الماسونية.. نظرية المؤامرة

  • 10/26/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

أسهل طريقة لتفسير أي أشياء تحدث في أي مكان.. أنها تدبير ماسوني. مع بداية الربيع العربي أو شتائه لا أدري، كان تفسير أي شيء أنه تدبير ومؤامرة ماسونية، وأن فلاناً الذي يتحدث هو رجل ماسوني زرعته المنظمات الماسونية السرية التي تدير العالم في الخفاء لتدميرنا. الغريب أن البعض كان أكثر شططاً، فكانت تفسيراته لأغلب أحداث تواريخ العالم هي عبارة عن سلسلة لا تنتهي من المؤامرات الماسونية على العالم بأجمع، حتى إنهم أدخلوا فيها ارتباطات ومعاهدات للماسونيين مع الشياطين والجن، وأنهم من عَبَدتهم. وأنهم السبب في كل الحروب والدمار الذي يحدث للعالم، والذي يخدم مصلحتهم ويخدم مصلحة اليهود. ولا أدري ما سبب تفسيرهم ذلك، مع أن الماسونية بها أعضاء مسلمون ومسيحيون وهندوس وبوذيون وغيرهم. وإن كان هم سبب إشعال الحروب والفتن لخدمة اليهود، فلم قامت الحرب العالمية الثانية بزعامة هتلر رغم أن أحد أهدافه كان إبادة اليهود؟ الحديث عن منظمة سرية أو أخطر جماعة يهودية سرية في العالم تعمل في الخفاء أمر يجذب القارئ والمستمع، خصوصاً مع التفسيرات التي يحكيها المفسرون عنهم. رغم أن الماسونية ليست سرية، فلها محفل ماسوني معروف، محفل بوتوماك رقم 5، محفل جورج واشنطن والماسونيين الأوائل الذين وضعوا حجر الأساس للبيت الأبيض ومبنى الكابيتول، وهو ما يعرف ببيت الهيكل ويسمى بين الماسونيين بالبيت المجيد، وهو بالنسبة لهم جوهرة التاج للطقس الاسكتلندي الماسوني في أميركا. وهناك على تلة شاتير هيل، الكسندريا، فيرجينيا يوجد أحد أشهر المباني الماسونية في أميركا، نصب جورج واشنطن الماسوني، وهو برج مستوحى من منارة الإسكندرية المصرية القديمة، ومتوج أعلاه بهرم مصري ذي قمة على شكل شعلة، وفي ردهة المبنى الرخامية تمثال برونزي لجورج واشنطن بالزي الماسوني الكامل، أي أن لهم زياً معروفاً ومعلناً ومصوراً وغير سري. وفي 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2002 على ما أذكر فتح "متحف التراث الأميركي الماسوني" الضخم أبوابه إلى الجمهور في لوس أنجلوس للمرة الأولى. صاحبة المتحف موريس شاوليان صرحت بأنّ المتحف يروي قصة الماسونيين وتأثيرهم على التاريخ الأميركي، وأضافت: "ليس مجرد متحف، فنحن نريد لكلّ الناس أن يستعملوه ويقدروه، فكلّ شخص لديه مكان هنا". كما أن شعارهم معروف ومعلن أيضاً ويرتديه أغلب أعضاء الجمعية الماسونية كخاتم في أصابعهم، أو مشبك لرابطات العنق أو دبابيس، ويضعون علامات مرئية واضحة على مبانيهم وتعلن مواعيد اجتماعاتهم في الجرائد الأميركية مثلاً، وشعارهم هو صورة لطائر فينيق ذي رأسين يحمل راية كتب عليها ORDO AB CHAO، وفيه رقم المرتبة التي يحملها العضو، وأحد رموزهم الهامة هو الهرم، وهو يرمز لديهم للتنوير وقدرة الإنسان القديم على التحرر من محيطه الدنيوي والصعود إلى الأعلى نحو السماء، نحو الشمس الذهبية -التي غالباً ما ترسم فوق الهرم- ليبلغ المصدر الأعلى للتنوير. ورغم أن الكلام يوحي في طياته بأمر غريب، فإنه تقريباً ما يقوله رهبان التيبت عن تأملاتهم ورغبتهم بانفصال الروح عن الجسد والسمو إلى أعالي السماء والوصول لحالة خاصة من النقاء أو النيرفانا. ومع ذلك لم نسمع أن رهبان التيبت يحيكون