مي السكري| وجوه شاحبة، وأجساد منهكة وهزيلة، وحياة مهدّدة، ووظائف ودراسة على شفا حفرة من الضياع.. وآمال وطموحات محطمة! أوصاف تنطبق على مرضى «الثلاسيميا» الذين يعيشون بيننا حاملين المرض ومضاعفاته ليصارعوا الزمن بين أروقة المستشفيات ودوامة العيادات طوال حياتهم، وأفراد عائلتهم الذين أرهقهم الحزن غالبا ما يتحولون إلى مرضى آخرين. نحو 400 مريض بالثلاسيميا في البلاد من الكويتيين وغيرهم موزعين على مختلف المستشفيات، وما زالت هناك حالات إصابة جديدة سنويا، لم يفارق بعضهم بعضاً منذ نعومة أظفارهم ليتشاركوا في جرعات الدعم النفسي وتخطي المشاكل الصحية التي تواجههم، وليتقاسموا الحلم بتوفير وحدة متكاملة لعلاج أمراض الدم الوراثية توفر لهم كل الخدمات الطبية والتخصصية، فضلا عن الإرشاد والتثقيف الطبي اللازمين لمتابعة حالتهم في مكان واحد، وهو ما يتلقونه الآن عبر عدد من المستشفيات المتخصصة في أماكن متعددة. معاناة مزدوجة من المهد إلى اللحد، وواقع مرير باح به مرضى الثلاسيميا لـ القبس، حيث اشتكوا من عدم وجود مركز طبي متكامل مخصص لعلاج أمراض الدم الوراثية، كما هي الحال في الدول المجاورة، وأن معظمهم يتلقون علاجهم في ثلاث غرف فقط مخصصة لرعاية أمراض الدم في قسم الباطنية بمستشفى الصباح، منها غرفتان للنساء وتضم 60 مريضة والثالثة للرجال وتستقبل نحو 40 مريضا، علما بأن عملية نقل الدم تستغرق ست ساعات للمريض الواحد. كما اشتكى المرضى من تهميشهم وعدم الاكتراث بمشاكلهم، وعدم إنصافهم في تقييم الإعاقة التي يستحقونها وتخفيض درجتها إلى «الإعاقة المتوسطة أو بسيطة» على جميع المصابين بهذا المرض، رغم كل المضاعفات التي تصاحب مرضهم وتعيق حياتهم، فضلا عن الضغوط النفسية والاجتماعية التي ترافقهم. تحدث أبو زيد، وهو أحد ضحايا «الثلاسيميا» عن تجربته، مبينا أن أعراض المرض بدأت تظهر لديه عندما بلغ شهره الثامن، حيث أظهرت الفحوص اصابته بتكسّر في الدم، مما يتطلب نقل دم بكمية «ثلاثة أرباع ليتر» بصفة دورية كل ثلاثة أسابيع، وبمرور الوقت تفاقم المرض وتسبّب في مضاعفات عدة، مما أثر في استمراريته في العمل والعطاء إضافة إلى الأمراض النفسية والاكتئاب. وانتقد أبو زيد ما اسماه «تعسّف الهيئة العامة لشؤون ذوي الإعاقة وعدم تفهّم وضعهم الصحي ومنحهم الإعاقة التي يستحقونها»، مشيرا إلى أن الاعاقة البسيطة ليست لها حقوق مثل باقي الإعاقات. ترسبات الحديد ولَم تختلف مأساة محمد ناصر العنزي ــــ وهو ولي أمر لابن مريض بــ «الثلاسيميا» ــــ عن غيره، حيث تم اكتشاف مرض ابنه نواف (18 عاما) بعد مرور أربعة أشهر من ولادته، وبدأ بنقل الدم شهريا بعد بلوغه شهره السادس. وتابع: استمر نواف في عمليات نقل الدم في مشفى الفروانية، ومن ثم في مستشفى البنك الوطني حتى 2010، وبعد تزايد عمليات نقل الدم أصبح في جسده ترسبات الحديد الضار أدى إلى تليف الطحال وتضخم في الكبد، إضافة إلى مشاكل جسدية منها ضعف النمو وضمور في الجسم. ولفت