رسم من القرن الثامن عشر لمكة ومذكرات ضابط بريطاني مع الملك عبد العزيز

  • 10/29/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

يتحدث ريتشارد فاتوريني مدير قسم الكتب في دار «سوذبي»، بحماسة واضحة عن محتويات مزاد الدار، الذي سيُنظَّم في لندن، العاصمة البريطانية في 14 نوفمبر (تشرين الثاني). يسرد تفاصيل كل قطعة بلهجة مَن قرأ واستمتع بالتفاصيل الصغيرة، ويختار أن يبدأ عرض قطع منتقاة من المزاد منطلقاً من رسم نُفّذ بطريقة النقش على النحاس، يصور الحرم المكي في موسم الحج. يحمل الرسم عنوان «كعبة الله العليا».نسخة نادرة ومشهد مهيب لمكة المكرمة. يعد أضخم رسم للمدينة نُفِّذ في ذلك الوقت، ويتميز بكثرة التفاصيل ودقّتها، من أفواج الحجاج الذين ينسابون من عرفات حتى الحرم المكي، نراهم عند بوابات الحرم وفي المساجد بالقرب من المشاعر المقدسة، وحتى أيضاً نرى أشخاصاً على أسطح المنازل بجانب خيم صغيرة نصبوها هناك، ربما لرؤية الكعبة.يعد هذا الظهور الأول للوحة منذ 40 سنة، حسبما يشير الخبير.نشر الدبلوماسي دوسون كتاباً عن الإمبراطورية العثمانية، يتضمن لوحة ضخمة عن مكة المكرمة. ودفعه الإقبال الكبير على شراء الكتاب، بتكليف الأخوين تشارلز نيكولاس وجوزف فارين عام 1791، في باريس، إلى إعداد نسخة أكبر من اللوحة (وهي النسخة الموجودة في هذا المزاد). ويروى أنّه قد باع نسخاً منها في القسطنطينية للحجاج والرحالة. ولكن اليوم يعتقد أنّ هناك نسخاً محدودة متبقية من اللوحة.بالنظر إلى اللوحة يتبادر إلى الذهن سؤال: هل رُسمت من الواقع أو اعتماداً على رسوم أولية؟ يقول فاتوريني: «به بعض الخيال ولكنه في الغالب يعتمد على حكايات الرحالة والحجاج، ولهذا فهو ليس متخيلاً تماماً، ليس دقيقاً 100 في المائة، ولكن الفكرة الأساسية هناك معتمدة على الحقائق والواقع».اللوحة تحمل تاريخ إعدادها 1791، وقد صُنعت في فرنسا وشُحنت إلى القسطنطينية، «لسوء الحظ شب حريق ضخم في المخازن، حيث حفظت الرسومات، وفُقدت كل النسخ التي أودعها دوسون هناك ولم يتبقَّ سوى تلك النسخ التي كان قد باعها بالفعل أو التي احتفظ بها لنفسه، ولهذا اعتبرت اللوحة (غير متوفرة) ولا يمكن الحصول عليها».توجد نسخ قليلة يُعتقد أنّها نجت من الحريق، ولكنّنا لم نستطع التوصل لأي من الرسومات التي طُبعت في عام 1791، ويُروى أن آخر شخص اقتنى نسخة كان الرحالة النمساوي أندرياس هانغلينغار الذي كتب في عام 1804، أنّه حاول جاهداً ليحصل على اللوحة في أثناء إقامته في مدينة إسطنبول عام 1798، واستطاع في عام 1802 شراء نسخة من بائع تحف في مدينة بيرا الذي اقترح على هانغلينغار أن ينسخ الرسم. وبالفعل سمع الرحالة النصيحة وكلّف بإعداد نسخة من اللوحة تم حفرها على النحاس في فيينا وطُبعت في عام 1803. وكان المتحف البريطاني قد عرض نسخة من طبعة تعود لعام 1803 ضمن معرض «الحج: رحلة إلى قلب العالم الإسلامي» في عام 2012.