هم أيضاً المؤامرات للعالم في الخفاء. لذلك تجد كل مَن يعيش في نظرية المؤامرة يحاول أن يجد أي صورة هرمية أو مثلثة على أي شيء ليتهمها بالماسونية. مع أنه من الممكن أن تجد رسمة للمثلث في أغلب رسومات الأرض، أو على أي خريطة لأي مكان على سطح الأرض. أذكر يوم أن قامت الحكومة بتنظيف ميدان التحرير بعد 2011 وغرس بعض النباتات فيه، قام أحد الشباب بتصويره من أعلى واكتشف أن النباتات المغروسة إذا اتصلت ببعضها سترسم نجمة داوود؛ لذلك فالمؤامرة كانت صهيونية ماسونية! وبالمناسبة فبناة أهرامات مصر هم أسلاف بنائي الحجر المعاصرين؛ لذا فالهرم بالإضافة إلى عدد آخر من الموضوعات المصرية القديمة شائع جداً في الماسونية. بالطبع ورقة الدولار عند أصحاب النظرية أحد الدلائل على أن الماسونيين كانوا يملكون نفوذاً سرياً على الولايات المتحدة في بداياتها، بسبب تطابق النجمة ذات الزوايا الست على الختم الأعظم للولايات المتحدة، فتقع النجمة العليا فوق العين الماسونية، رغم أنها لم تتجاوز كونها مصادفة إلا أنها كانت غريبة. ربما لأن أغلب الأميركان القدامى الذين شاركوا في بناء أميركا بعد تركهم لصراع الكنيسة في أوروبا معهم، أرادوا وضع علاماتهم في تاريخ ذلك البلد. ومع أن أغلب مشاهير العالم وزعمائه انضموا للماسونية، ولم ينكروها، فإنك ستجد أن الحديث عن الرئيس فلان أو الزعيم فلان فُضح أمره وتم اكتشاف ماسونيته.. مع أنهم اعترفوا بهذا من قبل ولم ينكروه.. هو فقط من تحدث لم يكن يعرف من قبل وأصبح مجرد معرفته اكتشافاً خطيراً! قرأت لأحدهم وهو يتحدث عن أن رؤساء أميركا كلهم من الماسونيين ما عدا كنيدي! وكان ذلك من أسباب قتله، ولذلك كانت عملية القبض على أوزوالد وهو من نفذ الاغتيال مشكوكاً فيها وفي صحة اتهامه، وبعدها تم قتله لتطمث مع الحقيقة. كذلك مايكل جاكسون والأميرة ديانا كانا معاديين للماسونية لذلك تم قتلهم. فهل كل زعيم أو مشهور يتم اغتياله كان معادياً للماسونية؟! هل كان أيضا إسحاق رابين معادياً للماسونية لذلك تم اغتياله خلال مهرجان خطابي في ميدان "ملوك إسرائيل" في تل أبيب، على يد يهودي؟! أم لأنه وقع معاهدة السلام؟ يعتقد البعض أنها ديانة، رغم أنها لا تعد بأي شيء كالخلاص والمغفرة والجنة بعد الموت ولا يسعون إلى هداية آخرين، لهم طقوس تبدو غريبة على من سواهم يقومون بها على ضوء الشموع مع توابيت وحبال وجماجم يوضع فيها الشراب، لكن في اليهودية تجد طقوساً غريبة في الختان، كما أن تناول العشاء الرباني من رموز تناول لحم ودم المسيح تحت الصليب يبدو لغير المسيحيين أمراً غريباً، وغير المسلمين يجدون تقديس المسلمين للكعبة والطواف حولها وتقديسهم للحجر الأسود أمراً أيضاً غريباً. المشكلة أن الفلسفة الماسونية تصف ما تعتقد فيه من أمور من وجهة نظر رمزية، ولا يعمدون إلى تفسيرها لغيرهم، فيفسره كل على هواه. والتفسير الخاطئ يغير كثيراً من المفاهيم، كما حدث في أمر آخر حين فسر النص العبري في سفر الخروج أن لموسى "كاران أور باناف" أي بشرة تشع بالنور، ولكن حين وضعت الترجمة الكاثوليكية الرومانية الترجمة اللاتينية الرسمية أساءت التفسير ووصفت موسى "CORMUTA ESSET FACIES SUA" أي لوجهه قرنان، فراح الفنانون والنحاتون يصورون موسى في أعمالهم بقرنين على رأسه. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :