صدر حديثا كتاب «الهوية العربية بين التخييل والواقع» للكاتبة والناقدة الأدبية الدكتورة سعاد العنزي عن دار كلمات. يتناول الكتاب - الذي كان في الأساس أطروحة ماجستير قدمتها الباحثة في جامعة برايتون في برنامج الفلسفة والنظرية النقدية عام 2011 - تمثيلات موضوعة الهوية العربية في كتاب «الاستشراق» للمفكر الفلسطيني - الأميركي إدوارد سعيد، وكتاب «الهويات القاتلة» للكاتب اللبناني - الفرنسي أمين معلوف. يحلل في الفصل الأول كتاب «الاستشراق» من حيث أفكاره العامة وفصوله وأهم نقاط قوة الكتاب مثل تطبيق سعيد لنظرية «السلطة والمعرفة» للفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو، ومفهوم «المثقف العضوي» للمفكر أنطونيو جرامشي. أما الفصل الثاني فيحلل النقد السلبي الموجه للكتاب وعرض أهم الثغرات المنهجية في الكتاب وتوضيح الأثر السلبي للقراءات الخاطئة للكتاب كازدياد الهوة بين الشرق والغرب. إذا كان كتاب الاستشراق لسعيد يحلل صورة العرب من الخارج أي من خلال اطروحات المستشرقين الغربيين، فإن معلوف ينطلق في كتابه «الهويات العربية» لنقد الهوية العربية من الداخل ويوضح سبب فشل الحداثة العربية، ويطرح مفهوما مختلفا للهوية الإنسانية معتمدا على اطروحات مفكري ما بعد الحداثة للهوية مثل جاك دريدا وهومي بابا وادوارد سعيد. تقارن هذه الدراسة بين طبيعة تمثيلات الهوية العربية المعروضة بالكتابين بالاستناد على مقاربات نظرية «ما بعد الاستعمار» و«ما بعد البنيوية» في تحليل وجهتي نظر الكاتبين. قدم للكتاب الدكتور سيف المعمري الأكاديمي في جامعة الكويت بقوله: «تتطلب أي محاولة جادة لدراسة مفهوم معقد مثل مفهوم الهوية سبر أغوار العديد من الأقطاب المستعِمر والمستعمَر أو الذات والآخر، وهذه أقطاب لا تفصح عن كنهها بيسر وسهولة، كما تتطلب هذه المحاولة قدرة عالية على التوازن أثناء الحركة خشية الوقوع في تأويلات واستنتاجات سريعة لا تقود إلى تفكيك الشفرات الكثيرة التي تتكون منها الهوية، أو لا تقود إلى إعادة تجميع قطع الأرابيسك المتناثرة الناتجة عن تشظي الهوية، ولكن الدكتورة سعاد هي مثقفة عضوية فاعلة من المنظور الغراميشي؛ حيث حملتها الشجاعة المعرفية على اقتحام ساحات تلك الأقطاب، وإلى تقمص دور المتحري الذي يستنطق الجميع، ويقارن بين رواياتهم، ويحاكم ردات أفعالهم تجاه الأحداث؛ بغية الوصول إلى فهم واضح لما تعنيه الهوية التي لا تزال مسألة مؤثرة جدا في ما يجري من أحداث على الأرض العربية، وفي ما يبنى من مواقف وتصورات ومعتقدات غربية تجاه الوطن العربي، هي في هذه المحاولة لا تنطلق من مقاربتي كل من إدوارد سعيد وأمين معلوف فقط - رغم أن تركيزها كان على توضيح رؤيتيهما للهوية - إنما تستعين بخطاب فوكو حول السلطة والمعرفة الذي استند إليه سعيد، وعلى جاك دريدا وهومي بابا اللذين ارتكز معلوف على خطابيهما، وفي ضوء ذلك فإن هذا الكتاب يثير تساؤلات عميقة ويفتح ملف الهوية للنقاش بصورة أكثر عمقاً في اللحظة التي تبدو الهوية في المنطقة العربية أشبه بفهد متوحش لا بد من ترويضه حتى لا يقود إلى مزيد من التفتيت لما هو مفتت أصلا من النسيج الاجتماعي والسياسي للمجتمعات العربية». كما وصف الدكتور فارس الوقيان الأكاديمي في جامعة الكويت جهود الباحثة بقوله: «لكل مجتمع صفوته المفكرة، لقد استطاعت الأكاديمية الكويتية سعاد العنزي أن تحتل لها مكانة مميزة بين رموز الصفوة المفكرة في الحقل المعرفي بالكويت، وذلك نتيجة لما تمتلكه من أدوات منهجية وفكرية ومشاريع ثقافية خلاقة في الفضاء الأكاديمي والمجتمعي الذي نعيشه. ويأتي مؤلفها الرصين عن الهوية العربية في ضمن هذا السياق المعرفي العميق التي تحفر فيه بالطبقات التحتية للمفاهيم بما يعود خيره للأمة العربية والإنسانية جمعاء». ما يميز الإنتاج المعرفي للدكتورة العنزي ان كل أبحاثها ومؤلفاتها بعيدة كل البعد عن الاستعراض الإعلامي المسطح الذي يلبي احتياجات اقتصاد السوق ورغبات الجماهير، فهي تريد أن تنهض بالشأن الثقافي والمعرفي وتنميه لا أن تعكس سطحيته وضحالته. أما الدكتور فيصل الوزان الأستاذ في جامعة الكويت بقسم التاريخ، فقال: «كتاب صغير في حجمه كبير في فائدته، يتيح للقارئ التعرف بشكل جيد على قضايا مهمة أخذت حيزا من الجدل كمسألة الهوية وإشكاليات الانتماء، والموقف من الاستشراق الغربي، ونظرية ما بعد الاستعمار».
مشاركة :