أبها علي فايع أثارت رؤية طرحها الدكتور علي عبدالمتعالي، بخصوص المفارقات الثقافية التي تختص بها منطقة عسير، آراء بعض أدباء المنطقة، بعد أن كتب على صفحته في «فيسبوك» عن واحدة من أبرز هذه المفارقات التي تتمثّل -كما قال- في أنّ من يقوم في الحفلات بالضرب على الطبل المصنوع من الجلد (ما يعرف محلياً بالزلفة أو الزير) هم فئة مجتمعية معينة امتهنوا هذا الشيء كمصدر دخل، بينما يكون الضرب على الطبل المصنوع من المعدن (المعروف محلياً بالتنكة أو البرميل) أمراً متاحاً لمن يهوى ذلك من أي فئة مجتمعية أخرى، وقد يقوم بذلك علية القوم نسباً وجاهاً. وأشار عبدالمتعالي إلى أنّ الضرب على الطبل الجلدي يعتبر أمراً حصرياً للفئة المعنية بذلك ومحظوراً على بقية أفراد الفئات المجتمعية الأخرى، وقد تفرض القطيعة والعزلة المجتمعية على من يحاول ممارسته من الفئات الأخرى. وتساءل عن الفيصل في المسألة، هل هو نوع الطبل (جلدي/ معدني)، أم هو احتراف وامتهان الضرب على الطبول؟ أم ماذا؟ الشاعر زايد الكناني استبعد كلّ الخيارات التي طرحها عبدالمتعالي، وقال: «يجب أن نعترف بالسبب وهو التصنيف الطبقي للمجتمع، الذي فشلنا جميعاً بكامل مؤسساتنا في القضاء عليه، كما فشلت معه رؤية المتدينين الذين يتكئون على موروث يرفض هذا التصنيف وغيره بين بني البشر». فيما رأي الشاعر أحمد التيهاني أنّ الفارق يكمن في «المهنة»؛ فالذي «يدق التنكة» هاوٍ فقط، أما الذي «يزلف» فهو محترف متكسّب. وقال: المعلوم في جهاتنا -بوصفها جهات استقرار لا جهات ارتحال-، أنّ الطبقيات الاجتماعية المزعومة كلها قائمة على المهن، فأهل الزراعة «والبلاد» و»امبلد»، هم علية القوم، وأهل بقية المهن أدنى منهم، حتى إن التجارة كانت نفسها حرفة ممتهنة ومعيبة.. وكان أهلها يسمون «امّدكّنة».. والمسألة كلها اقتصادية. فيما كانت رؤية الكاتب علي القاسمي ساخرة؛ إذ رأى أنّ الزير والزلفة لا يرتبطان في أذهان المجتمع بشيء، لكن التنكة تربطهم بالتمر، والبرميل بالنفط، وبالتالي ولدت نظرة شوفينية لحساب التنكة والبرميل ومن شاغبهما بالأصابع، بينما بقي كل من الزير والزلفة يفتشان عمن يقدمهما بوصفهما ثمينين من الداخل. ورأى الشاعر عبدالرحمن موكلي أنّ المجتمعات دائما تخضع للعامل الاقتصادي في كل تحولاتها، والمجتمع الزراعي قبل قيام الدولة السعودية -قبل أن يتحول لوظيفي- كان مجتمعاً طبقياً على رأسه ملاك الأرض. وقال إنّ متغيرات الحياة لم تفقد فئة معينة في المجتمع عملهم في الأرض والبيوت والضرب في المناسبات حتى مناسبات النساء؛ حيث بقيت هذه الحرف مع المتغيرات. وذكر أنّ الفضل يعود لأصحاب هذه المهن في الحفاظ على هذه الفنون من الاندثار، مضيفاً أنّ المناطق الجبليّة في جازان على سبيل المثال، لا يوجد فيها لا طبل ولا زلفة، بل يوجد أحياناً مزمار. فيما اتفق أحمد الحياني مع رؤية التيهاني، وقال إنّ الزير والزلفة من يدقها ممتهن لهذا العمل، ويتكسب منه، وقد لا يحضر إلاّ باتفاق مع صاحب المناسبة، أما من يدق التنكة والبرميل والمفراز (النجر) فهو هاوٍ ولا يأخذ عليه أجراً. وأشار الحياني إلى أن المهن التي خارج إطار المهن الأساسية للقبيلة من زراعة ورعي تعتبر مهناً مكتسبة يقوم بها الوافدون للقبيلة لسبب أو لآخر.
مشاركة :