التربية عند الإخوان: تهدف العملية التربوية عند الإخوان إلى إيجاد المواطن الصالح بكل ما تحمله كلمة الصلاح من معنى، وليس الأمر مقصوراً على القيام بحقوق المواطنة، والالتزام بالقوانين، إنما يمتد لينمّي الارتباط الفطري لدى الإنسان بوطنه، ويؤسس عنده فهماً يتسع للآخر على اختلاف مشاربه وأفكاره، ويؤمن بحقوقه الأساسية كافة في الحياة، وينتهج العمل المشترك لحماية القيم العليا للمجتمع، وأهمها حرية العقيدة، فلا شك في أن الصلاح على المستوى الديني يعود بالنفع على الفرد والمجتمع في الدنيا والآخرة. فليست التربية عملية سرية، ولا هي حكر على أعضاء الجماعة، ولا قاصرة على ما يعتمده الإخوان في مناهجهم؛ بل يصلح أن يتربى عليها المسلمون جميعاً في مساجدهم ومنتدياتهم. وإن كان ثمة خصوصية تربوية فتلك المتعلقة بإعداد الدعاة وتأهيلهم لتحمُّل مصاعب الطريق، ومشاقّ الصبر التي يواجهها من يذكّر الناس بالحق في كل مكان وزمان. فهدف التربية بناء الفرد الذي يرى مصلحة الناس مقدَّمة على مصلحته، ويعتبر نفسه مصباحاً ينير الطريق لجميع الناس دون إكراه على اتباعه. أما من الناحية الشرعية، فلا بد للعضو من تحصيل الحد الذي لا يسع المسلم جهله من العلوم الشرعية، ومن زاد فخير له، مع الحرص على مبدأ "نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بَعضُنَا بعضاً فيما اختلفنا فيه". ومن الناحية العملية، يتعاون أعضاء الإخوان في التطبيق العملي لما تعلموه من واجبات وسنن تُعين على الارتقاء الإيماني باعتباره الزاد الذي ينهل منه الجميع. تعدّ "الأسرة" الوحدة الأساسية في بناء الإخوان المسلمين، واللبنة الأولى في تكوينها؛ بل أهم الركائز التي تقوم عليها، فهي أساس صياغة الفرد؛ إذ تتمثل حكمة التربية على يد الشيخ المعلم وفق برنامج ومنهج يراعي التربية المتكاملة ويتناول جوانب الشخصية كافة، كما أنها قائمة على التعارف والتفاهم والتكافل، فهي تحمل كل معاني الأسرة العائلية وتتحقق فيها أركان الأخوة الإسلامية في أسمي صورها. والأصل في الأسرة أنها وحدة عمل، لكل عضو فيها مهمة، وليست مقتصرة على التعليم من الجانب الشرعي، ويمثل المحتوي النظري في الأسرة جانباً هاماً لكنه ليس الأهم، ولا يمثل المصدر الأصيل للمعرفة التي يجب تغطيتها من مظانّها ومصادرها الموثوقة، ثم تنضج بالندوات والمحاضرات والدورات وحلقات العمل والمنتديات والقراءة الحرة وغيرها. وفضلاً عن المتابعة الفردية والوصايا العملية، تشمل وسائل التربية عند الإخوان المخيمات والليالي الإيمانية والرحلات وغيرها من وسائل تقْبل التحديث وتواكب التجديد باستمرار. وينبغي توفير المراجع والمناهج التربوية بصيغة إلكترونية عبر مواقع الإنترنت؛ ليتمكن عموم المسلمين من الاطلاع عليها والاستفادة منها في مختلف البيئات. الإخوان والتنافسية: إن العملية التنافسية حق لكل أبناء الوطن، وتكون واجبة في حق من يرى نفسه الأقدر على القيام بمسؤولية معينة صغرت أم كبرت، ورغم ذلك فلا ينبغي أن يكون "الإخوان المسلمون" طرفاً في أي عملية تنافسية على كل المستويات، سواء انتخابات النقابات المهنية والعمالية والحرفية، أو في مجال الخدمات البلدية كانتخابات المجالس المحلية وما شابهها، أو