أبو بكر الصديق يردد: «وجاءت سكرة الموت»

  • 10/27/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

لم تكن الساعات واللحظات الأخيرة من حياة أول خليفة للمسلمين وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر الصديق رضي الله عنه، كغيره من الصحابة والمسلمين، فبينما هو في شدة لحظات الاحتضار، حيث حصول السكرات، ومفارقة الأهل والأحباب، وترك الأسباب، ومواجهة الحساب، لا يكن في دنيا يصيبها، وإنما كان منشغلاً بأمر المسلمين من بعده، يوصي أولاده وخليفته على الرعية بتقوى الله ومخافته ويحذر من الآخرة، ولا يغفل كلام رب الأرض والسموات، وكان يردد قوله تعالى: (وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحید)، (ق: 19). ويروي الإمام جمال الدين أبو الفرج بن الجوزي في كتاب «صفة الصفوة»، عن أبي السفر قال: مرض أبو بكر فعاده الناس، فقالوا: ألا ندعو الطبيب، قال قد رآني. قالوا: فأي شيء قال لك، قال: إني فعال لما أريد. وعن عبد الله بن عمر قال: «مات أبو بكر كمداً لوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم»، وعن ابن هشام أن أبا بكر والحارث بن كلدة كانا يأكلان حريرة أهديت لأبي بكر. فقال الحارث لأبي بكر: «ارفع يا خليفة رسول الله، والله إن فيها لسم سنة، وأنا وأنت نموت في يوم واحد». فرفع يديه، فلم يزالا عليلين حتى ماتا في يوم واحد عند انقضاء السنة. «ليس كذلك»ويذكر الدكتور سيد بن حسين العفاني في كتابه «أحوال الطيبين الصالحين عند الموت»، أن البهي مولی مصعب بن الزبیر قال: «لما احتضر أبو بكر جاءت عائشة رضي الله عنها فتمثلت بهذا البيت: لعمرك ما يُغني الثراء عن الفتىإذا حشرجت يومًا وضاق بها الصدرفكشف - رضي الله عنه - عن وجهه وقال: لیس كذلك، ولكن قولي كما قال الله: (وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد). (ق: 19). انظروا ثوبي هذين، فاغسلوهما، وكفنوني فيهما، فإن الحي أحوج إلى الجديد من الميت».و عن سلمان رضي الله عنه قال: «دخلت علی أبي بكر فی مرضه فقلت: یا خلیفة رسول الله، أعهد إلي عهداً، فإنی لا أراك تعهد إلي بعد يومك هذا شيئا. فقال: أجل يا سلمان، إنها ستكون فتوح، فلا أعرفن ما كان حظك ما جعلته في بطنك وألقيته على ظهرك. واعلم أنه من صلى الصلوات الخمس فإنه يصبح في ذمة الله، فلا تقتلن أحداً من أهل ذمة الله فيطلبك الله بذمته، فيكبك على وجهك في النار». وصيته لعمرويؤكد أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا في كتاب «المحتضرون»، أن عبد الرحمن بن عبد الله بن سابط قال: لما حضر أبا بكر الصديق الموت دعا عمر فقال له: اتق الله يا عمر، واعلم أن لله عملاً بالنهار لا يقبله بالليل، وعملاً بالليل لا يقبله بالنهار، وأنه لا يقبل نافلة حتى تؤدي فريضته، وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق في دار الدنيا وثقله عليهم، حق لميزان يوضع فيه الحق غدا أن يكون ثقيلا، وإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل في الدنيا وخفته عليهم، وحق لميزان يوضع فيه الباطل غدا أن يكون خفيفاً، وأن الله تعالى ذكر أهل الجنة فذكرهم بأحسن أعمالهم وتجاوز عن سيئه، فإذا ذكرتهم قلت: إني لأخاف أن لا الحق بهم وإن الله تعالى ذكر أهل النار فذكرهم بأسوأ أعمالهم ورد عليهم أحسنه فإذا ذكرتهم قلت: إني لأرجو أن لا أكون مع هؤلاء ليكون العبد راغباً راهباً، لا يتمنى على الله، ولا يقنط من رحمة الله. فإن أنت حفظت وصيتي فلا يك غائب أحب إليك من الموت وهو آتيك، وإن أنت ضيعت وصيتي فلا يك غائب أبغض إليك من الموت، ولست تعجزه».«أتعب من بعده»وعن عائشة قالت: لما مرض أبو بكر مرضه الذي مات فيه قال: «انظروا ماذا زاد في مالي منذ دخلت في الإمارة فابعثوا به إلى الخليفة من بعدي، فنظرنا فإذا عبد نوبي كان يحمل صبيانه، وإذا ناضح كان يسقي بستانا له، فبعثنا بهما إلى عمر. فبكى عمر، وقال: رحمة الله على أبي بكر لقد أتعب من بعده تعباً شديداً». وعنها قالت: لما حضر أبا بكر الوفاة جلس فتشهد ثم قال: أما بعد يا بنية، فإن أحب الناس غنى إلي بعدي أنت، وإن أعز الناس علي فقراً بعدي أنت، وإني كنت نحلتك جدادا عشرين وسقاً من مالي فوددت والله أنك حزته وإنما هو أخواك وأختاك قالت قلت هذان أخواي فمن أختاي؟ قال ذو بطن ابنة خارجة فإني أظنها جارية وفي رواية قد ألقى في روعي أنها جارية فولدت أم كلثوم. وكان أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - يتمنى أن يموت في يوم موت النبي صلى الله عليه وسلم، واستجاب الله له، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: «لما ثقل أبو بكر رضي الله عنه قال: أي يوم هذا؟ قالت: قلنا: يوم الاثنين. قال: فإني أرجو ما بيني وبين اللیل، قالت: وكان علیه ثوب به درع من مشق، قال: إذا أنا مت فاغسلوا ثوبي هذا وضموا إليه ثوبین جدیدین وكفنوني في ثلاثة أثواب، فقلنا: أفلا تجعلها جددًا كلها؟ قال: لا، إنما هو للمهلة فمات ليلة الثلاثاء»، أخرجه البخاري. وقال أهل السير: توفي أبو بكر ليلة الثلاثاء بين المغرب والعشاء لثماني ليال بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة من الهجرة وهو ابن ثلاث وستين وأوصى أن تغسله أسماء زوجته فغسلته وأن يدفن إلى جنب رسول الله. صلى الله عليه وسلم وصلى عليه عمر بين القبر والمنبر ونزل في حفرته ابنه عبد الرحمن وعمر وعثمان وطلحة بن عبيد الله. رحمه الله ورضي عنه وحشرنا في زمرته.

مشاركة :