أثار الدين العام المرتفع والمتزايد في الأردن قلق صندوق النقد الدولي، ودفع وكالة «ستاندرد آند بورز» إلى خفض تصنيف البلاد؛ ولهذا تخطط الحكومة لاتخاذ تدابير تقشفية قوية بحلول نهاية العام.وقالت وكالة «رويترز» في تقرير أمس: إن حكومة الأردن تخطط لزيادة الضرائب وخفض الدعم خلال الفترة المقبلة مع وصول نسبة ديون البلاد إلى الناتج المحلي الإجمالي لمستوى قياسي عند 95 في المائة، ارتفاعا من 71 في المائة في 2011.وقال رئيس الوزراء، هاني الملقي، لمجموعة من البرلمانيين هذا الأسبوع: إن «ترحيل المشاكل قد يزيد شعبية الحكومة، لكنه خطيئة بحق المواطن».وبعد اتفاق قرض مشروط مع صندوق النقد الدولي جلب قدرا من الاستقرار المالي، اتفق الأردن العام الماضي على برنامج أكثر طموحا مدته ثلاث سنوات لإصلاحات هيكلية تأخرت طويلا لخفض الدين العام إلى 77 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2021.ويرجع الدين في جانب منه على الأقل إلى أسباب، من بينها تبني الحكومات المتعاقبة سياسة توسعية للمالية العامة تتسم بخلق فرص عمل في القطاع العام المتضخم، وتوجيه دعم كبير للخبز وسلع أساسية أخرى.وزاد الأردن أيضا الإنفاق على الرعاية الاجتماعية ورواتب القطاع العام في تحرك يسعى إلى ضمان الاستقرار في أعقاب انتفاضات «الربيع العربي» التي اندلعت في المنطقة في 2011، لكن الاقتصاد يتباطأ متضررا من الاضطرابات في الجارين العراق وسوريا.وأدت الضغوط الاقتصادية إلى تقليص الإيرادات المحلية والمساعدات الأجنبية؛ مما أجبر الأردن على تكثيف الاقتراض من الخارج، وأيضا دفعه إلى اللجوء للمزيد من التمويل المحلي.وعلى الرغم من بعض التقدم هذا العام مع تحسن في تحويلات العاملين في الخارج والسياحة، وقدر من التعافي في الصادرات، لم يشهد النمو ارتفاعا منذ 2015. في الوقت الذي يتوقع فيه المسؤولون نموا بنسبة 2 في المائة هذا العام، بينما كان صندوق النقد يتطلع إلى أن تحقق البلاد نموا بنسبة 2.3 في المائة.ونقل عن الملقي قوله في اجتماع آخر لحشد التأييد «هذا العام إحنا على مفترق طرق. كل اللي بحاول أعمله أن أوقف النزيف ونصير نتنفس».والدين المتزايد الذي فاقمته الصراعات الإقليمية الممتدة على حدود الأردن كان السبب الرئيسي في قيام «ستاندرد آند بورز» الأسبوع الماضي بخفض التصنيف السيادي للبلاد إلى +B.يقول خبراء اقتصاديون: إن قدرة الأردن على الإبقاء على نظام باهظ التكلفة للدعم وبيروقراطية حكومية واسعة غير ممكن في غياب تدفقات رأسمالية أجنبية كبيرة، أو ضخ للمساعدات الخارجية التي تضاءلت مع استمرار الأزمة السورية.ويقول مسؤولون أردنيون، إنهم يتوقعون انخفاض دعم المانحين العام المقبل عن أي وقت آخر منذ بدء الأزمة.ويشعر المسؤولون أيضا بالقلق من أن دولا خليجية، تضررت بفعل انخفاض أسعار النفط، لم تتعهد حتى الآن بأي تجديد لأموال الدعم التي قدمتها بعد «الربيع العربي».ويقول سياسيون وخبراء اقتصاديون، إن خطة الحكومة لضبط أوضاع المالية العامة تضع في تصورها زيادة أسعار الخبر إلى المثلين، ورفع ضريبة المبيعات على السلع الغذائية الأساسية والوقود.وقد يخفض هذا حجم الأموال التي تخصصها الحكومة سنويا للدعم، الذي يشمل بين أشياء أخرى الخبز والكهرباء والماء، والذي يقدر بنحو 850 مليون دينار (1.2 مليار دولار).لكن خبراء اقتصاديين يعتقدون أن تخفيضات الدعم ستؤدي إلى تفاقم محنة الأردنيين الأكثر فقرا، الذين يشكلون غالبية سكان البلاد.وفي السابق أدى إلغاء الدعم إلى إثارة اضطرابات شعبية.وإلى جانب الدين، يشير صندوق النقد الدولي أيضا إلى معدل البطالة، الذي ارتفع بوتيرة حادة في العامين الماضيين ليصل إلى 16 في المائة وإلى انخفاض الحصيلة الضريبية.ويقول صندوق النقد، إن الأردن يحتل مركزا متقدما بين دول في المنطقة تنخفض فيها حصيلة الضرائب. وتمثل ضرائب الأفراد 0.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي مع عدم خضوع نحو 95 في المائة من السكان لضريبة الدخل.وقال جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي: إن العبء الضريبي في الأردن بالمقارنة مع دول في المنطقة، فيما عدا الدول المنتجة للنفط، منخفض.وأضاف قائلا: «هناك سخاء كبير في الإعفاءات».ويخشى خبراء اقتصاديون من أن تؤثر التوصيات الضريبية الصادرة عن صندوق النقد الدولي، والتي أقرتها الحكومة، سلبا على معنويات الشركات في بلد جعله الاستقرار السياسي ملاذا آمنا.وتشمل تلك التوصيات توسيع ضريبة الدخل على الشركات وفرض عقوبات أكثر صرامة على المتهربين من الضرائب.وقال أزعور، إنه من المهم تنشيط النمو لدعم الاستقرار وضمان انخفاض الدين بوتيرة أسرع، مضيفا أن التغلب على مشكلة ديون الأردن أمر حيوي لازدهار البلاد في المستقبل في منطقة تعج بالاضطرابات.
مشاركة :