ظل يعاني من رائحة كريهة تصدر عنه منذ أن كان في المدرسة، كانت تسبب له سخرية زملائه منه في الفصل، وكان يذهب إلى البيت باكياً لوالدته وهي تحضنه، وتهدئ من حالته وتؤكد له أن هذه الرائحة سوف تزول عندما يكبر، وظل يعاني من هذه الرائحة كلما كبر وصاحبته حتى أصبح في عمر الشباب وما زال يعاني من هذه الرائحة، رغم أنه يستحم في اليوم أكثر من مرة على أمل أن تختفي هذه الرائحة، ولكن دون جدوى ولا نتيجة وتظل الرائحة تنبعث منه، حتى أنه في الجامعة يفضل الجلوس منعزلاً بعيداً عن الزملاء، ولا يشترك معهم في أي عمل أو نشاط جماعي خوفاً من الإحراج. أصابته حالة نفسية من هذه المعاناة المستمرة، ويحاول إزالة هذه الرائحة أو التغطية عليها بشراء أنواع كثيرة من العطور والبرفانات، ووضع كمية كبيرة قبل خروجه للجامعة، ووصف له بعض الأشخاص مشروبات طبيعية يمكن أن تخفف أو تزيل هذه الرائحة، وبالفعل جرب هذه المشروبات العشبية ولكن ما زالت الروائح تنبعث من جسمه، وكلما كبر زادت المشكلة ولا بد من استعمال أنواع قوية من العطور، والمشكلة المحرجة أن بعض الأشخاص الذين لا يعلمون هذه المشكلة عندما يدخلون المكان الذي يتواجد فيه هذا الشخص، يقولون إن هناك رائحة كريهة من أين تأتي، مما يجعله في غاية الإحراج والتوتر وهو على يقين أن هذه الروائح تنبعث منه، وكانت هذه الرائحة تظهر وتفوح بشكل واضح عندما يتعرق هذا الشخص، والبعض كان يظن أنه لا يتبع خطوات النظافة الشخصية ويهمل في هذا الجانب، رغم أن ما يحدث عكس ذلك فهو يهتم بدرجة كبيرة بنظافته الشخصية ليحاول أن يظهر برائحة جيدة، دون فائدة، فالرائحة الكريهة تفوح حتى على مسافة بعيدة منه، وعندما ذهب للطبيب لمعرفة مصدر هذه الروائح الكريهة، اكتشف أنه مصاب بحالة غريبة وهي متلازمة رائحة السمك، وهي سبب هذه الروائح الغريبة والمنفرة، وفي هذا الموضوع سوف نتناول تفاصيل هذا المرض المزعج، والأسباب التي تؤدي إلى الإصابة به، والأعراض التي تنتج عنه وبعض طرق العلاج المتاحة للتخفيف من آثاره.خلل جينييعاني بعض الأشخاص من متلازمة رائحة السمك، التي تؤدي إلى انبعاث روائح كريهة من أماكن متنوعة من الجسم دون سبب واضح وغير مبرر، وهذه الروائح تلازمهم فترات طويلة من الوقت، وتسبب لهم المشاكل الشخصية وحالة من الحرج المستمر، وتطالهم اتهامات بعدم اتباع طرق العناية بالنظافة الشخصية، وهذه الحالة تعبر عن اضطراب وراثي في أحد الجينات يسبب عدم قدرة الجسم على تحليل وتفكيك مركب ثلاثي ميثيل الأمين، وهذا المركب ذو رائحة كريهة تشبه رائحة البيض الفاسد أو السمك المتعفن أو رائحة القدم المنتنة، وعندما يفشل الجسم في تفكيك هذا المركب يخرج من الجسم عن طريق التعرق والنفس والبول، وتنتشر رائحته في المكان بصورة واسعة، وتؤثر على حياة الشخص والعلاقات الاجتماعية والأنشطة اليومية بالكامل، وينعزل بعض هؤلاء الأشخاص المصابين بهذه المشكلة، وبعضهم يقبل على الانتحار بسبب سوء الحالة النفسية في المرض الشديد، والسبب الرئيسي في هذا المرض هو الخلل الذي يصيب أحد الجينات نتيجة حدوث طفرة، تجعل هذا الجين غير قادر على تصنيع وإنتاج الإنزيم الذي يقوم بتفكيك المركبات التي تحتوي على النيتروجين، وبالتالي لا يستطيع الجسم القيام بتمثيل المركبات المسببة لهذه الرائحة وتحويلها إلى مادة بدون رائحة، وهذا المركب هو ثلاثي ميثيل الأمين ذو الرائحة القوية التي تشبه رائحة السمك تماما، وحوالي من 12 إلى 16% فقط من الأشخاص المصابين بهذه المشكلة، يعانون من هذه الرائحة الكريهة المستمرة، مما يجعل هناك صعوبة في تشخيص هذه المشكلة، والتي قد يفسرها الأطباء بأمراض ومشاكل جسدية أخرى.العرق والفمتظهر علامات وأعراض تشير إلى وجود متلازمة رائحة السمك، فعندما يتراكم مركب ثلاثي ميثيلامين في جسم الشخص يخرج عن طريق البول والعرق وتظهر في رائحة الفم أيضا، وتصبح رائحة البول نفاذة للغاية برائحة كريهة، والعرق يخرج برائحة السمك الفاسد، ولكن شدة الرائحة تختلف من شخص مصاب إلى آخر، ولكن من الملاحظ أن هذه الرائحة تكون قوية في حالة إصابة الفتيات أكثر من الرجال دون أسباب معلومة حتى الآن، وبعض الأطباء يفسر ذلك بأن هرمونات النساء مثل الاستروجين تسبب تفاقم هذه الروائح، وتختلف درجة الرائحة نتيجة التأثر بعدة عوامل، ومنها احتواء النظام الغذائي على المواد التي تزيد من المركبات النيتروجينية المسببة لهذه المشكلة، كما أن معدل الهرمونات في الجسم له دخل في شدة وضعف هذه الرائحة، وكذلك كميات العرق التي تخرج من الجسم والتي تختلف من شخص لآخر، بالإضافة إلى عامل النظافة الشخصية الذي يقلل من هذه الرائحة، وفي حالة عدم الاستحمام لفترة بسيطة تزيد الرائحة بشكل كبير، واستخدام أنواع معينة من الشامبوهات وسوائل العناية بالجسم والعطور والروائح، كلها عوامل تساهم في زيادة أو تخفيف هذه الرائحة السيئة.