السياسية كانتخابات المجالس النيابية والشورية، وصولاً للانتخابات الرئاسية. لا أقول بعدم المنافسة فقط "كجماعة"؛ بل حتى مجرد الدعم لأي فرد أو حزب في تلك الانتخابات. وإنما تترك الجماعة لكل فرد فيها حرية اختيار من يراه مناسباً لتولي أي مسؤولية؛ وذلك لسببين رئيسين: أولهما أن تنأى الجماعة بنفسها عن أن تكون طرفاً في أي عملية تنافسية؛ نظراً إلى ما تخلقه من حساسيات وعداوات. ثانيهما أن تنمّي الجماعة الذاتية عند أفرادها وتطوّر إحساسهم بالمسؤولية وأهمية جهدهم الشخصي في التعرف على المتنافسين في كل الأصعدة واختيار الأصلح وليس الأتقى. فإذا رأى أحد أعضاء الإخوان أن هناك منصباً على أي مستوى يستطيع أن يفيد فيه أكثر من وجوده عضواً في الجماعة، فعليه الاعتذار عن عضويته في الجماعة وخوض غمار هذه المنافسة؛ لأن مصلحة الوطن مقدمة على مصلحة الجماعة، وهذا لا يعني أن الجماعة ستدعمه أو أن أفرادها سينظرون إليه نظرة تفضيلية على نظرائه من المرشحين على المنصب ذاته خلال تلك الانتخابات. الإخوان والعمل السياسي: يرى الإخوان أن الممارسة السياسية لا يعارضها الفهم الشمولي للإسلام؛ بل هي جزء رئيس فيه، وخوض غمارها باعتبارها أحد مجالات الحياة الأساسية واجب على كل مسلم ومسلمة، وممارسة الجماعة بلسياسة تعني أن يكون لها رأي واضح في سياسة الدولة، تقدمه من باب النصح المأمور به شرعاً، كما تحرص على أن يدلي أعضاؤها مع عموم الشعب بأصواتهم في أية انتخابات يرجي منها مصلحة الوطن وليست تلك الشكلية المحسومة نتائجها مسبقاً، فهي لا تعترف بالانتخابات المزورة ولا بإفرازاتها، ولا تقبل أن تكون قنطرة لشرعنة الأوضاع المنكوسة ولا تجميل قبائح النظم الديكتاتورية في عالمنا الإسلامي. لكن الجماعة كما أسلفنا لا ترشح أياً من أفرادها في أية انتخابات، وهو خيار حركي وليس رأياً شرعياً. الإخوان والديمقراطية: الديمقراطية في نظر الإخوان هي أقرب النظم بأدواتها إلى الشورى، وليست وسيلة استحواذ أو احتكار، غير أن الديمقراطية الحقيقية التي تمثل الشورى في الإسلام هي التي لا تتصادم مع صريح الدين وتعاليمه. كما أن الديمقراطية ليست الحل الأوحد والطريق الأنسب لكل الشعوب على اختلاف مشاربها وثقافاتها، والأصل هو ما يرتضيه الشعب من طريقة لإدارة شؤونه، وبما يحقق مقاصد الشريعة وينشر العدل ويحقق السلم الاجتماعي، وجميعها ينشد مصلحة البلاد والعباد. الإخوان والثورة: يرى الإخوان الثورة وسيلة سلمية، وخياراً لكل الشعوب حين يسود الظلم والاستبداد، وهي كباقي فئات المجتمع تشارك في أي ثورة يقوم بها أي شعب مضطهد ومظلوم ومسلوب الحقوق، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن تشارك في كل حراك شعبي أو فئوي قلَّ أو كثُر، ولا يعني عدم المشاركة في تلك التحركات السلمية الشعبية عدم دعم مطالبها، إنما تقدّر الخيارات الحركيّة بقدرها. وحين يشارك الإخوان في أي ثورة فهم لا يقودونها بالضرورة ولا يهدفون من ورائها إلى تحقيق أية مصالح شخصية أو حزبية ضيقة؛ بل يكون هدفهم رفع الظلم وتحقيق العدل، وترك الخيار للشعب حتى يتحمل مسؤولية اختياره ونتيجة قراره، وهم ضمن جموعه. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :