تمنح القاهرة موضوع تطوير منظومة مراقبة الحدود أولوية في المرحلة الحالية، من أجل مجابهة تحديات تفرضها معطيات الحرب على الإرهاب، إذ تتعاون القاهرة في مسألة تأمين الحدود والحصول على أجهزة مراقبتها مع كل من أميركا وروسيا، وحديثاً الصين وفرنسا، وأخيراً كوريا الجنوبية. وعلمت «الحياة» أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بحث خلال لقاءاته مع مسؤولين ومصنّعين عسكريين في فرنسا مسألة تطوير المنظومة العسكرية المصرية لمراقبة الحدود، خصوصاً الحدود البحرية. وفي التقديرات الأمنية المصرية، فإن تأمين الحدود الغربية والجنوبية يمثل تحدياً بارزاً في المرحلة المقبلة، في ظل توقعات بسعي المسلحين المنخرطين في تنظيم «داعش» في سورية والعراق إلى البحث عن ملاذات جديدة بعد الهزائم التي تلقاها التنظيم في معقله، وتُقدر القاهرة أن ليبيا ستكون أبرز قبلة لتلك العودة المحتملة. وقال الرئيس عبدالفتاح السيسي في حوار مع قناة «فرانس 24» إن هؤلاء المسلحين سيتوجهون على الأرجح إلى ليبيا وسيناء وغرب أفريقيا. وأظهرت اشتباكات بين قوات مكافحة الإرهاب ومسلحين متطرفين قادمين من ليبيا على الأرجح في منطقة «الواحات البحرية» في الصحراء الغربية قبل أيام، قتل فيها 16 ضابطاً وجندياً، إضافة إلى مقتل وجرح 15 إرهابياً، التحدي القادم من ليبيا، إذ استخدم المتطرفون في تلك المواجهة «أسلحة ثقيلة»، بحسب وزارة الداخلية المصرية. وبدا أن تلك المداهمة كان هدفها إيقاع «صيد ثمين» بالنظر إلى مشاركة أكثر من 6 ضباط من جهاز الأمن الوطني (أبرز الأجهزة المعلوماتية المعنية بالحرب على الإرهاب) في تنفيذها، علماً أن مشاركة هذا العدد من ضباط الجهاز في مداهمات أمر لافت. ولأول مرة في تاريخ وزارة الداخلية يسقط هذا العدد من ضباط الجهاز ضحايا اشتباكات. وفي أعقاب الهجوم، طلب الرئيس من قيادات الجيش والشرطة تكثيف جهود مراقبة الحدود، لمنع محاولات اختراقها. وقال السيسي إن القاهرة دمرت خلال الأعوام الثلاثة الماضية نحو 1200 سيارة محملة بالأسلحة والذخائر والمسلحين. وقال مصدر مصري لـ «الحياة» إن القاهرة حصلت العام الحالي من الولايات المتحدة على «أبراج مراقبة متحركة»، تم الدفع بها في المنطقة الغربية، موضحاً أن نظام الاستشعار المتحرك يتيح القدرة على مراقبة مساحات كبيرة من الحدود المترامية الممتدة لـ1200 كيلومتر. ومن ضمن المعدات المتوقع الحصول عليها العام المقبل من الولايات المتحدة أجهزة اتصال متطورة وأجهزة تشويش، ومناظير مراقبة حرارية، ومجسات أرضية، وأنظمة مراقبة متحركة بـ»الفيديو». ويُنتظر أن يتطور التعاون المصري- الأميركي في هذا الصدد في ظل قرار بتخصيص جزء من المعونة العسكرية المقدمة لمصر بدءاً من العام المقبل، لأسلحة مكافحة الإرهاب، وفي مقدمها أجهزة مراقبة الحدود. كما حصلت القاهرة على مجسات ومناظير ليلية لمراقبة الحدود من روسيا تم الدفع بها أيضاً في المنطقة الغربية، إضافة إلى أجهزة اتصال حديثة، وتشويش على الاتصالات، ومعدات للتنصت، وسط حديث عن دفعات أخرى قيد الاتفاق. وحصل الجيش المصري العام الماضي على طائرات من دون طيار من الصين تستخدم في شمال سيناء في أعمال الاستطلاع والمسح الجوي. وتتعاون القاهرة مع فرنسا وروسيا وأوكرانيا للحصول على صور من أقمار اصطناعية تتعلق بمراقبة الحدود الغربية، وسط ترتيبات «غير معلنة» لإطلاق أول قمر اصطناعي مصري مُخصص لأغراض عسكرية بالتعاون مع فرنسا، وستكون مراقبة الحدود الغربية والجنوبية جزءاً أساسياً من مهمته. وجانب كبير من التعاون مع فرنسا في هذا الصدد مُخصص لمراقبة الحدود البحرية، إذ زودت قطع بحرية عسكرية تسلمتها مصر أخيراً من فرنسا بمعدات لهذا الغرض، من بينها «رادارات بحرية» وأجهزة رؤية ليلية، ومعدات استشعار من بعد، ووسائل رصد وتتبع. وأفيد بأن التوسع في تطوير منظومة مراقبة الحدود سيشمل أيضاً في المرحلة المقبلة الحصول على معدات متطورة من كوريا الجنوبية. وتحظى الحدود الجنوبية بجانب كبير من المراقبة في المرحلة الحالية والمستقبلية، في ظل تقديرات باحتمال توتر الأوضاع عند مثلث الحدود المصري- الليبي- السوداني، نظراً إلى فرار مسلحين متطرفين في ليبيا إلى المناطق الجنوبية بعد التضييق على معسكراتهم في الساحل الشمالي الشرقي، إذ بدأ ينشط المسلحون على مسافات تصل إلى عمق 120 كيلومتراً جنوب الساحل الليبي. ويسود استنفار أمني محافظات البحر الأحمر والصعيد في جنوب مصر، لمنع تسلل أي متطرفين من الطرق الجبلية وصولاً إلى سلسلة جبال البحر الأحمر، القريبة من منتجعات سياحية مهمة. وتمتد مناطق جبلية وعرة من شمال الصعيد وحتى الحدود المصرية مع كل من ليبيا والسودان.
مشاركة :