ترك تنظيم «داعش» الإرهابي مع انهزامه من محافظات العراق التي احتلها سابقاً، العديد من الألغام والبيوت والسيارات المفخخة، لكنه خلّف ما هو أخطر وأصعب من ذلك كله، إنهم أطفاله. عند دخول «الدواعش» أرض العراق وانكسار الجيش أمامهم، استقر لهم الوضع، وطاب لهم العيش، فذهبوا لإشباع رغباتهم وشهواتهم من نساء البلد أو من المهاجرات العربيات والأجنبيات. وكانت نتيجة هذه الزيجات المشوهة العديد من الأطفال، لا يعرف عددهم على وجه التحديد، لكن من المتوقع أن يكون يمين الرقم أكثر من ثلاثة أصفار. هؤلاء الأطفال يمثلون مشكلة للعراق، كونه لا يستطيع محاكمتهم بسبب عمرهم وبتهمة لم يرتكبوها هم. والآن البلاد تدّعي تطبيق حقوق الإنسان وحماية الطفولة أول شروطها. كذلك لا تستطيع بغداد تجاهلهم وإهمالهم، لما يمثلونه من قنابل موقوتة وخطر على الأمن القومي العراقي. غالبية صغار «داعش» يتامى، قُتل آباؤهم أو أمهاتهم أثناء المعارك مع القوات العراقية، والأسرى منهم سيواجهون عقوبة الإعدام. فبالتالي لا معيل لهم ولا أسرة تؤويهم. ومع الظرف الأمني الذي استتبع تحرير المناطق العراقية من «داعش»، قام الأهالي المتضررون من جرائم التنظيم بتهديد عوائل المنتمين له بترك بيوتهم أو الموت. كما فعل أهالي القيارة بتهجير عوائل الدواعش من مناطقهم. العقوبات المجتمعية تركتها الحكومة تأخذ مداها، حكمة منها لتخفيف التوتر هناك، أو ضعفاً في فرض هيبة القانون وسطوته، فانبرى كل صاحب حق للمطالبة بحقه بيده. لكن بالطبع على السلطات أن تسترجع سريعاً المبادرة في فرض الأمن المجتمعي وعدم تركه لأهواء السكان هناك. وفي موضوع الأطفال من زيجات داعشية، على المسؤولين في الدولة العراقية أن يحسنوا التعامل مع هذه القضية، من منطلقات إسلامية أو منطلقات حقوق الإنسان والطفل، عبر درس حالة كل طفل على حدة، فمن لا أسرة له تحتضنه يجب إيواؤه في دار للأيتام، ومن له أقارب يتم تسليمه لهم ومراقبة حالته بصورة دورية، ومن كان لأبوين أجنبيين يُسلّم إلى دولة أبيه، إن طالبت به الأخيرة. الخيارات كثيرة لمعالجة حالة أطفال مقاتلي «داعش»، لكن على قادة العراق وعقلائه عدم تجاهل هذه الفئة الخطيرة التي زُرعت داخل نسيج المجتمع العراقي، فالطفل التي أخرجه أفراد القوات الأمنية من تحت الانقاض ونهض وهو يشير إلى علم العراق بعلم المرتدين، تعرض لغسل دماغ كبير. وجلّ ما يُخشى منه أن يلج هؤلاء الصغار الأبرياء دوامة المنازعات والمناكفات السياسية، ويصبحوا وجبة دسمة على موائد الأخوة الأعداء النهمة، ويتلقفهم الطائفيون لتثير فئة منهم سخط جمهورها بمن يريد الاعتناء بأبناء «الدواعش»، وتستغل فئة أخرى تعاطف متابعيها بأطفال قد يجري الانتقام منهم بجريرة آبائهم وأمهاتهم. وكما أن الدولة كيان مجرد مبني على أسس قانونية، يجب أن يكون تعامل الدولة مع قضاياها في شكل موضوعي ومجرد، بعيداً من العاطفة والانجرار وراءها، وما قد يسببه الفعل الأخير من مآس وتعقيدات. لذا على الحكومة العراقية أن تتحلى بالشجاعة والقوة وهي تواجه مخلفات «داعش»، وأن لا تتقدم مصلحة على مصلحة الوطن، ومن نتائج تحقيق الأخيرة الحفاظ على الأمن القومي والسلم الأهلي والمجتمعي من كل طارئ أو دخيل. والتعامل بحكمة وشفافية مع قضية أطفال «داعش» يصبّ في هذا الاتجاه. * مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية
مشاركة :