Follow * لعلَّه من خصائص التيارات الدينية المتشدّدة التي جلبت الكثيرَ من الشرور على هذه الأمة التي ميَّزها الله بالوسطية والاعتدال، هو زعمُها أو تصوُّرها أن ما تقوم به هو الإسلام الحق، وأن أفعال التابعين والمجتهدين من علماء الأمة الربانيين هو خطأ يجب تصحيحُهُ، حتى وإن كانوا من القرون التي شهد لها سيدُنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالخيريّة والصلاح. * وقد لفتَ نظري ما كتبه الزميلُ والباحثُ الأستاذُ نجيب يماني في صحيفة البلاد، 30/10/1435هـ، وما كتبه أيضًا الأديبُ والناقدُ محمد الدبيسي في صحيفة مكة، 2/11/1435هـ، وما دبَّجته يراعة الصحافيِّ المشهور الأستاذ عبدالله خياط، في صحيفة عكاظ، 4/11/1435هـ، في ردودهم على ما وُصِف بأنه دراسة عقدية حول حجرات النبي صلى الله عليه وسلم، محملاً صاحبُها وكاتبُها مثوى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي رُوي عن إمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس أنّه ما من قبرٍ عُرف على وجهِ التحديد والدقةِ والتواتر كما هو الحال في قبر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبري صاحبيه أبي بكر، وعمر -رضي الله عنهما- مُحمِّلاً المثوى الطاهر الذي ورد في فضله جملة من الأحاديث النبوية الصحيحة، التي أحيلُ هذا الباحث -هداه الله- إليها في كتاب فضل الصلاة على النبي للإمام إسماعيل الهضمي، وبتحقيق الشيخ ناصر الدين الألباني، ونشر في حقبة إدارة سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- للجامعة الإسلامية المكتب الإسلامي، ط1، 1383هـ-1963م. * نعم لقد حمّل هذا الباحث مقامَ سيدنا رسول الله وزرَ ما يجري من مخالفاتٍ عَقديةٍ في أماكنَ أخرَى، وفي هذا من الافتراءِ الباطل والبهتان ما يتطلّب منه الاستغفارَ عن مقولتهِ الشنيعة، والمثيرة للفتنة، ومعلوم بالضرورة حرص دولتنا السنيَّة منذ تأسيس هذا الكيان على يد -المغفور له- الملك عبدالعزيز على البُعد عن كلِّ ما يدخل في بابِ البدعِ الباطلةِ. * ولعلَّ الباحثَ الذي ممّا يؤسف له أن مجلة تصف نفسها بالعلمية تنشرُ له مثل هذه السقطة العلمية انظر ملخص هذه الأقاويل على لسان صاحبها في صحيفة مكة 29/10/1435هـ. * وكما استشهدتُ -هنا- بمصدر علميّ موثّق، وردَ فيه حديثُ: ما من فجر يطلع إلاّ ونزل سبعون ألفًا من الملائكة حتى يحفّوا بالقبر الخ الحديث النبوي، والذي ورد في الهامش ص86 بأن رجاله ثقات.. فإنني أحيل الباحث -هداه الله-، والقائمين على الحولية -أيضًا- إلى ما ورد في تفسير أضواء البيان للشيخِ السلفيِّ العلامةِ محمد الأمين الشنقيطي، وفي الجزء الذي تمّم به الشيخ السلفي عطية محمد سالم -رحمهما الله- عمل شيخه الجكني. * ذكر صاحب الأضواء -أحد أهم الكتب المعتمدة في التفسير- ما نصُّه: وقال بعض العلماء إن هذا العمل -أي قيام الخليفة العادل عمر بن عبدالعزيز رحمه الله- ببناء ثلاثة أجدر على قبر النبي صلى الله عليه وسلم (عندما كان أميرًا للمدينة) في حقبة الخليفة الوليد بن عبدالملك، وجعله مزورّاً كراهة أن يشبه تربيع الكعبة هو استجابة لدعائه صلى الله عليه وسلم اللهم لا تجعل قبري وثنًا يُعبد، كما قال الشيخ ابن القيم في نونيته المشهورة، وهو من أشد الناس إنكارًا على شبهات الشرك كشيخه ابن تيمية -رحمه الله- قال الإمام السلفي: فأجاب رب العابدين دعاءه: وأحاطه بثلاثة جدران. حتى غدت أرجاؤه بدعائه في عزةٍ وحمايةٍ وصيان ثم علّق شيخنا عطية -رحمه الله- بالقول: وهنا وجهة نظر، وإن كنت لم أقف على أقوال فيها، وهي أن كل نص صريح في النهي عن اتخاذ المساجد في القبور، بأن يكون القبر أولاً ثم يُتّخذ عليه المسجد، أمّا قضية الحجرة، والمسجد النبوي فهي عكس ذلك، إذ المسجد أولاً، وإدخال الحجرة ثانيًا، فلا تنطبق عليه تلك النصوص. والله أعلم. ومن ناحية أخرى لم يكن الذي أُدخِل المسجد هو القبر أو القبور، بل الذي أُدخِل في المسجد هو الحجرة -أي بما فيها-. ثم عضد الشيخ آراءه الواضحة والصريحة والصحيحة برأي للشيخ ابن تيمية -رحمه الله- حيث قال في ص 328 من المجموع ما نصّه فكل ذلك صيانة له صلى الله عليه وسلم أن يُتّخذ بيته عيدًا، وقبره وثنًا.. وإلاّ فمعلوم أن أهل المدينة كلهم مسلمون، ولا يأتي هناك إلاّ مسلم، وكلهم معظّمون للرسول صلى الله عليه وسلم، فما فعلوا ذلك ليُستهان بالقبر المكرّم، بل فعلوه لئلا يُتّخذ وثنًا يُعبَد، ولا يُتّخذ بيتُه عيدًا، ولئلا يُفعَل به كما فعل أهل الكتاب بقبور أنبيائهم انتهى.. أي كلام الشيخ ابن تيمية. ثم ختم شيخنا عطية سالم، والذي حدَّث بالمسجد النبوي الشريف لمدة تقارب أربعين عامًا، وقد أدرك جيلنا بعض دروسه، ودروس شيخه العلامة المفسر الشيخ الشنقيطي، ختم القول في مبحثه النفيس بما يصلح نصيحة لمثيري مثل هذه الفتنة، وهو اللغط إن لم يكن سوء الأدب مع مقام نبينا صلى الله عليه وسلم ألا يسع مَن يتكلم في موضوع بما وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر الكعبة -أي بنائها على قواعد إبراهيم- وما وسع السلف -رحمهم الله- في أمر الحجرة؟! اللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه. المدينة
مشاركة :