كارلو سيبولا والقوانين الخمسة للغباء البشري

  • 10/24/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

عندما وضع المؤرخ الاقتصادي الإيطالي كارلو م. سيبولا، كتابه «القوانين الجوهرية للغباء البشري» باللغة الإنكليزية، رفض ترجمته إلى لغة أخرى لظنه أن معناه سيتلاشى، وسرعان ما ذاع في مجتمعات اللّغة الإنكليزية. وحين أعاد كتابته بلغته الأم «الإيطالية»، كان قد غيّر رأيه، لأنه سرعان ما لاقى ترحيباً وطنياً هائلاً، فتصدرت مبيعاته سوق الكتاب في ايطاليا. وسرعان ما ترجم إلى الفرنسية وإلى غيرها من اللغات (الترجمة العربية عن «كتاب نزوى» بتوقيع زاهر السالمي). كذلك قدم كنص مسرحي، وعرض على الجمهور الواسع على الخشبة فلاقى ترحيباً عظيماً. وكارلو ماريا سيبولا (1922- 2000) هو مؤرخ اقتصادي وأستاذ في كلية «بيركلي Berkeley» وكذلك في المدرسة العليا في «بيـزا Pisa» وقد ولد في مدينة بافيا- إيطاليا وتخرج من جامعتها عام 1944، ليتابع دراسته العليا في السوربون، وفي مدرسة لندن للاقتصاد. ودرس في جامعة كاتانيا وهو في سن السابعة والعشرين. وفي عام 1957، عين أستاذاً زائراً في جامعة كاليفورنيا ونال درجة الأستاذية في التاريخ الاقتصادي. نعته كلية بيركلي في جامعة كاليفورنيا فقالت فيه: «كان رائداً في مجاله. غزير الإنتاج، مجدداً ومبتكراً، قاد جيلاً كاملاً، في التاريخ الاقتصادي بعد الحرب العالمية الثانية». ووصفت كتبه بالتجديد في الفكر الإنساني، ومنها: «محو الأمية والتطور في الغرب» 1970، وكتابه: «التدهور الاقتصادي للأمبراطوريات» وترك بعد وفاته أكثر من عشرين مؤلفاً، جاعلاً اهتمامه ينصب على تاريخ الأمراض الاجتماعية، وأثرها في الاقتصاد والمجتمع، وهو الاختصاصي في تاريخ ايطاليا في القرون الوسطى، وفي المرحلة المبكرة من حداثتها. غير أن أهم كتاب اشتهر به بين القراء، كان كتابه «الغباء البشري» إذ وجد فيه ثيمة قديمة في التاريخ، تعاطى معها الإنسان فلسفياً ودينياً وأخلاقياً. أما إضافته في ذلك فتمثلت في تعريفه «الغباء البشري» من منطلق اقتصادي، مسلطاً الأضواء على تبعاته الاجتماعية بلغة تقريرية محكمة لا تحتمل المجاز، معتمداً في ذلك على دراسات وبحوث وإحصاءات، وكان في كل ذلك يقارب في فكرته الأساسية ما قاله الخليل بن أحمد الفراهيدي: «الرجال أربعة: رجل يدري ولا يدري أنه يدري، فذلك غافل فنبهوه. ورجل لا يدري ويدري أنه لا يدري، فذلك جاهل فعلموه. ورجل يدري ويدري أنه يدري، فذلك عاقل فاتبعوه. ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري، فذلك أحمق فاحذروه» وعند الأبشيهي أن الغباء يجمع عادة مع الحمق فيقول: «يتصرف تصرف الغبي الأحمق. وقال: ربما أراد الأحمق نفعك فضرك. وقال: ما يداوى الأحمق بمثل الإعراض عنه. ويذكّر بقول الشاعر العربيّ: لكل داء دواء يستطب به / إلاّ الحماقة أعيت من يداويها. وجاء في معجم المعاني الجامع والمعجم الوسيط: «أحمق الحي: رجل قليل العقل فاسد الرأي. يأتي بأعمال لا معنى لها. (مادة حمق). وتحدث سيبولا عن القوانين الجوهرية للغباء البشري، فوجدها تقع في خمسة قوانين: 1- القانون الجوهري الأول: دائماً وحتماً يقلل الجميع من تقدير عدد الأفراد الأغبياء المنتشرين. 2- القانون الجوهري الثاني: إن احتمال أن يكون فرد ما غبياً، مستقل عن أي صفة أخرى لذلك الفرد. 