< عدد الآثار في الصين، يُقال أنه ينافس نجوم السماء، وهذه الآثار تعد أدلة حية على مسيرة تطورها، ولا يستطيع أحد أن يخفي إعجابه أمام التقنية العالية، التي صنعت بها تلك الآثار. لكنها ليست كُل ما تملكه الصين، وحتى تستطيع أن تستمتع بكل تلك المزايا فأنت أمام خيارين، أما أن تشاهد ذلك عن بعد، أو أن تلتقي بمن ينقل لك ذلك عن قرب. في بكين تحديداً يمكنك أن تلتمس الأحلام من المواطن والوافد الذي يعيش فيها، فتاة حَلمت بأن تحفظ جملتين صينيتين عن ظهر قلب، وشاء الله أن تشرع الصفوف الجامعية أدراجها للغة الصينية بمجرد تخرجها من المرحلة الثانوية، لتشكل بذلك أول دفعة تخرجت من دراسة اللغة الصينية في مصر، ويُقال إن ذلك يُسمى حُلُماً واقعياً، ذلك لأن الصين شدت بيدها حتى قبضت الدكتوراه في يدها. أنها الدكتورة والإعلامية المصرية السودانية هدى علاء الدين، التي تعرف عن نفسها في حديث لـ«الحياة»، وكأن الصين موطنها الآخر، بجانب عروبتها. بدأت قصتها كما تحكيها من مدينة دبي، إذ شرعت لها اللغة الصينية عالماً مغايراً عن المألوف، وتابعت: «من خلال استثمار صيني - إماراتي أعمل في القناة الصينية العربية لدى دبي، أعتقد أننا وبعد جهد طويل حققنا أنجازاً في افتتاح استوديو ينطلق من بكين لبث برنامج (حوارات صينية عربية) نبث من خلاله عن الصين ومن الصين». تعشق التحدي، ولربما كانت مبارزة من طراز طموح حتى استطاعت تجاوز صعوبة اللغة نحو الاحتراف، وكانت من ضمن غير المستسلمين، وأكملت مسيرتها، وقالت أيضاً: «كان الحظ حليفي حين فتحت جامعة قناة السويس في مصر تخصص دراسة اللغة الصينية، أيقنت حينها آن لي قدراً مع اللغة، وحين وصلت إلى العام الأخير، وبعد حصولي على المركز الأولى، رشحت للدراسة في الصين، وأخذت الماجستير والدكتوراه، ومن خلالها جاءتني فرصة العمل في القناة، التي أعمل بها». تقول هدى: «علمتني والدتي الإصرار، ضحت من أجلي كثيراً، وحققت طموحها من خلال نجاحي، كانت تراني غير شغوفة بالعلم، وتبكي، فيما لم أكن أفهم سبب بكائها، وكثيراً ما رددت علي قائلة: الحياة بدون علم ليس لها أي معنى، وبدأت الصعوبات تخف في حياتي تدريجياً، وحينها فهمت أنها (المصاعب) تبدأ كبيرة وتخف تدريجياً». تقول: «في الصين ثقافات مختلفة، وأفكار عدة، ولديهم ما يستحق الدراسة من تاريخ فريد، وأدخلتني اللغة على عالم مليء بالمفاجآت». ولربما تحكي قصتها مع الصين، التي تقضي حياتها فيها منذ سبع سنوات في كتاب خاص «لدي قصص كثيرة، أنا شاكرة للظروف، التي قادتني للعيش فيها، جئت للصين حين كان عمري 18 عاماً، وأشعر بأنني لو ذهبت لأي مكان آخر سأعود إليها، وزرت بحكم طبيعة عملي أغلب المقاطعات، حتى طعامهم ألفته وأحببته لدرجة أنني تعلمت صنع طبقين لتناولهما خارجها». وبخصوص طريقة الحياة، التي ألفتها في الصين، أجابت: «يوجد لدينا عرب، لكن ليس بالعدد الكبير، حياتي هي العمل، ولو شاهدتي حياتهم وطريقتها، ستعرفين كيف وصلت الصين إلى ما هي عليه اليوم، ففيها تقدير أهمية الوقت، زمان كان الوقت يمضي أمامي بدون أي أهمية، وفوجئت برتم الصين السريع، كنت أبكي من ذلك، ورأيت العالم فيها يركض (وأنا مش ملحقه)»، وتضيف: «تعلمت منهم كيف استمتع في شق من يومي بشكل ثابت ومستمر لكسر الروتين، اليوم أطل من خلال اللغة إلى نافدة أوسع من خلال حواراتي التلفزيونية مع الصينيين للعرب، والعرب للصينيين، لكن طموحي يكبر يوماً بعد يوم من خلال الظهور من نافدة الثقافة لأنها الجسر الذي يربط العالم ببعض». وبث برنامج «حوارات صينية» حتى اليوم ثلاث حلقات، وأردفت «أحاور من خلاله المثقفين والكتاب والرسامين والمفكرين العرب والصينيين من كل المقاطعات، لكن لو سألتني عن المدينة الأقرب إلى قلبي فهي بكين». وبخصوص أجمل المقاطعات الصينية، من وجهة نظرها، قالت: «يقال إن الجنة في السماء، وسوغو وهانغو في الأرض، لكنني أفضل بكين لأنها محافظة على تقليديتها الصينية وتقدمها مع تقليديتها أيضاً». أما كيف يمكن لمن يكون وسطاً ثقافياً فكرياً أن ينكسر أجابت: «انكسرت ووقفت، لا أحد ضد الانكسار، كنت يوماً ما لينة لحد الكسر، لكن الحياة أكبر معلم، وداعم للإنسان وتجاربه، كما أشكر ثقافة الصين، التي أعيش فيها منذ سنوات، لأنها علمتني الكثير. مازال هناك ما يكسر، لكنني أخيراً، عرفت طريقة العلاج».
مشاركة :