«خلافة داعش» الافتراضية تتهاوى

  • 10/28/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

جاء تحذير مسؤولين أميركيين من أن تنظيم داعش الإرهابي يسعى لإقامة «خلافة افتراضية» في الفضاء الإلكتروني يتواصل خلالها مع أنصاره ويجند ناشطين جُددا، عقب هزائم طالته أخيراً في الأراضي التي استولى عليها بسوريا والعراق، ليفتح الباب حول «تسليح السوشيال ميديا»، ومنصات التنظيم بدءاً من «تويتر» مروراً بـ«إنستغرام» وصولاً لـ«تليغرام».التحذيرات كشفت عن محاولات «داعش» المستميتة للتسلح بالمنصات الإلكترونية، وبحسب خبراء في الحركات المتطرفة، تحدثوا إلى «الشرق الأوسط»، فإن مقاتلي «داعش» يتواصلون عبر حسابات وهمية على «تويتر» بأسماء حركية عليها عبارات أو ألفاظ مثل «باقية وتتمدد أو البغدادي باق أو أخبار الخلافة»، ويستخدمون ما يقرب من 50 مفردة تتعلق بالتشدد والخلافة والتنظيم، لا يعرفها إلا هم.وقال الخبراء أيضاً إن «داعش» درب المحبين على كيفية عمل «إيميل» على «فيسبوك»، ويمتلك التنظيم 30 ألف حساب على «تليغرام» وكل حساب يتابعه ما يقرب من 3 ملايين شخص... أما «إنستغرام» فيمتلك التنظيم عليه 50 ألف حساب وأخيراً تم حذف 15 ألفا منها. لكن الخبراء أشاروا إلى أن أغلب هذه المنصات تهاوت أخيراً. ومما لا شك فيه أن تنظيماً مثل «داعش» لم يفته استغلال برامج التواصل الحديثة لنشر أفكاره وتجنيد المزيد للانضمام لصفوفه... ومن المؤكد أن المنتديات الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي مثل «اليوتيوب» و«تويتر» و«فيسبوك» و«الواتسآب» و«الإنستغرام»، أصبحت الأداة الأهم في يد الجماعات الإرهابية لنشر أفكارها ومعتقداتها ووضع خططها وتنفيذ أهدافها وتجنيد أعضائها. وسبق أن أعلن موقع «توتير» في فبراير (شباط) الماضي، تعليق أكثر من 125 حسابا تابعا لـ«داعش» في إطار حربه ضد «المحتوى الإرهابي» على منصته، عقب ضغوط من حكومات الدول للحد من الدعاية الجهادية عبر شبكات التواصل الاجتماعي؛ لكن الحرب الإلكترونية لم تتوقف حتى الآن، وتغذي استمرارها الحسابات الجديدة التي يدشنها التنظيم فور إغلاق أي حساب قديم، ما يعني أن الطرفين عالقان في حرب قد لا تنتهي قريباً.من جانبه، قال الباحث عمرو عبد المنعم، الخبير في شؤون الحركات الإسلامية، إن «داعش» أكبر تنظيم يستخدم التكنولوجيا في التعامل مع وسائل الإعلام الحديثة، والحقيقة أن هذا الأمر عليه علامات استفهام كثيرة جداً... كيف أن مجموعة من الجهاديين أكبرهم سناً من هو عمره 60 عاماً أقصى شيء تعلمه في أفغانستان أن يستخدم جهاز الكاسيت عام 1988؛ لكنه الآن أصبح يتواصل مع التكنولوجيا بشكل أسرع، لافتاً إلى أنه عقب أحداث 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001. وظهور الجهاد اللوحي «التاب» والتليفون الذكي، استطاعت الجماعات المسلحة أن تخلق تكنولوجيا الجهاد بمفرداتها، واستطاعت استغلال كل ما يخص هذه الوسائل لخدمة أهدافها الخاصة وتجييش الشباب، خاصة أنها سهلت عليهم تحقيقها بأقل التكاليف، التي كانت باهظة فيما مضى، مضيفاً: الآن التنظيم يُجند شخصا ويعرفه طريقة صناعة المتفجرات واستخدام الأسلحة وكيفية الهروب من مراقبة السلطات في الدول، حتى وصل إلى ما يعرف باسم «الذئاب المنفردة»، و«الخلايا النائمة»، كل ذلك نتيجة التعامل مع التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي.وتابع عبد المنعم: «تم رصد أكثر من 250 ألف حساب للتنظيم على (تويتر) من عام 2014 حتى 2016. ومع أوائل عام 2016 هجر جنود (داعش) موقع (تويتر)، لأن قيادة التنظيم ترفض التكنولوجيا؛ بل تحرمها وتعتبر من يستخدمها آثما شرعاً».لكن تقارير دولية أكدت رصد ما يزيد عن 300 ألف حساب للتنظيم على «تويتر».وأوضح عبد المنعم أنه حتى عام 2016 كان مقاتلو «داعش» عندما يفرغون من القتال في أرض الخلافة المزعومة بسوريا والعراق، يقومون باستخدام «التاب» أو الهاتف الجوال، ويتواصل كل مقاتل مع أصدقائه عبر حسابات وهمية بأسماء حركية ويضع عليها عبارات أو ألفاظا مثل «باقية وتتمدد أو البغدادي باق أو أخبار الخلافة» ويستخدمون ما يقرب من 50 مفردة تتعلق بالتنظيم والخلافة، ولا يعرفها إلا هم فقط.لكن مقاتلي «داعش» بدأوا مع بداية عام 2016 الانسحاب من المشهد التكنولوجي حتى لا يتم استهدافهم، لأن التحالف الدولي استطاع استهدافهم عن طريق ذلك، لافتاً إلى أنه يستحيل الآن أن نجد حسابات للمقاتلين أو قادة التنظيم على «تويتر»... بعدما اقتصر امتلاك الحسابات على تلك المنصة لمناصري التنظيم ومحبيه فقط.ويقول مراقبون إن نشاط «داعش» على «تويتر» قُسم إلى عدة فئات تُعنى بمهام مختلفة؛ لكن رسالتها واحدة هي «قيام الخلافة»، كما تبرز حسابات غريبة بمسميات مختلفة، تهدف إلى التعريف بأنشطة «داعش»، منها: «أسود الدولة»، و«صقور دولة الإسلام»، و«أنصار دولة الإسلام»، و«صفحة ولاية الشام»... أما حسابها الرسمي المفترض على «تويتر» فكان يحمل اسم «مؤسسة الاعتصام» وشعاره: «اعتصموا». لكن سبق للقائمين على الموقع إلغاء ذلك الحساب.وأشارت دراسات غربية إلى أن غالبية التغريدات على «تويتر» باللغة العربية، رغم وجود 18 في المائة باللغة الإنجليزية و7 في المائة باللغة الفرنسية.وعن الكيفية التي وصلت بها التكنولوجيا لـ«داعش»، قال صلاح الدين حسن، الباحث في شؤون الحركات المتطرفة، «كانت هناك مواقع ورثها «داعش» عن تنظيم «القاعدة» على الشبكة العنكبوتية، ولم يكن لأميركا أي قدرة على حذف هذه المواقع، وكان «داعش» يتعامل مع هذه المواقع وفق «رقم سري»، فكان يضع البيانات والصور والأرشيف، لكن هذه الحسابات تعرضت للحذف. ويؤكد المراقبون أن «داعش» عمل على التواصل بين جيشه الإلكتروني عن طريق تنظيم موارده وتحسين برامج الاتصالات ودراسة البدائل الآمنة، فالتواصل بين التنظيم يتم عن طريق برامج آمنة , مع المتطرفين, وشبكة مثل الفداء، وأخرى مثل شبكة الشموخ، وجميعها تخفي عناوين الـ«IP» والهوية التي لا يمكن حذف محتواها.وقال عمرو عبد المنعم إن «داعش» درب المحبين أو المناصرين على كيفية عمل «إيميل» على «فيسبوك»، ووضع شروطا لذلك أن «الإيميل» لا يفتح من منزل المناصر أو المحب، وعند فتحه يكون على بعد 3 كيلومترات من مقر إقامته، وعندما يفتحه لا يأخذ وقتاً طويلاً، ويرد على الرسائل الواردة بسرعة، ولا يرد على كل الرسائل، خاصة الرسائل التي تحمل صور فتيات أو مشاهد جنسية، لأنه حين يدخل عليها يتم تحديد موقعه من قبل «الهاكرز» أو رجال الأمن في الدول وتوقيفه بعد ذلك. موضحاً أن التنظيم يمتلك 30 ألف حساب على «التليغرام» وكل حساب يتابعه ما يقرب من 3 ملايين شخص، وهذا يدل على وجود عدد كبير من المتابعين، خاصة أنه من الممكن تحميل «التليغرام» على جهاز الحاسوب الشخصي، ويصعب رصده من قبل سلطات الدول، لافتاً إلى أن الشباب الذين يتصفحون «التليغرام» من سن 14 حتى 28 عاماً، والأغرب أن 60 في المائة لفتيات تستهويهن إصدارات «داعش» وضرباته في أوروبا وحلم -الخلافة- المزعوم.