إلى أن هذه المضاعفات أثرت سلبا في نفسيّة ابنه، حيث أصبح لديه نوع من التأخّر الدراسي، بعد أن كان طالبا متفوقا، كما أثرت في ترقيته الوظيفية، فما زال معلما عاديا في وزارة التربية يدفع ضريبة رعايته لابنه ومراجعاته وعمليات نقل الدم. وذكر العنزي أنه تقدّم مرتين بطلب إلى المجلس الأعلى للمعاقين للنظر في حالة ابنه، حيث يحتاج إلى رعاية خاصة ومصاريف، إلا أنه تم رفض الطلب في المرة الأولى، وفي المرة الثانية تم تقييم إعاقته على أنها بسيطة ولا تحتاج إلى رعاية، مضيفا: وبعد ثلاثة أشهر من تقديم تظلّم للمجلس الأعلى للمعاقين، جاء الرد بنفس النتيجة الأولى «إعاقة جسدية بسيطة». قلة الأطباء والتقط أطراف الحديث، محمد الخالدي، وهو أحد مرضى «الثلاسيميا»، حيث اكتشف المرض، عندما بلغ شهره الخامس، وبدأت تتفاقم الأعراض المصاحبة نفسيا، مشددا على حاجة مرضى الثلاسيميا إلى الدعم النفسي والاجتماعي والتأهيلي. واشتكى أن الرعاية التي يتلقاها الآن لا تتناسب ومستوى الخدمات المقدمة للمرضى الآخرين في المستشفى، من حيث صغر مساحة الغرفة وقدمها فضلا عن عدم موائمتها صحياً لمرضى الثلاسيميا وتهالك المبني، لافتا إلى معاناته من شحّ الأطباء وافتقار الوحدة إلى طبيب متخصص. معاناة الوافدين أشار التجمع إلى زيادة معاناة مرضى الثلاسيميا من الوافدين، لا سيما بعد زيادة أسعار الخدمات الصحية التي تم تطبيقها مؤخرا، فهناك حالات تحتاج إلى نقل دم كل ثلاثة أسابيع إضافة إلى الأدوية، وهو مكلف بالنسبة اليهم. مشروع إحصاء أبدى تجمّع رابطة الثلاسيميا أسفه لعدم وجود نظام تسجيل للحالات في الكويت، طامحين إلى «تقديم مشروع قريبا لإحصاء جميع الحالات في البلاد وكذلك الحالات الجديدة». مرض وراثي «الثلاسيميا» مرض وراثي يصيب مادة هيموغلوبين كريات الدم الحمراء، فلا يستطيع المصاب أن ينتج كريات دم سليمة. وأشار تجمّع رابطة المرض إلى أن «الأعراض تبدأ خلال النصف الثاني من السنة الأولى من العمر، كشحوب وفشل في النمو وعزوف عن الرضاعة». وأضاف: وتنتج عنه زيادة في نسبة الحديد، مما يؤدي إلى تلف الأعضاء الحيوية بالجسم، لذا يحتاج المريض إلى تناول أدوية لإزالة الحديد الزائد عن الجسم، إضافة إلى المتابعة الطبية في العديد من التخصصات وعيادة الدم، موضحا أن المريض يحتاج إلى عمليات نقل دم دوريا كل 3 ـــــ 5 أسابيع مدى الحياة، كما يحتاج إلى الدخول إلى المستشفى بمعدل 50 يوما سنويا. فقدان حالات سنوية سلّط التجمع الضوء على المضاعفات التي يتعرّض لها مرضى الثلاسيميا التي تشمل الأمراض: الوبائية، القلب، تلف الكبد والمرارة، هشاشة العظام، وكذلك السكري، إضافة إلى الجلد والأسنان، لافتا إلى فقدان العديد من المرضى عبر السنوات بسبب مضاعفات هذا المرض، حيث يتوفى سنويا نحو 6 حالات. مطالب عاجلة إنشاء وحدة متكاملة لعلاج أمراض الدم الوراثية إعادة تقييم الحالة وعدم اعتبارها «بسيطة» توفير مركز متخصّص زيادة الكوادر الطبية والتأهيلية
مشاركة :