخيخ للوطن العربي، وأنه إذا كانت مصر قد تجاوزت ما رتب لها بليل بهيم خلال سنوات النكسة الحديثة التي عرفت بالربيع العربي، فإن أبواب جهنم أخرى تنفتح عليها الآن لتذيق المصريين صنوفا من الألم والمعاناة حينما يروا صباح مساء كل يوم فلذات أكبادهم يلقون حتفهم على الطرقات. ولعل الحادث الأخير، حادث الواحات يكشف لنا عما هو أكثر من مجرد العمل الإرهابي، إنه يعكس رسائل صناع إستراتيجية الموت لمصر، ومفادها أننا لكم بالمرصاد ولن نسمح لمصر بأن تتقدم إلى ما هو أبعد. جاءت العملية الإرهابية الأخيرة بعد يوم واحد من إحتفالات البحرية المصرية بيومها العسكري وتدشين عدة قطع حربية بحرية جديدة، وقد بدا سلاح البحرية المصرية أروع ما يكون في ذلك النهار من جهة، ووضحت مقدرتها الحربية التي لا تنازع ولا تشارع في الشرق الأوسط. وصبيحة العملية الإرهابية الخسيسة كانت مصر على موعد مع إحتفالات تدشين مدينة العلمين الجديدة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وقبلها بإسبوعين تقريبا كانت المرحلة الأولى من تدشين العاصمة الإدارية الجديدة. هنا يعن لنا أن نتساءل: هل كان لمصر أن تنطلق بعيدا في الآفاق دون وضع العضا في الدواليب (العجلات) لإعاقة السيرة والمسيرة نحو مصر المزدهرة الخلاقة التي تتجاوز الصعاب؟ أغلب الظن أن مصر الآن باتت لوحة الرماية إن جاز التعبير سيما بعد ما جرى لداعش في سوريا والعراق وإندحارها هناك، ولهذا لم تعد سوى ليبيا على الحدود الغربية من مصر التي تصلح مأوى لكافة تلك الجماعات سيما في ظل حالة التشظي والصراع الداخلي غير المحسوم، والذي لا يظن المرء انه سيحسم في القريب العاجل ما يعني أن ليبيا ستظل مركزا جاذبا للإرهاب، وستصدره لدول الجوار وفي المقدمة منها مصر، ما يلقي على الأخيرة تبعات مرهقة من المواجهة ذات الاشكال والأبعاد المختلفة. لن تنكسر مصر رغم أنها تدرك تمام الإدراك مواجهتها لأجهزة استخبارات عالمية تخطط وترتب وتدبر لعناصرها التي تتخفى في أثواب داعش تارة وغيرها من جماعات الإرهاب تارة أخرى، ومرد الأمر أن لدى المصريين رغبة في الحياة لا الموت، وأن المصريين منذ زمن أحمس ورمسيس الثاني وصولا الى عبد الناصر والسادات والسيسي شعب مجبول على محبة المقاومة المسلحة وطرد الباغي والمحتل، حتى وإن كلف الامر دماء الشهداء. على أن مشهد الواحات الأليم يستدعي تساؤلات جادة عن طرق مواجهة تلك الإشكالية السوداء، إذ لم تعد الطرق التقليدية تجدي، وأصبح البحث عن أفكار من خارج الصندوق التقليدي أمر واجب الوجود، يبدأ من عند حدود استباق أفكار الإرهابيين، وقراءة خططهم والعمل على إبطالها، مرورا بتكثيف التعاون الاستخباراتي مع الدول الصديقة، وبناء أحلاف أممية وإقليمية شرق أوسطية وحوض بحر أبيض متوسطية لمواجهة الأسوأ الذي لم يأت بعد. يستلفت الانتباه هنا الأصوات العديدة التي ارتفعت في الفترة الأخيرة منذرة ومحذرة من إعتبار سقوط داعش في آخر حواضنها وعاصمة الخلافة المزعومة أي الرقة نهاية تصاعد الأصولية والإرهاب في المنطقة، بل على العكس ربما تظهر على السطح جماعات أشد خطرا تتشكل من أيتام داعش عطفا على المتعاطفين معها إيديولوجيا وحكما عقائديا، وهؤلاء لم يعودوا في حاجة إلى تنظيمات تراتبية هيراركية، ولا الانتظام في خلايا عنقودية يتلقون من خلالها الأوامر بل بات إنتشار الأفكار المتطرفة يجري عبر الفضاء السيبراني بأسرع مما للجميع أن يتوقع أو يدرك. معركة مصر مع الإرهاب تحتاج في واقع الأمر إلى نظرة أكثر شمولية من مجرد عملية التعاطي الأمني على أهميتها الفائقة كأداة للمواجهة مع الذين يرفعون السلاح في وجوه الآمنين. معركة الإرهاب هي معركة مجتمع يريد أن ينهض من رقاد طال وتكلس ضرب أطنابه في جوانب المجتمع، وطالت المطالبات بتحريره من عبودية الماضي. المواجهة الجذرية تبدأ من عن العملية التعليمية التلقينية التي لا تحث على الإبداع وتمضي وراء الإتباع أمس واليوم، المواجهة في حاجة الى خطاب ديني كثر الحديث عن الحاجة إلى تجديده لتنقية التراث من أخطاء وخطايا الماضي، والمواجهة عينها في احتياج عطش لإعلام تنويري وتثقيفي يتجاوز المنهج الاستهلاكي الذي قادنا إلى هذا الدرك الأسفل، والذي زخمته رؤية إقتصادية ظالمة قسمت المجتمع إلى مجموعتين.. الأغنياء الذين يهاجرون إلى الخارج، والفقراء الذين يهاجرون إلى الله، فينتجون لنا جماعات متباينة الأشكال والألوان من المتطرفين المتمذهبين في جميع الاتجاهات. مصر بكل تأكيد وتحديد في مواجهة لحظة مصيرية لا يصح فيها الكلام الكثير بل التنادي من أجل الحفاظ على قوة ومتانة النسيج الاجتماعي المصري كحائط صدر وردع أول وأخير لمواجهة الإرهاب الأعمي الذي لن تكف يده عن مصر المحروسة في قادمات الأيام.
مشاركة :