عالم فيزياء شهير يتساءل: هل نشاهد قريبا تصوير فيديو لأفكار الناس؟

  • 10/27/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

يؤكد عالم الفيزياء الشهير ميشيو كاكو الحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء لمشاركته في نظرية الأوتار الفائقة، التي تعد من أحدث النظريات الموحدة للطاقات واحدة في الكون، في أحدث كتابه "مستقبل العقل.. الاجتهاد العلمي لفهم العقل وتطويره وتقويته" أن العقل والكون هما أعظم سرين من أسرار الطبيعة كلها، وعلى الرغم من التقدم الواسع في تقنيتن مكنتا من تصوير مجرات تبعد عنا مليارات السنين الضوئية، والتصرف بالجينات التي تتحكم في الحياة، وتفحص المسار الداخلي للذرة، إلا أن العقل والكون ما زالا يفلتان منا، وما زالا يثيران دهشتنا، إنهما الجبهتان الأكثر غموضا وإثارة في العلم. يستعرض كاكو في الكتاب الصادر عن سلسلة عالم المعرفة الكويتية بترجمة د. سعد الدين خرفان أستاذ الهندسة الكيميائية في كلية الهندسة الكيميائية والبترولية، تاريخ الدماغ، ويشرح كيف أن مجموعة من الأدوات الجديدة تركت مخبر الفيزياء وأعطتنا صورا ملونة رائعة لآليات التفكير. ولأن الوعي يؤدي دورا محوريا في أي نقاش حول العقل، يقدم أيضا وجهة نظر فيزيائية تشمل مملكة الحيوان أيضا. في الحقيقة، يقدم تراتبا للوعي يظهر كيف أنه من الممكن تخصيص رقم لكل نوع من أنواع الوعي. كما يستكشف التقنية الجديدة التي جعلت تسجيل الذكريات وقراءة الدماغ وتصوير الأحلام فيديويا والتحريك بالعقل أمورا ممكنة. ويتفحص أشكالا مختلفة من الوعي تتراوح من الأحلام والعقاقير والمرض العقلي إلى الإنساليات (كلمة منحوتة من الإنسان الآلي أو الروبوت) وحتى الغرباء من الفضاء الخارجي. ويتوقف كاكو طويلا أمام إمكانية التحكم في الدماغ وتوجيهه للتعامل مع أمراض مثل الاكتئاب والباركنسون وألزهايمر وأمراض عديدة أخرى. ويتناول بالتفصيل بحوث الدماغ من خلال مشروع "تقنيات عصبية مبتكرة ومتطورة" (أو دماغ) الذي أعلن عنه الرئيس الأميركي السابق أوباما، و"مشروع العقل الإنساني" للاتحاد الأوروبي واللذين خصصا مليارات الدولارات لفك شفرة ممرات الدماغ نزولا إلى المستوى العصبي. مؤكدا أن هذين البرنامجين السريعين سيفتحان مساحات جديدة تماما للبحث العلمي، مما يعطي طرقا جديدة لمعالجة المرض العقلي - ولإظهار أعمق أسرار الوعي أيضا. يشير كاكو إلى أن أكثر التشبيهات حداثة هو تشبيه العقل بالإنترنت، التي تطلق في الوقت نفسه مليارات الحواسب. الوعي في هذه الصورة عبارة عن ظاهرة بارزة، تظهر بشكل معجز من العمل الجمعي لمليارات العصبونات. (مشكلة هذا التشبيه أنه لا يقول شيئا على الإطلاق عن كيفية حدوث هذه المعجزة. إنها تطوي تعقيد الدماغ كله تحت عباءة نظرية الشواش). لا شك في أن كلا من هذه التشبيهات يمتلك جزءا من الحقيقة، لكن لا يلتقط أي منها تعقيد الدماغ تماما. لكنني مع ذلك وجدت أنه أحد التشبيهات المفيدة بالنسبة إلى الدماغ (على الرغم من أنه لا يزال ناقصا)، وهو تشبيهه بمؤسسة ضخمة. في هذا التشبيه، هناك نظام بيروقراطي ضخم، وخطوط اتصال، وتدفقات كبيرة للمعلومات تجري بين مختلف الأقسام. لكن المعلومات المهمة تنتهي في مركز التحكم مع مدير المؤسسة. وهناك