البخر الفموييصاب أيضا بعض الأشخاص بانبعاث روائح الجسم الكريهة ليس بسبب متلازمة رائحة السمك، ولكن نتيجة الإصابة بمشكلة البخر الفموي المزمن ويعد من أكثر أسباب انتشار رائحة الجسم غير المرغوبة، وفيها تنبعث روائح كريهة من الفم بشكل مستمر، وتحدث مشكلة البخر الفموي غالبا من خلال النشاط الأيضي لبعض الجراثيم التي تتواجد داخل الفم، وتنتشر هذه الرائحة الكريهة أثناء عملية التحدث أو من خلال التنفس، وتظهر واضحة في المكان المتواجد فيه هذا الشخص، مما يعطي إيحاء للأشخاص المحيطين بأن هذه الرائحة منبعثة من الجسم كله، مما يسبب خلطا كبيرا في حالة التشخيص من هذه المشكة وبين متلازمة رائحة السمك، والتي يمكن اكتشافها من خلال تجنب تناول الأطعمة التي تحتوي على الكولين مثل السمك والبيض والبقوليات والكبد، كما تظهر درجات مختلفة من هذه الروائح غير المرغوبة للجسم عند إصابة بعض الأشخاص بحالة الإمساك المزمن والمشاكل الهضمية، وتزول رائحة هؤلاء عند حالة الإسهال، كما يمكن أن تهاجم هذه الروائح بعض الأشخاص في فترات معينة وتختفي نتيجة حدوث بعض التغيرات الهرمونية في الجسم، ولكن ما يميز متلازمة رائحة السمك هي الاستمرار في انبعاث الرائحة الكريهة من الجسم رغم النظافة الشديدة.الزنك والماغنسيوميسعى الأطباء إلى علاج مشكلة متلازمة رائحة السمك عن طريق اتباع نظام غذائي معين، ولا يوجد علاج محدد لهذه المشكلة المرضية يمكن أن يقضي عليها تماما، ولكن طرق العلاج المتبعة تخفف من الرائحة، وهذه الطرق تعتمد على تجنب تناول الأسماك والبيض والكبدة وأنواع من اللحوم، وكذلك الأطعمة التي تحتوي على الكولين والنيتروجين والكبريت والكارنتين، كما يمكن تناول بعض العلاجات الطبية ومنها المضادات الحيوية مثل نيوميسين للقضاء على البكتيريا الضارة الموجودة في الأمعاء، وتوصلت بعض التجارب والأبحاث في السنوات الأخيرة إلى إمكانية وجود حل لمشكلة روائح الجسم السيئة، وذلك من خلال تناول معدن الزنك وكذلك استخدام معدن الماغنسيوم، والذي تم تجريبه وتبين أن له قدرة على إخفاء رائحة الجسم السيئة، وأكد الباحثون أن العلاج المكون من خليط بين الماغنسيوم والزنك وفيتامين «ب» وفيتامين «ب6»، يكون له مفعول جيد ومؤثر في التخلص من روائح الجسم الكريهة وغير المرغوبة عموماً وكذلك رائحة الفم السيئة، ويرجح الباحثون أن السبب في الغالب يعود إلى قدرة هذه المعادن على المشاركة في عمليات الأيض التي تحدث في الجسم. الأب والأم تشير دراسة أمريكية حديثة إلى أن مرض متلازمة رائحة السمك يحدث عندما يتوارث الأشخاص نسخة فيها خلل، أو معطوبة من الجين الوراثي المسبب للمرض من الأب والأم، اللذين يحملان هذا الجين، ولكن المرضى لا يظهر عليهم، ولا يعانون رائحة الجسم الكريهة، بسبب أنهم يحملون الجين المعطوب من اتجاه واحد فقط، وليس الأم والأب معاً، وإذا ورث أحد الأشخاص هذا الجين من الأب فقط، أو الأم فقط، فلن يظهر لديه هذا المرض، وقامت الدراسة على 360 شخصاً ممن يعانون انبعاث روائح كريهة من الجسم، وتم فحص هؤلاء الأشخاص بعد تناول مواد غذائية تحتوي على عنصر الكولين، وتبين من نتائج الفحص أن 35% من هذا العدد مصاب بمتلازمة رائحة السمك، منهم نحو 4% يعانون رائحة عامة للجسم غير مرغوبة، مع رائحة سيئة تنبعث من الفم، وهؤلاء يعانون سبب مختلف لهذه الرائحة الكريهة، وهي ناتجة عن رائحة الفم السيئة التي تنعكس على رائحة الجسم ككل، وهؤلاء علاجهم يكمن في التخلص من مشاكل الفم عن طريق طبيب متخصص في الفم والأسنان، أما الأشخاص الذين يعانون متلازمة رائحة السمك فلابد من الخضوع لحمية غذائية تتجنب الأغذية التي تحتوي على مادة الكولين.
مشاركة :