ويضيف فاتوريني خلال حديثه مع «الشرق الأوسط»: «عبر اتصالاتي علمت بأنّ هناك 6 نسخ أخرى لم تظهر منها أي نسخة في مزاد علني، وبالتالي فهذا هو الظهور الأول لهذه النسخة في المزاد. وهذا ما أكّده لي جامع خرائط يعيش في مكة، حين قال بأنّه لم ير هذه النسخة من قبل وإن كان يعرف بوجود 6 نسخ».يشير فاتوريني إلى أنّ السعر المقدر للوحة يتراوح بين 30 و40 ألف جنيه إسترليني.مذكرات هاملتون والملك عبد العزيزمن الكتب التاريخية المهمة في المزاد، يعرض فاتوريني لنا نسخة من كتاب لا يبدو أنّه في صورته النهائية، وبالفعل يقول لنا إنّه نسخة معدة للتصحيح، طبعها المقدم روبرت إدوارد هاملتون ممثل الحكومة البريطانية، لاستخدامه الشخصي، ولم تصدر للجمهور. الكتاب يدور حول مقابلاته نيابةً عن الحكومة البريطانية مع الملك عبد العزيز في 1917، بعد نهاية الحرب الكبرى، حيث كُلِّف برفع التقارير إلى الحكومة البريطانية عن الأحداث.المذكرات تلقي الضوء على ما كان الملك يفكر به وأيضاً على علاقته مع بريطانيا العظمى، ولهذا لم تكن الوثيقة معدة للجمهور، فهي وثيقة حكومية طُبع منها 50 نسخة فقط. يشرح لنا الخبير أهمية المخطوط أمامنا، قائلاً: «حاولت تتبع آثارها ولكن لم أجد سوى نسخة وحيدة في المكتبة البريطانية، وكانت (سوذبي) قد قامت العام الماضي ببيع كتب تعود لعائلة المؤلف، وبعنا نسخة من المذكرات بقيمة 80 ألف جنيه». النسخة المعروضة أمامنا، وهي غير مصححة، موقعة من الكاتب بلقبه الاسكتلندي (بلهافن) ومهداة لـ«إي إل فون» 1921، تقول: «إلى (إي إل فون) مع تحيات الكاتب. هناك عدد من الأخطاء في هذه النسخة المعدة للتصحيح، ولكنّها ما عدا ذلك، نسخة طبق الأصل من أصول مذكراتي».وفي الصفحة الأولى نجد العنوان «يوميات رحلة لوسط الجزيرة العربية بقلم كولونيل هاملتون».يصور هاملتون في مذكراته انطباعاته وملاحظاته، وهو ما يمثل مصدراً غنياً للمعلومات حول العلاقات الدبلوماسية البريطانية السعودية، خلال الأعوام التي سبقت تأسيس المملكة العربية السعودية.المقدم روبرت إدوارد هاملتون (1871 - 1956)، أُرسل إلى الرياض برفقة سانت جون فيلبي، وتسجل المذكرات رحلته من الكويت إلى الرياض في 9 أكتوبر (تشرين الأول) 1917.في إحدى الصفحات يذكر لقاءه مع الملك عبد العزيز، في 13 نوفمبر، حين جلس «على يمين عبد العزيز آل سعود... بعد ذلك ذهبنا لمكتبه لحديث خاص».تضم المذكرات تفاصيل كثيرة حول رحلته للرياض وملاحظاته عن الوضع السياسي في المنطقة. في الرياض التقى مع فيلبي وكانليف أوين. كما أشار إلى لقاء مع تي إي لورانس (لورانس العرب) وكابتن ويليام شكسبير. وعلى الهوامش سجل هاملتون ملاحظات عن أحوال الطقس والمسافات التي قطعها والوقت الذي استغرقته الرحلة. ويذكر أحداث اليوم الأخير لزيارته للرياض حيث «قدَّم ابن سعود إليه ذكر وأنثى المها العربية كهدية للملك جورج».كتاب بطليموس ونجوم عربية الاسميعرض فاتوريني بعد ذلك كتاب فلك بقلم بيتروس بابيانوس طُبع في ألمانيا في عام 1540، عن نظريات عالم الفلك المصري بطليموس، «بعد 3 أعوام من طباعة هذا الكتاب قلب العالم كوبيرنيكوس كل نظريات بطليموس على رأسها وقرّر أن الأرض تدور حول الشمس». ويضيف أنّ الكتاب يتميز بغلافه الجلدي الذي يعود إلى 1540 ولا يزال بحال جيدة، ويتابع: «أمر نادر أن نجد كتاباً عمره 500 عام ما زال في تجليده الأصلي».يشير الخبير إلى تفاصيل أخرى، فالكتاب يضمّ أسطوانات ورقية يمكن تحريكها تحمل رسوماً توضيحية لتحديد مواقع النجوم وغيرها من النتائج الفلكية، «يمكن تدوير الأسطوانات الورقية واستخدام خيط مثبت في منتصفها لعمل الحسابات حول مواقع وحركات النجوم»، كما يشير إلى أنّ «الخيط يحمل في نهايته لؤلؤة دقيقة الحجم يمكن استخدامها أيضاً لتحريكها على الرسم».ويتميز الكتاب باستخدام الكاتب للأسماء العربية للنجوم الـ13: «على خرائط النجوم استخدم الأسماء البدوية التي نقلها عن كتاب لعالم فلك فارسي من القرن التاسع».كتاب في الأزهار والحشرات بريشة امرأة مُنعت من استخدام الألوان الزيتيةالكتاب التالي هو لماريا ميريان طُبع في أمستردام عام 1705. عادة ما تضمّ مزادات كتب الرحلات مثل هذا الكتاب، من إعداد علماء ورحالة جابوا الأرض لتسجيل الحياة الطبيعية. ما الذي يميزه؟ يجيب فاتوريني: «هي أول امرأة تسجل تفاصيل الحشرات والنباتات من خلال رحلة استكشاف علمية في نهاية القرن السابع عشر. ماريا ميريام كانت ابنة صاحب دار نشر سويسري. اصطحبت ابنتها إلى سورينام في أميركا الجنوبية (التي تحولت لمستعمرة هولندية)، بعد أن سمعت الكثير عن فصائل الحشرات هناك، ولكن بما أنّها امرأة فلم يكن مسموحاً لها باستخدام الألوان الزيتية التي كانت حكراً على الرسامين الرجال، في هولندا يُسمح للنساء باستخدام الألوان المائية فقط حسب قواعد رابطة الرسامين والمذهّبين».قرّرت ماريا أن تسافر وترى بنفسها. باعت 200 لوحة من لوحاتها لتنفق على الرحلة، وقضت عامين في أميركا الجنوبية. وعند عودتها قدمت هذا الكتاب الرائع حول الحشرات والأزهار، ويعد من أجمل كتب التاريخ الطبيعي على الإطلاق، وهو أحد الكتب الأثيرة لمقدم برامج الطبيعة الشهير السير ريتشارد أتنبره.يقول فاتوريني إنّ ماريان «كانت مبهورة بتحول حشرات مثل الدودة إلى فراشات بديعة الألوان، ورسوماتها تعد أول صور يراها الأوروبيون من أميركا الجنوبية وتاريخها الطبيعي. ورسوماتها الملونة تحتل مكاناً خاصاً في مجموعة الملكة إليزابيث في قصر باكنغهام». يضيف: «المذهل أنّها طبعت كتبها على طريقة النقش على النحاس ولوّنت الرسومات باليد معتمدة على رسوماتها الأصلية».ملابس وشخصيات من الدولة العثمانيةالكتاب التالي هو مجلد من الرسومات التي تسجل الملابس في القسطنطينية، صدر في نهاية القرن السادس عشر. «الصور ملونة باليد وتحمل تعليقات باللغة الألمانية، وقد يكون الفنان عمل بالسفارة الألمانية في القسطنطينية، وقد أُصدر كتذكار يُمنح للتجار الألمان رفيعي المستوى». رسومات الكتاب تتنوع في تصوير طبقات المجتمع، حيث نرى السلطان والبطرك اليوناني والمفتي وسيدة تركية منتقبة، وأخرى مسترخية في منزلها، ويشير فاتوريني: إلى أنّ الكتاب «من أوائل الرسومات في هذا الاتجاه، ويحتوي على 8 رسومات فقط».

مشاركة :