3- القانون الجوهري الثالث (الذهبي): البشر أربع فئات أساسية: العاجزون، الأذكياء، اللصوص، والأغبياء. فالمرء الغبي هو امرؤ يسبب الخسارات لامرئ آخر أو لمجموعة من الناس، بينما هو نفسه لا يكسب وربما يعاني خسارات. 4- يقلّل الناس غير الأغبياء دائماً من القوة المخربة التي لدى الأفراد الأغبياء. وبالتحديد يستمر الناس غير الأغبياء في نسيان أن التعامل مع بشر أغبياء ينقلب دائماً إلى خطأ مكلف في كل الأوقات والأمكنة وتحت أية ظروف. 5- القانون الجوهري الخامس: الإنسان الغبي هو أخطر أنواع الإنسان. لازمته والنتيجة البديهية لهذا القانون: الإنسان الغبي أكثر خطورة من اللص. ويقول كارلو م. سيبولا: إن القصة تختلف تماماً، عندما يبدأ البشر الأغبياء بالعمل. ويتابع قائلاً: يتسبب البشر الأغبياء بخسارة لناس آخرين من دون مكسب يعادلها في حسابهم. لذلك فإن المجتمع ككل يفتقر: «فبينما يقوم الأفراد الأذكياء بالإضافة والزيادة في رخاء المجتمع، فإن الأفراد الأغبياء وفق سيبولا، يسببون انحطاطاً. لا يخاطب سيبولا البشر الأغبياء في كتابه كما يصرح بنفسه عن ذلك في المقدمة، بل يخاطب من عليه، بين حين وآخر، أن يتعامل مع هكذا بشر. فهذا كتاب للأذكياء، كما يقول ويستشهد بمقولة لفيلسوف صيني: «إن المعرفة مصدر للحكمة الكونية: لكن هذا لا يمنعها من أن تكون أحياناً سبب سوء فهم بين الأصدقاء. ويقول الباحث أيضاً في خواتيم بحثه أنه سواء نظر أحد إلى العصور الكلاسيكية أو الوسطى، أو الحديثة، أو المعاصرة، فإن الواحد سيعجب بحقيقة أن أي بلد يتحرك صعوداً، لديه قسمه من البشر الأغبياء الذي لا يمكن تجنبه. ومع ذلك، فإن تلك البلاد الصاعدة، لديها أيضاً قسم كبير في شكل غير اعتيادي من البشر الأذكياء الذين يتدبرون إبقاء القسم الغبي في المياه الضحلة. وينتجون في الوقت ذاته ربحاً كافياً لهم وللأفراد الآخرين من المجتمع لجعل التطور يقيناً. أما في البلد الذي يتحرّك انحداراً، فإن القسم من البشر الأغبياء ما زال يتكاثر ضمن من هم في السلطة كلصوص ذوي نغمة إضافية من الغباء، ويتكاثر كذلك في شكلٍ مساوٍ ضمن من هم خارج السلطة عدد مرعب من الأفراد الأغبياء العجزة. ويلاحظ أخيراً، أن هذا التغيير في مكوّنات البشر الأغبياء، لا محالة، يعزّز من القوى المدمرة، ويصبح الانحطاط يقيناً، ولو ذهبت البلاد إلى الجحيم! وبنظر سيبولا إذاً، من المسلم به وبنحو لا يمكن إنكاره، أن الشأن الإنساني في حالة يرثى لها، وعلى أية حال، هذه فكرة ليست مبتكرة، فبمقدار ما استطعنا مدّ النظر إلى الوراء، كان الشأن الإنساني دائماً في وضع يائس. وهو يرى أيضاً أن الحمل الثقيل من المتاعب والبؤس الذي على البشر احتماله كأفراد وكأعضاء في مجتمعات منظمة، هو في الأساس منتج مصاحب للشكل، بعيد الاحتمال. إنه بكل تأكيد يمثل الغبي الذي رسخت فيه الحياة مع فجر ولادتها. فبعد داروين يقول سيبولا، عرفنا أننا نتشارك في أصلنا مع الأعضاء الأدنى في المملكة الحيوانية، والديدان كما الفيلة عليها احتمال نصيبها من الشقاء اليومي والمآزق والمحن. ويقول شارحاً: «حتى الآن، ظل الجنس البشري مميزاً، لأن عليه احتمال جرعة زائدة من المحن التي تنشأ يومياً بسبب مجموعة من السلالة البشرية ذاتها. إنها مجموعة الأغبياء في المجتمعات البشرية، والتي هي أدهى وأعتى قوة من المافيا، لأنها مجموعة غير منظمة وغير مؤطرة، فهي خارقة لكل الصفوف الاجتماعية وبطبقاتها المتنوعة!

مشاركة :