تتخذ القرارات النهائية. • العقل مؤسسة ضخمة ويفسر كاكو تشبيه العقل هذا بمؤسسة ضخمة بعدد من الخصائص الخاصة بالدماغ، نأخذ منها نقتطين الأولى: تتمركز معظم المعلومات "في اللاوعي" – أي أن المدير، لحسن الحظ، غير مدرك للمعلومات الهائلة والمعقدة التي تتدفق باستمرار داخل بيروقراطيته. في الحقيقة فإن كمية ضئيلة فقط من المعلومات تصل في النهاية إلى طاولة المدير العام، الذي يمكن مقارنته بالقشرة الجبهية للدماغ. على المدير العام أن يعرف المعلومات المهمة التي تثير اهتمامه فقط، وإلا فسوف يشل بفيض هائل من المعلومات الدخيلة. ربما كان هذا النظام منتجا ثانويا لعملية التطور، لأن أسلافنا كانوا سيغمرون بمعلومات فائضة في اللاوعي عندما يواجهون حالة طارئة. نحن لحسن الحظ غير واعين بتريليونات الحسابات التي تعالج في أدمغتنا. وعند مواجهة نمر في غابة، ليس على المرء أن يعبأ بحالة معدته وأصابع قدميه وشعره......إلخ. كل ما يجب معرفته هو كيف يهرب. النقطة الثانية: هناك محاولات مستمرة لنيل اهتمام المدير العام: ليس هناك قزم أو معالج مركزي أو شريحة بنتيوم تتخذ القرارات، بدلا من ذلك فإن المراكز الفرعية ضمن مركز التحكم هي في حالة تنافس دائم بعضها مع بعض من أجل الحصول على اهتمام المدير العام. لذا ليس هناك نمط مستمر ناعم وثابت للتفكير، لكن هناك تداخلا لدارات مختلفة من التغذية الراجعة يتنافس بعضها مع بعض. إن فكرة وجود "أنا" ككل موحد ووحيد يتخذ القرارات كلها باستمرار هو وهم خلق من عقولنا اللاواعية. ويقول "عقليا، نشعر بأن عقلنا هو وحدة مفردة، يعالج المعلومات باستمرار وسلاسة، ويتحكم تماما في قراراتنا. أخبرني بروفسور الـ MIT مارفين مينسكي، وهو أحد الآباء المؤسسين للذكاء الاصطناعي، أن العقل أشبه بـ "مجتمع من العقول" بنماذج فرعية مختلفة يحاول كل منها التنافس مع الأخرى. وعندما قابلت ستيفن بينكر، وهو عالم نفساني في جامعة هارفارد، سألته كيف يظهر الوعي من هذه الفوضى. قال إن الوعي مثل عاصفة تهب في دماغنا. وأفاض في هذا عندما كتب أن "الشعور البديهي لدينا بأن هناك (أنا) منفذة تجلس في غرفة التحكم في دماغنا، تمسح شاشات الحواس، وتضغط على أزرار عضلاتنا، هو مجرد وهم، يبدو أن الوعي يتألف من خليط من الحوادث المتوزعة خلال الدماغ تتنافس هذه الحوادث لنيل الانتباه. وعندما يتفوق حدث على آخر، يعقلن الدماغ النتيجة بعد الحقيقة، ويخترع الانطباع بأن ذاتا واحدة كانت تتحكم في العملية طوال الوقت". ويلفت كاكو إلى أن مسوحات الدماغ الحديثة ألقت ضوءا جزئيا على كيفية تمثيل الدماغ للمستقبل. تتم هذه التمثيلات في القشرة أمام الجبهية بشكل رئيس، وهو المدير العام للدماغ، باستخدام ذكريات الماضي. من جهة، ربما تعطي تمثيلات المستقبل نتائج سارة ومرغوبة، حيث تلمع مراكز اللذة في الدماغ (بالنواة المتكئة في المهاد). ومن جهة أخرى، قد تكون لهذه النتائج سلبيات، فتعمل القشرة الجبهية الحجاجية على تحذيرنا من الأخطار المحتملة. هناك صراع إذن بين أجزاء مختلفة من الدماغ فيما يتعلق بالمستقبل، والذي قد تكون له نتائج مرغوب فيها أو غير مرغوب فيها. في النهاية، فإن القشرة أمام الجبهية هي التي تتوسط بين هذه الأجزاء، وتتخذ القرارات النهائية. • الوعي بالذات