معظم الحكام في بلداننا لا يعطون مكانة لائقة للثقافة في بناء معمار الدولة عندنا و في ربط علاقاتها بالدول الأجنبية وبالعكس فإن السائد لدينا هو احتقار الثقافة والمثقفين معا؟العرب أزراج عمر [نُشر في 2017/10/27، العدد: 10794، ص(15)] بعد أربع وعشرين سنة كاملة من نشرها لمقال صدام الحضارت لصموائيل هانتنغتون في صيف عام 1993 تعود مجلة “فورين أفيرز” الأميركية مجددا إلى طرح قضية صدام الحضارات، وفي هذه المرة يرشح البروفسور غرايهام أليسون في مقاله “الصين ضد أميركا”، المنشور مؤخرا في عدد سبتمبر/ أكتوبر 2017، وقوع الصدام الحضاري في المدى المنظور بين أميركا ممثلة الحضارة الرأسمالية الغربية، وبين الصين عملاق الحضارة الكونفشيوسية في آسيا. من الملاحظ أن كلا من هانتنغتون وغريهام أليسون يتحدثان من خلال نفس المنبر الفكري الإعلامي، أي مجلة “فورين أفيرز” عن صدام الثقافات حينا، وعن صدام الحضارات حينا آخر، علما أن الأول قد سبق له أن رافع أيضا عن صدام الهويات وذلك في كتابه “من نحن: تحديات أمام الهوية القومية الأميركية – 2004”. من الملفت للنظر أيضا هو أن العقل الأميركي لا يكتفي فقط بإنتاج مفهوم الصدام، أو نهاية التاريخ أو الإنسان الأخير اللذين بشرا بهما فرانسيس فوكوياما في صيف عام 1989 في مقاله “نهاية التاريخ؟” الذي نشرته له المجلة الأميركية “ناشيونال انترست” بل إنه ينتج أيضا مفاهيم أقل شراسة وعنفا مثل مفهوم القوى الناعمة، الذي ابتكره مفكر الدراسات الاستراتيجية جوزيف ناي في عام 1990، وذلك في كتابه الذي كرسه لدراسة طبيعة تغيرات القوة الأميركية ومن ثم طوره وعمقه أكثر في كتابه الصادر في عام 2004 بعنوان “القوة الناعمة”. من الواضح هنا أن غرايهام أليسون يكرر أفكار هانتينغتون التي يلخصها في العبارة الخلافية التالية “إنه أكثر دلالة بكثير الآن أن نصنف مجموعات الدول ليس على أساس أنظمتها السياسية أو الاقتصادية أو على أساس مستوى تطورها الاقتصادي بل بالأحرى على أساس ثقافتها وحضارتها”. فهو يكرر، مثلا، أن الصراع المنتظر بين الصين وأميركا لن يكون أيديولوجيا بسبب اشتراكهما جزئيا في تطبيق المنظومة الرأسمالية وإن بكيفيات غير متماثلة مئة بالمئة بل فإن مفجر الصراع سيكون، في تقديره، جراء الاختلاف الحضاري والثقافي بينهما وفي المقدمة رفض الثقافة الروحية الصينية لنمط الفردية التي تتأسس عليها الثقافة الأميركية، وتباين موقفهما من الحكومة/ الدولة التي تنظر إليهما الثقافة الأميركية كشرّ، في حين تعتبرهما الثقافة الصينية مكونا تنظيميا له دلالات أخلاقية ضرورية لضمان النظام ولنبذ الفوضى. وهنا نتساءل: لماذا يتفق معظم المفكرين البارزين في العالم أن الثقافة ركيزة أساسية في بناء الذات وفي صياغة العلاقات الدولية في حين نجد معظم الحكام في بلداننا لا يعطون مكانة لائقة للثقافة في بناء معمار الدولة عندنا و في ربط علاقاتها بالدول الأجنبية وبالعكس فإن السائد لدينا هو احتقار الثقافة والمثقفين معا؟ كاتب جزائريأزراج عمر
مشاركة :