تبدأ المشروعات العظيمة بحلم، وتنتهي بواقع معاش ينافس في عظمته المشروعات الأخرى، ويضمن للقائمين عليه الصدارة والثراء. أسهم حلم «سابك» في خلق أكبر الشركات البتروكيماوية العالمية للسعودية، وفتح لها قطاعاً صناعياً ضخماً؛ واستثمار أمثل للمقومات؛ وعوائد مالية مجزية؛ ونمواً مطرداً في قيمة الأصول. وكذلك فعل حلم المدينة العصرية «الجبيل الصناعية» التي ما زالت وبرغم مرور ثلاثين عاماً على إنشائها تتقدم المدن السعودية وتنافس المدن العالمية في جمال تصميمها واكتمال خدماتها وتفرد نموذجها. بناء مدينة الجبيل الصناعية من العدم، أسهم في تصميمها وفق ما وصل إليه التخطيط المدني والعمراني آن ذاك، وهو سر تفردها الحالي. وبالرغم من فوارق التشبيه، إلا أن حلم إنشاء المدن العصرية من العدم يعاد استنساخه في «نيوم»، وفق رؤية متوافقة مع متطلبات عصر التقنية والمدن الذكية والاستثمارات الشغوفة بتحقيق التميز ليس في عوائدها فحسب، بل في صناعتها للمستقبل. وهذا ما أشار له سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في حديثه عن مشروع مدينة نيوم؛ حين قال «الفرص خيالية في نيوم.. نريد أن نحجز مكاناً في المستقبل». فالمشروع يشكل نقلة نوعية للعالم بأكمله وليس السعودية، اجتمعت فيه الإرادة السياسية والطموح التنموي، والاستثمارات الجريئة والمعرفة التكنلوجية والشراكات الدولية والعالمية. بناء مدينة نيوم من الصفر هو تحد وفرصة في آن، يرتبط التحدي بالقدرة على التنفيذ ومسابقة الزمن، وحشد التمويل اللازم، وتحويل المدينة إلى منطقة جذب عالمية. أما الفرص فهي كثيرة ومتنوعة بتنوع القطاعات التسعة المستهدفة فيها، والعوائد المالية، وتبقى الفرصة الأهم في المساهمة بـ «صناعة المستقبل» وتحقيق حلم المدينة الذكية التي تحكمها الأنطمة الحديثة، وتديرها الروبوتات، وتستمد طاقتها من الشمس ومكوناتها من الطبيعة، وتحتضن شبكات نقل غير تقليدية تُدار بعقول إلكترونية بمعزل عن البشر، وهو أمر لا يمكن تحقيقه إلا بالبدء من الصفر على أرض فضاء يمكن تصميمها وفق النموذج المستهدف. وهذا ما أكد عليه سمو ولي العهد حين قال «ستبنى منطقة نيوم من الصفر على أرض خام، وهذا ما يمنحها فرصاً استثنائية تميزها عن المناطق التي نشأت عبر مئات السنين». الموقع الإستراتيجي للمدينة، الذي يربط القارات، ويسهل الوصول إليه في زمن قصير من جميع دول العالم، والمقومات المتاحة للمشروع عززت من فرص نجاحه والبدء في تنفيذه. لم يطلق المشروع دون تأطير، بل تزامن الإعلان عنه بخلق الشراكات العالمية الداعمة له، وضمان رفده بـ 500 مليار دولار من قبل المملكة العربية السعودية، صندوق الاستثمارات العامة، إضافة إلى المستثمرين المحليين والعالميين، وتعيين الرئيس التنفيذي، والبدء الفوري بالتصاميم التي ستسخر لها العقول المبدعة والكفاءات المتخصصة، وتحديد إنجاز مرحلته الأولى بحلول 2025. تمتع مدينة «نيوم» بمزايا المناطق الخاصة التي تُشكل لها الأنظمة المتوافقة مع احتياجاتها الاستثمارية والتجارية والمعيشية، المؤطرة بالقوانين السيادية، سيعزز جاذبتها الاستثمارية للمستثمرين. أختم بالتصريحات الشفافة لسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في منتدى «مستقبل الاستثمار» والتي خاطب بها الحضور والمواطنين خلف الشاشات والعالم أجمع. بدا الشغف والإيمان المطلق في حديث الأمير محمد عن مشروعه «نيوم» واضحاً من خلال تعابير جسده وكلماته التي بدت وكأنها خارجة من القلب لا اللسان. إحاطته بالمشروع وحضوره وتلقائيته وشفافيته أسهموا في نقل إيمانه إلى المتلقين. جمع الأمير محمد في حديثه بين التنمية والتطوير وصناعة المستقبل وبين التقدم و محاربة التطرف، وأكد أن ما تهدف له السعودية ليس خروجاً عن المألوف، بل عودة للوسطية التي كانت سائدة على عهد الأجداد، وقبل أن يخُتطف المجتمع ويدفع ببعض شبابه نحو التطرف الذي أسهم في ظهور الإرهاب. تعهد سمو ولي العهد بمحاربة الفكر المتطرف وتدميره، ولا أفضل من تدمير الفكر بالفكر وبالتنمية وتوجيه المجتمع نحو صناعة المستقبل والمشاركة في بنائه. التنمية أساس البناء وحماية المجتمع ومكوناته البشرية، وأجزم أن ما قُدم من مشروعات نوعية كبرى، وما سيقدم مستقبلاً في جميع مناطق المملكة كما وعد سمو ولي العهد، سيسهم في دعم الاقتصاد وتنوعه وتطوير المجتمع وبنائه وفق قِيَمه الوسطيه، وسيسهم بشكل مباشر في إنكفاء موجة التطرف وعودة المجتمع إلى الوسطية التي كان عليها الآباء والأجداد، وانطلاقتنا نحو المستقبل.
مشاركة :