استكمالاً لبوادر الانفتاح الاجتماعي التي تشهدها السعودية مؤخراً وفي مقدمتها السماح للمرأة بقيادة السيارة. وفي أمسية سينمائية خاصة في مركز الملك فهد الثقافي في الرياض، استعادت مجموعة من هؤلاء السعوديين هذا الأسبوع تجربة مشاهدة فيلم في مكان عام: أضواء تنطفئ فجاة، شاشة كبيرة تشتعل، حركة، ومقاعد مريحة. وكانت السلطات السعودية ألمحت في الأسابيع الأخيرة إلى إمكانية السماح لدور السينما بأن تعيد فتح أبوابها، في خطوة استثنائية قد تقلب المشهد الثقافي في المملكة المحافظة رأساً على عقب. وقال السعودي فيصل الحربي مخرج فيلم "حوار وطني" الذي عرض في مركز الملك فهد لوكالة فرانس برس: "السينما روح المجتمع ومرآته"، و"حوار وطني" واحد من ثلاثة أفلام قصيرة عرضت في المركز ضمن برنامج "ليالي الأفلام القصيرة" الذي دشن في شهر يوليو (تموز) الماضي ليستمر لمدة خمسة أشهر بواقع ثلاثة عروض شهرياً. خارج قاعة السينما التي فصل فيها بين الرجال والنساء، ركنت عربة تبيع الهامبرغر، بينما قدمت للضيوف القهوة في اكواب بلاستيكية صغيرة. لكن ما إن يرفع الحظر عن السينما، يتوقع سلطان، الطالب في كلية الطب في إحدى جامعات المملكة، أن تصبح تجربة مشاهدة عرض سينمائي في السعودية أكثر إثارة: مشروبات غازية، ومأكولات، وآلات صنع الفوشار، ويقول سلطان لفرانس برس في المركز الثقافي: "أتوقع ان تكتظ دور السينما بالمشاهدين طوال الوقت". نقلة نوعية تمثل إعادة إحياء السينما نقلة نوعية في المملكة التي تسعى منذ أشهر لتقديم نفسها على أنها مقصد سياحي وترفيهي مستقبلي في ظل المشاريع العملاقة في هذا الخصوص التي يتم الإعلان عنها تباعاً. وانطلقت هذه المشاريع مع ولادة "رؤية 2030" في العام 2016، الخطة الاقتصادية الاصلاحية التي طرحها ولي العهد الأمير محمد (32 عاما) والتي تهدف إلى تنويع الاقتصاد ووضع حد للارتهان للنفط. ورغم أن السلطات أوحت عبر وسائل الإعلام الرسمية والخاصة خلال الاسابيع الأخيرة بقرب عودة السينما إلى الدولة التي يسكنها مجتمع شاب، إلا أن الخطوة التاريخية هذه قد تواجه ممانعة من قبل بعض رجال الدين. وقال موظف في هيئة الترفيه "السعودية حالاً هي كالباص السائر بسرعة عالية، إما أن تصعد على متنه، وإما أن يتجاوزك فتصبح من الماضي"، وخلال الأشهر الماضية، سمحت السعودية بحفلات غنائية، وبتنظيم معارض كانت ممنوعة، ومهرجانات ثقافية، واحتفالات مختلطة باليوم الوطني. هوية ثقافية رغم عدم وجود قاعات للسينما، تشهد السعودية نمواَ مطرداً في قطاع الصناعة السينمائية، حيث يقام منذ سنوات مهرجان للأفلام في مدينة الدمام في المنطقة الشرقية، كما نال فيلم "وجدة" للمخرجة السعودية هيفاء المنصور استحسان النقاد حول العالم وحصل على جوائز عدة في مهرجانات عالمية سنة 2013. وتأمل السعودية هذا العام أيضاً الدخول في سباق للفوز بجائزة الأوسكار عن الفيلم الكوميدي "بركة يلتقي بركة"، وبالنسبة إلى هشام الفقيه، الممثل السعودي صاحب الدور الرئيسي في الفيلم، فإنه "من دون سينما ستموت المواهب الفنية في البلاد"، مضيفاً في تصريح لفرانس برس "السعوديون بحاجة الى هوية ثقافية واضحة". ولم تحدد السلطات السعودية بعد موعداً لبدء فتح أبواب دور السينما التي أغلقت مع بداية ثمانينات القرن الماضي واقتصرت بعدها على مجمعات الشركات الغربية، إلا أن مواقع التواصل الاجتماعي بدأت تغص بالنقاشات حول هذه المسألة. وينفق السعوديون ملايين الدولارات سنوياً لمشاهدة افلام سينمائية وزيارة مرافق ترفيهية في دول مجاورة على رأسها دولة الامارات والبحرين، وقال المنتج والمخرج علي الكلثمي لفرانس برس "السينما ستجعلنا أقرب إلى إنسانيتنا".
مشاركة :