وحول تجنيد «داعش» للشباب، قال صلاح لم يكن تجنيداً بالمعنى الشامل، لأن آلية التجنيد معقدة تماماً لعدم معرفة الشخص الجديد الذي يطلب الانضمام للتنظيم، و«داعش» تحدث عن التجنيد الإلكتروني كنوع من التفخيم، بأنه يمتلك القدرة على ذلك.يشار إلى أنه سبق أن شهد تطبيق الرسائل المشفرة «تليغرام» حركة غير معتادة من أنصار «داعش»، حيث اندمجت ثلاث مجموعات من «الهاكرز» المحترفين الموالين للتنظيم الإرهابي معاً، من أجل تحسين قدراتهم في شن الحروب الإلكترونية على الأهداف في الدول الغربية، وإعلان التنظيم أن لديه فريقا جديدا قادرا على التعامل باللغتين الإنجليزية والعربية. لكن صحيفة «ذي تايمز» البريطانية قالت إن «داعش» يمتلك أكثر من 50 ألف حساب لأنصاره على موقع «إنستغرام» مع انتقال الإرهابيين إلى منصة مشاركة الصور بعد الحملة ضدهم على «فيسبوك وتويتر ويوتيوب»... ووجدت دراسة كبرى أخيراً أن أنصار التنظيم الإرهابي حول العالم يستخدمون قصص «إنستغرام» التي تختفي بعد 24 ساعة لنشر الدعاية. وهو الرقم الذي أكدت عليه أيضاً مجموعة «جوست داتا» لتحليل البيانات، وذكرت أن 50 ألفا من حسابات «إنستغرام» مرتبطة بداعش وأكدوا أن الموقع الذي يتيح للمستخدمين نشر فيديوهات ومجموعات من الصور والنصوص، يتم استخدامه لنشر الدعاية الجهادية، ومن بين المواد التي تم حفظها كـ«سكرين شوت» مقاطع فيديو لأطفال يلوحون بأعلام «داعش»، وصورة لجثة رجل مقطوع الرأس عليها كلمة «كافر».وعن تفوق «داعش» في «السوشيال ميديا»، قال صلاح الدين حسن خبير الجماعات المتطرفة: «يعود ذلك إلى أن أعضاء التنظيم الجدد بعد ثورات الربيع العربي كان معظمهم من الشباب الذين لديهم اتصالات على مواقع التواصل الاجتماعي، ولذلك حققوا طفرة كبيرة في ميديا التنظيم. لكن أغلب هذه المنصات تهاوت أخيراً».واتفق مع الرأي السابق، الدكتور خالد الزعفراني، الخبير المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة، مؤكداً أنه انضم لـ«داعش» مجموعة من الشباب على دراية كبيرة بالإنترنت من وسط آسيا والدول العربية، ويمكن وصفهم بأنهم كانوا نوابغ في استخدام الشبكة العنكبوتية وتعاملوا مع هذه المنصات بحرفية... لذلك فالتنظيم فرغ مجموعة كبيرة من الشباب لذلك، وتم توظيفهم لإرسال الفكر الجهادي وليس استقبال الأفكار الأخرى.وأوضح: كان التخاطب اللغوي صعبا بين عناصر التنظيم؛ لكن بعد الإنترنت أصبح سهلاً، مجرد كلمات عربية مع إنجليزية ولغات أخرى، يستطيعون نطقها في بيانات معينة، لافتاً إلى أنها كانت مجموعات فكرية تنفذ تعاليم التنظيم بـ«حذافيره»، موضحاً أن كل حساب تابع للتنظيم يتم إغلاقه، يتم فتح مقابله 10 حسابات جديدة، لذلك مطلوب من الدول أن تخصص شبابا مهمتهم الرد على هذه الحسابات، لكن الردود للأسف أمنية فقط.من جهته، يقول الدكتور عبد الصبور فاضل، عميد كلية الإعلام جامعة الأزهر، إن «داعش» وفر الإمكانيات المادية لتدريب العديد من الكوادر لاختراق المواقع الإلكترونية في الدول بتكنولوجيا حديثة بدليل استعانته بالأجانب في ذلك، لافتاً إلى أن «خطاب «داعش» الإعلامي يعد أداة قتال رئيسية من أدوات المعركة التي يخوضها، وليس مجرد آلية للترويج الخارجي، مؤكداً أن «داعش» يصوغ استراتيجيته الاتصالية ليخاطب ثلاثة مستويات مختلفة تماماً؛ فهناك خطاب للأتباع والمتعاطفين والمؤيدين، وهناك خطاب يستهدف المتابعين الذين يقفون على الحياد أو في مفترق طرق إزاء التنظيم وأعدائه، أما الخطاب الثالث فيستهدف أعداء التنظيم.

مشاركة :