ويرى أن "الوعي بالذات هو عملية خلق نموذج للعالم، وتمثيل المستقبل الذي تظهر أنت فيه. لذا تمتلك الحيوانات بعض الوعي بالذات، لأن عليها أن تعرف مكانها إذا كان عليها البقاء على قيد الحياة والتزاوج، لكن هذا الوعي بالذات مقتصر على الغريزة إلى حد كبير. عندما توضع معظم الحيوانات أمام مرآة، فإنها إما أن تهملها وإما أن تهاجمها، غير مدركة أن الآخر هو صورة لها. (يدعى هذا "اختبار المرآة"، الذي يعود إلى داروين). على الرغم من ذلك، فإن الحيوانات كالفيلة والقردة العليا والدلافين والغربان الأوروبية يمكنها أن تعرف أن الخيال الذي تراه في المرآة يمثلها". ويضيف "يتقدم البشر مع ذلك خطوة كبيرة إلى الأمام، ويجرون باستمرار تمثيلات مستقبلية يظهرون هم فيها كعامل رئيس. نتخيل أنفسنا دوما مواجهين بظروف مختلفة - الخروج في موعد، والتقديم على وظيفة، وتغيير المهنة - حيث لا يحدد أي منها بالغريزة. من الصعب جدا إيقاف دماغك عن تمثيل المستقبل، على الرغم من تصميم طرق معقدة لمحاولة فعل ذلك "التأمل على سبيل المثال". أحلام اليقظة، على سبيل المثال، تتألف عموما من تنفيذنا لعمليات مستقبلية مختلفة ممكنة للوصول إلى هدف. وبما أننا نتباهى بمعرفتنا نقاط قوتنا وضعفنا، فليس من الصعب وضع أنفسنا ضمن النموذج، وضغط الزر (العب)، بحيث نبدأ في تمثيل سيناريوهات افتراضية كأننا ممثلون في مسرحية افتراضية". • تصوير فيديوي لأفكار الناس ومن المهم هنا أن نتوقف مع كاكو عند تناوله لفيديوهات الدماغ حيث يدخل إلى مختبر د. غالانت في جامعة كاليفورنيا - بيركلي، الذي حققت مجموعة د.غالانت إنجازا اعتبر مرة مستحيلا: تصوير فيديوي لأفكار الناس، حيث قال د.غالانت "هذه خطوة كبيرة للأمام، لإعادة تشكيل التخيل الداخلي، نحن نفتح نافذة على الأفلام في دماغنا". ويواصل كاكو "عندما زرت مختبر د.غالانت، كان أول شيء لاحظته هو فريق من طلاب الدراسات العليا ومن مساعدي الباحثين المتحمسين يتجمعون أمام شاشات حاسباتهم، ينظرون بإمعان إلى صور فيديوية أعيد تركيبها من مسح دماغي لشخص ما. بالحديث إلى فريق غالانت تشعر كأنك تشهد عملية صنع للتاريخ العلمي. شرح غالانت لي أن الشخص يمدد على نقالة تدخل ببطء من ناحية الرأس أولا ضمن آلة MRI ضخمة حديثة، تصل تكلفتها إلى 3 ملايين دولار. ثم تعرض على الشخص عدة مقاطع من فيلم "مثل مشاهد من أفلام موجودة على اليوتيوب". لجمع بيانات كافية، على الشخص أن يجلس من دون حراك لساعات يراقب هذه المقاطع، وهي مهمة صعبة حقا. سألت أحد مساعدي البحث الدكتور شينجي نيشيموتو، كيف وجدوا متطوعين راغبين في الاستلقاء لساعات أمام أجزاء فقط من لقطات فيديوية لتمضية الوقت. قال إن طلاب الدراسات العليا ومساعدي البحوث تطوعوا ليكونوا حقل تجارب لبحوثهم. ويضيف "وبينما يشاهد الشخص الأفلام، تخلق آلة الـ MRI صورة ثلاثية الأبعاد لتدفق الدم ضمن الدماغ. تبدو صورة الـ MRI مثل مجموعة ضخمة مؤلفة من ثلاثين ألف نقطة أو فوكسل. يمثل كل فوكسل نقطة من طاقة عصبية، ويتعلق لون النقطة بشدة الإشارة وتدفق الدم. تمثل النقاط الحمراء مؤشرات ناجمة عن نشاط عصبي كبير، بينما تمثل النقاط الزرقاء مؤشرات ناجمة عن نشاط أقل. (تبدو الصورة النهائية مثل آلاف أضواء عيد الميلاد على شكل دماغ. فورا يمكنك رؤية أن الدماغ يركز معظم طاقته العقلية في القشرة البصرية، التي تقع في مؤخرة الدماغ، بينما تراقب هذه الفيديوهات). إن آلة الـ MRI لغالانت قوية جدا بحيث تستطيع تمييز من مائتين إلى ثلاثمائة منطقة مختلفة من الدماغ، ويمكنها في المتوسط أخذ لقطات قصيرة تتضمن مائة نقطة لكل منطقة في الدماغ. في البداية، يبدو هذا التجمع ثلاثي الأبعاد للنقاط الملونة من دون أي معنى. • هل توجد إرادة حرة؟ ويشير كاكو إلى أن حضارتنا كلها مبنية على فكرة الإرادة الحرة، التي تؤثر في فكرة الثواب والعقاب، والمسؤولية الشخصية. ويتساءل: هل الإرادة الحرة موجودة فعلا؟ أم هل هي طريقة ذكية لتحقيق ترابط المجتمع على الرغم من أنها تخالف المبادئ العلمية؟ ويقول "من المضمون القول إن عددا متزايدا من علماء الأعصاب وصل تدريجيا إلى الاستنتاج بأن الإرادة الحرة غير موجودة، على الأقل ليس بالمعنى المألوف. إذا أمكن ربط بعض التصرفات الغريبة بأعطال معينة في الدماغ، فالشخص غير مسؤول علميا عن الجرائم التي قد يرتكبها. قد يكون من الخطر تركه يمشي في الطرقات، ويجب حبسه في مؤسسة من نوع ما، لكن معاقبته بسبب ضربة أو ورم في دماغه أمر خاطئ كما يقولون. ما يحتاجه ذلك الشخص هو المساعدة الطبية، أو العلاج النفسي. ربما أمكن علاج العطل الدماغي (بإزالة الورم على سبيل المثال) ويمكن للشخص بعدها أن يصبح عضوا فعالا في المجتمع. ويوضح "عندما قابلت د. سيمون بارون كوهين، وهو عالم نفس في جامعة كامبريدج، أخبرني أن العديدين (لكن ليس الجميع) من القتلة السفاحين لديهم خلل دماغي، تظهر مسوحات أدمغتهم أنهم يفتقرون إلى التعاطف عندما يرون شخصا آخر يتألم، وربما يسرون في الحقيقة بمشاهدة هذا التألم (في هؤلاء الأفراد تلمع اللوزة الدماغية والنواة المتكئة، وهما مركزا السرور عندما يرون فيلما لأناس يتألمون). الاستنتاج الذي يمكن لبعض الناس الوصول إليه من هذا هو أن هؤلاء الناس ليسوا مسؤولين حقا عن أفعالهم الشنيعة، على الرغم من أنه يجب فصلهم عن المجتمع. هم يحتاجون إلى المساعدة وليس إلى العقاب، نظرا إلى وجود مشكلة في أدمغتهم. بمعنى ما، ربما لا يتصرفون بإرادتهم الحرة عندما يقترفون جرائمهم. ويضيف كاكو "هذا يعني أن الإرادة الحرة بمعنى ما، زائفة. فالدماغ يتخذ القرارات مسبقا، من دون تدخل الوعي، ثم يحاول الدماغ بعد ذلك أن يغطي ذلك بالادعاء بأن القرار حصل بالوعي. يستنتج د. مايكل سويني "اقترحت نتائج ليبيت أن الدماغ يعلم ما سيقرر شخص قبل أن ينفذه... على العالم أن يعيد تقييم ليس فكرة الحركات المنقسمة بين الإرادية واللاإرادية، لكن أيضا فكرة الإرادة الحرة ذاتها. يشير هذا كله إلى أن الإرادة الحرة، وهي حجر الزاوية في المجتمع، هي اختراع ووهم خلق من قبل نصف الدماغ الأيسر. لذا، هل نحن أسياد مصائرنا، أو هل نحن مجرد أحجار شطرنج نتحرك من الدماغ في لعبة ما؟ هناك طرق عدة لمقاربة هذا السؤال الصعب. تذهب الإرادة الحرة ضد فلسفة تدعى الحتمية، التي تقول ببساطة إن حوادث المستقبل كلها محددة بقوانين الفيزياء. وفق نيوتن نفسه، فالعالم نوع من ساعة، تدق باستمرار منذ بدء الخلق وتطيع قوانين الحركة. وبالتالي فالأحداث كلها يمكن التنبؤ بها".   محمد الحمامصي

مشاركة :