استثمارات بريطانية بـ 21 مليار دولار لإنتاج النفط من بحر الشمال

  • 8/25/2013
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

يهيمن القلق والتوتر على المشهد الاقتصادي في صناعة النفط والغاز البريطانية، فمعدلات إنتاجهما من تحت سطح المياه في بريطانيا، تشهد تراجعاً شديداً في الآونة الأخيرة، ما سبب حالة من الانزعاج ليس فقط بالنسبة للمسؤولين في هذه الصناعة، بل أيضا لصناع القرار السياسي في المملكة المتحدة. ويشير تقرير هيئة النفط والغاز البريطانية إلى أن الاستثمارات في هذا القطاع الحيوي قد بلغت 13.5 مليار جنيه استرليني (21 مليار دولار)، لكن هذا لم يحل دون انخفاض الإنتاج بنسبة 19 في المائة عام 2011، و14 في المائة العام الماضي. وعلى الرغم من أن الأرقام الخاصة بالعام الحالي لم يعلن عنها بعد رسمياً، إلا أن التقرير يتوقع انخفاض الإنتاج بنسبة 8.5 في المائة هذا العام، دون مؤشرات للتحسن في العام المقبل. لكن هذه الأرقام السلبية لم تمنع البعض أن يكون متفائلا تجاه المستقبل، وهو ما عبر عنه الدكتور أندروا ديمون المختص في شؤون النفط والمستشار لدى هيئة النفط والغاز البريطانية قائلاً: إن الوضع خلال العامين الماضيين والعام الراهن والمقبل سيئ، لكنني أتوقع أن يأخذ الأمر في التحسن ابتداء من 2015، فالاستثمارات التي تمت تتطلب بعض الوقت لكي تظهر نتائجها، كما أتوقع أن تتراجع الاستثمارات في هذا القطاع خلال عام 2015 لنحو عشرة مليارات جنيه استرليني، ولهذا آمل أن نحقق مكاسب بعد عامين من الآن، جراء زيادة الإنتاج وتراجع الاستثمارات اللازمة. إلا أن نظرة البعض المتفائلة تجاه المستقبل لا تمنع آخرين من الإعراب عن قلقهم من الوضع الراهن خاصة مع الارتفاع السريع في متوسط تكلفة استخراج برميل النفط من المياه البريطانية، فقد انخفض معدل استخراج كل برميل محتمل من النفط أو ما يوازيه من الغاز بنحو 60 في المائة، وهو ما مثل أسوأ وضع منذ نحو سبع سنوات فقد كان معدل كفاءة الإنتاج يتجاوز نسبة 80 في المائة. ويعلق ستيف ماك ليندن أستاذ مادة اقتصاديات البترول في جامعة أكسفورد لـ الاقتصادية على الوضع بأنه نتيجة التحديات الجيولوجية، والإغلاق غير المخطط للمنصات البحرية لإنتاج النفط والغاز فإن تكلفة إنتاج برميل النفط أو ما يوازيه من الغاز من المياه البريطانية تضاعفت بنحو أربع مرات خلال العقد الماضي، وهذا مؤشر في منتهى الخطورة، وستكون له تأثيرات شديدة السلبية في الجدوى الاقتصادية لإنتاج النفط والغاز من المياه في بريطانيا، ويضيف أن تكلفة الإنتاج تتفاوت بشكل كبير من حقل لآخر، جراء عديد من العوامل، فبالنسبة للغاز مثلا يمكن أن تبلغ التكلفة خمسة جنيهات استرلينية لإنتاج الغاز وهو ما يوازي برميلا من النفط، وفي المتوسط فإن التكلفة 13.50 جنيه استرليني، لكنها في أحيان أخرى تقفز إلى 70 جنيها استرلينيا للبرميل وهو ما يوازي تقريبا السعر في السوق العالمية، والآن لدينا عديد من الحقول التي تبلغ فيها تكلفة الإنتاج 40 استرلينيا للبرميل. ويشير تقرير هيئة إنتاج النفط والغاز في المملكة المتحدة إلى أن هناك اتجاها ملحوظا لتصاعد تكاليف الإنتاج، وإن كان الوضع ما يزال حتى الآن محصورا في عدد صغير من الحقول، إلا أن الاتجاه العام لتكاليف تشغيل الوحدة آخذ في الارتفاع بشكل ملحوظ وهذا الوضع لن يتغير إلا إذا تم عكس الاتجاه الراهن لتراجع الإنتاج، ويضيف التقرير أنه كما هي العادة في الاقتصاد، إذا كانت هناك رغبة في خفض سعر سلعة من السلع فإنه لا بد من زيادة الإنتاج، وإغلاق الوحدات الإنتاجية الخاسرة أو التي تقوم بالإنتاج بأسعار مرتفعة جراء عدم الكفاءة. من جهتها أبدت السلطات البريطانية اهتماما ملحوظا بقضية تراجع إنتاج البلاد من النفط والغاز المستكشف تحت المياه. فالوضع المميز لهذا القطاع الصناعي في الهيكل الاقتصادي