قد يندر مشاهدة الأطفال يقفون في طابور طويل أمام المكتبة البريطانية بلندن، ولكن المكتبة العريقة نجحت في جذب أعداد ضخمة من الأطفال والمراهقين وأيضاً البالغين لحضور معرض يدور حول العالم السحري لهاري بوتر، بطل مجموعة روايات ومسرحية للكاتبة جي كي رولينغ.أشق طريقي لداخل المعرض بشيء من الصعوبة، ولكنّ أي محاولة للتمعن في المعروضات ولو لدقائق تصبح صعبة جداً بسبب أعداد الزوار الصغار. وقفت خلف فتاة حضرت للمعرض مع جدتها، فيما يبدو، لم تتحرك من أمام خزانة العرض التي تضم مقدمة للكتاب الأول من «هاري بوتر»، كما طبعتها رولينغ، تشير الفتاة لجدتها إلى بعض الفقرات، ثم تتحرك لتعاين لوحةً كبيرةً تمثل مشهداً لهاري بوتر وهو على رصيف محطة القطار الذي سيأخذه لمدرسته «هوغوارتس»، تتبادل الجدة والحفيدة تعليقات تنمّ عن معرفة بكل تفاصيل الكتب السبعة. اللافت هنا هو عدد الآباء والأمهات وربما الأجداد الذين حضروا مع أطفالهم لحضور المعرض، ولا يبدو أن الأمر عبء ثقيل على البالغين الذين يبدو عليهم الاستمتاع والانغماس في المعروضات.بداية يجب القول إن المعرض يرتكز على عالم الأساطير وتراث العصور الوسطى الذي نهلت منه رولينغ في رواياتها، هناك معروضات مصنوعة خصوصاً للزائر الصغير، ولكن هناك أيضاً معروضات أخرى موجهة للكبار والصغار، تتراوح ما بين الكتب القديمة من مجموعة المكتبة البريطانية وأخرى مستعارة من متاحف محلية أخرى.جانب مهم من نجاح روايات «هاري بوتر» يعود بالطبع لخيال المؤلفة التي وضعت أفكارها على الورق في كلمات وأيضاً برسومات توضح رؤيتها لكل تفاصيل الكتب، لكن هناك أيضاً التجسيد السينمائي لعالم بوتر وأصدقائه، وهو ما اعتمد المعرض عليه بشكل كبير؛ فمنذ البداية يأخذنا المعرض لداخل مدرسة «هوغوارتس» كما رأيناها في الأفلام المأخوذة من الرواية. نبدأ الجولة من المكتبة التي تدور فيها كثير من أحداث الروايات، الجدران حولنا تحولت لأرفف الكتب، ولأننا في عالم السحر تجذب أنظارنا الكتب المعلقة في الهواء، فمكتبة «هوغوارتس» كانت كتبها تطير وتغضب وتهاجم.في المكتبة أيضاً نرى صوراً مرسومة لشخصيات الرواية، فهنا شخصية دمبلدور مدير المدرسة وإلى جانبه بورتريه للساحرة ماغوناغال، نائبته.من المكتبة ندلف لغرف المدرسة وفصولها الشهيرة، وفي الغرفة الأولى نجد أنفسنا في عالم «الترياقات» والمحاليل السحرية، هي غرفة داكنة الألوان، تتدلى من سقفها «دوارق الوصفات السحرية» وفي وسط الحجرة مرجل ضخم أسود اللون.وعبر الكتب النادرة والمخطوطات التاريخية والقطع الفريدة المستمدة من مجموعة المكتبة البريطانية يفتح المعرض الباب على تراث قديم من الفلكلور الخاص بأساليب السحر والممارسات التي تمثل أساس عالم روايات «هاري بوتر».وبالاعتماد على المواد التي تدرسها مدرسة «هوغوارتس» في الروايات تنقسم قاعات العرض، فإلى جانب المكتبة وغرفة المحاليل السحرية نمضي لحجرة دروس «الدفاع ضد الفنون السوداء»، التي تعلم فيها بوتر وأصدقاؤه فنون الدفاع عن أنفسهم في وجه جيش الساحر الشرير «فولدرمور» وحجرة خاصة بالوحوش السحرية ثم حجرة الفلك، وأخيراً حجرة المعلمة «تريلوني» المميزة بالغلالات الحمراء، وأكواب الشاي المتدلية من السقف.من أهم القطع صفحات بخط اليد رسمت فيها «رولينغ» أماكن مرتبطة ببطل رواياتها؛ فنجد رسماً تخيلت فيها شكله ثم هناك رسم دقيق التفاصيل لشارع التسوق «داياغون آلي» الذي يبتاع منه طلبة المدرسة الكتب الدراسية والحيوانات الأليفة وملابس المدرسة. بالإضافة لقائمة بخط يدها بأسماء المدرسين والمواد التي تدرس في تلك المدرسة. هناك أيضاً بعض اللوحات الملونة بريشة الفنان جيم كاي لشخصيات الروايات. بعض تلك الرسومات والصفحات مملكة لدار نشر «بلومزبيري» و«رولينغ» ولم تعرض من قبل للجمهور.وإلى جانب المقتنيات المرتبطة برولينغ وسلسلة الروايات، يتضمن المعرض أيضاً مقتنيات تاريخية من مجموعة المكتبة مثل مخطوطات كيميائيين من القرن السادس عشر ورفات حكيم صيني من القرن الثاني عشر.المدهش أن بعض القطع المعروضة تعود في أصولها للعرب مثل حجر «بيزور» (البازهر) الذي يقبع في خزانة العرض داخل علبة دائرية ذهبية اللون، ويعود أصلها إلى الأطباء العرب وانتقلت إلى أوروبا بعدد ذلك. حسب لوحة توضيحية نعرف أن الحجر كان يستخدم للتخلص من آثار السموم المختلفة، وهناك أيضاً أسطرلاب عربي الصنع يعود لسوريا كما يوجد مخطوط بالعربية يصور نبات «الماندريك».وقال جوليان هاريسون منسق المعرض: «نشعر بالسعادة أننا نستقبل زوار المعرض وهواة الروايات، لقد استمتعنا باستكشاف بعض التقاليد القديمة التي تمثل الخلفية التاريخية لروايات هاري بوتر كما قابلنا بعض القطع الأثرية المتعلقة»، وأضاف: «نظمنا المعرض حول بعض المواضيع التي يمكن أن يدرسها طلاب مدرسة (هوغوارتس) للسحر؛ من التعاويذ إلى الفلك وقراءة الطالع».وعلقت جي كي رولينغ على المعرض بقولها: «قامت المكتبة البريطانية بمجهود رائع؛ أن نرى قطعاً حقيقية ترتبط بشكل أو بآخر مع كتبي أمر هائل، وكذلك عرض قطع خاصة بي يمثل تذكرة لي بعشرين عاما مرت منذ نشر أول كتاب من السلسلة».بيعت حتى الآن 30 ألف تذكرة للمعرض، وهو أضخم عدد من التذاكر المسبقة لأي معرض تقيمه المكتبة البريطانية.
مشاركة :