البريطاني ينبع من عديد من العوامل من أبرزها مساهمته الواضحة في مجال التشغيل والتوظيف، خاصة مع ما تحتله قضية ارتفاع معدلات البطالة في بريطانيا التي تبلغ حاليا نحو 7.8 في المائة من جدل شديد بين الاقتصاديين وصناع القرار السياسي، كما تسهم صناعة النفط والغاز المستكشف تحت المياه البريطانية في توظيف نحو 450 ألف عامل وتدر نحو 40 مليار جنيه استرليني على الاقتصاد البريطاني سنويا من بينها سبعة مليارات من عمليات التصدير للخارج، وقد بلغت استثمارات العام الماضي في هذا القطاع 11.4 مليار استرليني، وخلال عامي 2011 و2012 تمت الموافقة على مشاريع ستتطلب إنفاقا استثماريا بنحو 22 مليارا استرلينيا، لإنتاج ما يقارب ملياري برميل من النفط على الأمد الطويل، حيث تقدر السلطات البريطانية أن هناك ما يراوح بين 15-24 مليار برميل من البترول، وما يوازيه من الغاز قابل للاستخراج من المياه البريطانية. وقد دفع إدراك الحكومة البريطانية للموقف الصعب في هذا القطاع الاقتصادي الحيوي لتشكيل لجنة برئاسة اللورد أيان وود لدراسة الوضع، وهى أول لجنة منذ 20 عاما تبحث تطورات الموقف في قطاع إنتاج النفط والغاز من المياه البريطانية، وقد صرح وزير الطاقة البريطاني بأن دوافع تشكيل تلك اللجنة تكشف تماما تفاصيل الموقف، مؤكداً لوسائل الإعلام البريطانية أن التحديات غير المسبوقة التي يواجهها القطاع تتطلب منا منطق تفكير جديد. ولا يعد البعد الاقتصادي لهذه القضية الجانب الوحيد المحدد لمستقبلها، فالدكتورة ألين ديفيد ماك رئيسة قسم الدراسات السياسية في معهد العلوم السياسية التابع لجامعة كامبريدج تلقي لـ الاقتصادية الضوء على جوانب أخرى لهذه القضية، وتقول إنه كما نعرف فإن النفط والغاز المستخرج من تحت المياه يقع معظمه ضمن مياه بحر الشمال والمناطق التي يمكن أن تخضع لأسكتلندا في حالة استقلالها عن بريطانيا، إذ سيدلي الأسكتلنديون بأصواتهم في اقتراع لتحديد مصيرهم في 18 كانون الأول (ديسمبر) 2014، لمعرفة ما إذا كانوا يريدون الاستقلال عن التاج البريطاني أم لا، ومن ثم فإن الاستثمار بكثافة في هذا القطاع الآن من قبل حكومة المملكة المتحدة يمكن أن يكون بلا أثر مستقبلا إذا انفصلت أسكتلندا، حيث ستكون باقي المكونات السياسية للمملكة المتحدة قد استثمرت مليارات في هذا القطاع الحيوي، ولكنها لم تجنِ شيئاً من وراء ذلك. وأضافت الدكتورة ألين، أن التقديرات المتاحة تشير إلى أن مياه بحر الشمال تحتوي على نحو 24 مليار برميل من النفط والغاز، وبالأسعار الراهنة فإن ذلك يقدر بنحو تريليون ونصف تريليون جنيه استرليني، ومن ثم فإن هذا القطاع لربما سيمثل عصب الاقتصاد الأسكتلندي مستقبلا. فيما تعتبر أملي جيدزون المتخصصة في الشؤون الأسكتلندية أن الأزمة الراهنة في قطاع إنتاج النفط والغاز من بحر الشمال تعكس حالة التوتر السياسي بين لندن وأدنبرة، وتضيف لـ الاقتصادية أن لندن ضخت استثمارات كثيفة في هذا القطاع، ولكي تحقق تلك الاستثمارات العائد منها فإن الأمر يتطلب مزيدا من الوقت، ولكن في حال انفصال أسكتلندا فإن بريطانيا لن تحقق مبتغاها من تلك الاستثمارات، ولذلك تريد لندن تسريع حصولها على فوائد من تلك الاستثمارات، ولذلك أقترح إغلاق الحقول التي تعتبر إنتاجيتها منخفضة، لكن هذا الأمر لا يروق الأسكتلنديين لأنه باختصار يعني رفع معدلات البطالة في أسكتلندا، ما يعني أن رئيس الوزراء الأسكتلندي أليكس سالموند في حال حصول بلاده على الاستقلال سيبدأ عهده وأمامه مشكلة بطالة في القطاع الاقتصادي الأبرز في أسكتلندا، ولهذا فإن أدنبرة منزعجة من الأفكار المطروحة من قبل لندن بإغلاق بعض حقول الغاز أوالنفط، وتطالب في المقابل بمزيد من الاستثمارات وهو ما تبدو لندن مترددة في القيام به، أو تريد ضمانات بأنها ستكون الشريك الأول في هذا القطاع مستقبلاً.

مشاركة :