مصرف ليبيا المركزي في بنغازي تحت التحديثتصوير: عبد الستار حتيتة طرابلس – بنغازي: عبد الستار حتيتة * بعض القائمين على المصرف المركزي الرئيسي في طرابلس، على صلة بجماعات متطرفة. * الجيش لم يعد يحارب دواعش الفكر المتطرف فقط، لكنه بدأ في محاربة دواعش المال العام أيضاً. * كلفة المخاطر لدى أصحاب السفن المتجهة إلى ليبيا ارتفعت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وهذا أثر بالسلب على ثمن أسعار الواردات. * جميع السلع، دون استثناء، ذات جودة متدنية مقارنة بما كان عليه الحال قبل ست سنوات. عشاء من الشطائر المحشوة باللحم والبيض المقلي لفردين اثنين. وعلبتا سجائر متوسطة الجودة. الكلفة بلغت 65 ديناراً ليبياً. كان ثمن هذه الوجبة، ومعها لفافات التبغ، قبل عامين، لا يزيد على ثمانية دنانير. ويئن غالبية الليبيين من الفقر والفاقة، لكن العزيمة على السير قدما إلى المستقبل، تزداد يوما بعد يوم. وعبر مُدن عدة، يواصل الجيش الوطني الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر، مطاردة جماعات المتطرفين، ومن بينهم الدواعش، بكل قوة. وتمكَّن الجيش أخيراً من إعادة مظاهر الدولة إلى أجزاء واسعة في شرق البلاد، خصوصا بنغازي، ثاني أكبر المدن الليبية. ورغم الفاقة، فتحت محال تجارية أبوابها أخيرا على ضفاف الشوارع. وظهرت جماعات المتسوقين والمتفرجين أكثر من السابق. ويقول عمرو فركاش، الخبير الاقتصادي الليبي، والمسؤول المصرفي الإقليمي، إن الإشكالية الاقتصادية التي تعصف بالليبيين تبدو معقدة، لأنه كما يرى يجري استغلال أموال الشعب في الصراع السياسي. ويضيف موضحا: «مما لا شك فيه أن بعض القائمين على المصرف المركزي الرئيسي في طرابلس، على صلة بجماعات متطرفة، ويخشون من ضخ أموال في الأسواق، يمكن أن تؤدي لشعور عام بالارتياح وانخفاض في الأسعار، في وقت يحقق فيه حفتر انتصارات لافتة… هؤلاء لا يريدون للأوضاع أن تتحسن حتى يستمر عدم الاستقرار». ولا أحد في ليبيا يعرف على وجه الخصوص من هي الجهة التنفيذية أو الجهة المسؤولة في الدولة الليبية، التي يتبعها المصرف المركزي، حيث توجد ثلاث حكومات في هذا البلد الذي يعاني من الفوضى منذ أكثر من ست سنوات. كما يوجد مصرفان مركزيان، أحدهما في طرابلس والآخر في بنغازي. وحين يضج بعض المواطنين بالشكوى، يلقي المسؤول التنفيذي في غرب البلاد، المسؤولية على الشرق، أو العكس. وفي لقاء له مع قيادات محلية في زيارة نادرة له، في أقصى الجنوب الليبي قبل أيام، شعر فايز السراج، رئيس المجلس الرئاسي المدعوم دوليا، والذي يمارس مهامه من العاصمة، بالغضب حين اشتكى له أحد وجهاء مدينة أوباري من وعود الحكومة التي لا تنفد، بشأن تحسين مستوى معيشة المواطنين وتوفير السيولة المالية في المصارف. وقال السراج إن السيولة المالية مسؤولية المصرف المركزي، مشيرا إلى أن البلاد فيها مصرفان مركزيان. ومع ذلك يقول أعضاء في المجلس الرئاسي إن المسؤول عن المصرف المركزي في طرابلس هو مجلس النواب الذي يعقد جلساته في طبرق في شرق البلاد، رغم أن مجلس النواب نفسه سبق وأعلن إعفاء محافظ البنك المركزي الحالي في العاصمة من منصبه، وعين محافظا آخر يدير أعماله من مدينة البيضاء. ويقول مسؤول مالي، يدعى حميدة جبروني، وهو يشرف على وضع اللمسات الأخيرة لمبنى المصرف المركزي الرئيسي في المدينة، والذي جرى تجديده حديثا، إن تضارب الاختصاصات وتفتت المؤسسات، أدى إلى تفاقم الأزمة المالية. وعلى خلاف خصوم حفتر في المصرف المركزي في طرابلس، يبدو مصرف بنغازي (وهو امتداد جديد للمصرف الموجود في البيضاء) ميالا إلى ما يقوم به الجيش من عمليات تطهير للبلاد من المتطرفين. ويقول جبروني إن الجيش لم يعد يحارب دواعش الفكر المتطرف فقط، لكنه بدأ في محاربة دواعش المال العام أيضا، خصوصا أولئك الذين استغلوا الفوضى في ليبيا وتلاعبوا بالعملة، حتى وصل سعر الدولار في السوق الموازية إلى نحو ثمانية دنانير. وتبلغ قيمة الدولار الواحد 1.3 دينارا، في المصارف الرسمية، لكن العملة الأجنبية شحيحة، ومن الصعب أن تمسك بها بين يديك، حتى لو كان لك حساب ومستحقات في البنك، وذلك لأسباب تتعلق بتجميد الأرصدة الليبية في الخارج، والبالغ قيمتها – كما يقول فركاش – نحو 60 مليار دولار في عدة دول أجنبية. وهذا المبلغ يخص فقط المؤسسة الليبية للاستثمار، إذ إن هناك جانبا من الأموال المجمدة بالخارج عبارة عن أسهم وسندات، تتغير قيمتها بتغير أسعار الأسهم. كما أن المشكلة المالية ونقص السيولة وارتفاع الأسعار، ترجع كذلك إلى أسباب تخص التراجع في كميات تصدير النفط، من نحو 1.6 مليون برميل يوميا، قبل عام 2011، إلى عدة مئات من الألوف في اليوم، في الوقت الراهن، بالإضافة إلى التلاعب في سعر العملة من بعض كبار التجار ومسؤولين فاسدين في بعض المواقع. ويقول فركاش: «للأسف البنك المركزي في العاصمة دوره ضعيف، أو دوره غير موجود». ويضيف: «أعتقد أن المصرف المركزي في طرابلس سبب كل هذه المشكلات. هناك في البنك المركزي من هو مع الإسلاميين، وهؤلاء لا يريدون راحة للبلد، لأن المواطنين إذا شعروا بالطمأنينة المالية سيلتفتون إلى انتصارات الجيش ويطالبون بعودة الأمن إلى ربوع الوطن… وهذا لا يريده الإسلاميون… أعقد أنهم يقومون بكل ما يتسبب في خنق الناس وزيادة معاناتهم». ويتابع فركاش قائلا إن إجراءات بعض المسؤولين في المصرف المركزي في طرابلس ضد استقرار ليبيا، بدأت منذ ثلاث سنوات، أي مع بداية عملية الكرامة التي أطلقها حفتر لمحاربة الإرهاب والمتطرفين. ويوضح: «نحن اليوم نحصد سياسات البنك المركزي منذ 2014، وذلك منذ بدأت عملية الكرامة حتى الآن». وهناك مشكلة أخرى تزيد من حدة الأزمة، وهي أن ليبيا تستورد من الخارج نحو 75 في المائة من غذائها، كما يقول فركاش، والذي يضيف: «وبالتالي.. ارتفاع سعر الدولار أمام الدينار، في السوق الموازية، يتسبب في التضخم في الأسواق… وهذا، للأسف، هو المعضلة… أعتقد أن هناك من يتعمد عدم توفير العملة في البنوك، وفي المقابل زادت كمية السيولة من العملة المحلية التي هي خارج البنوك، بشكل كبير، ووصلت إلى ما بين 25 مليار دينار إلى 30 مليار دينار، بما يؤثر بالسلب على قيمة الدينار أمام العملة الأجنبية ويؤدي للتضخم». ويشير المسؤول المصرفي الإقليمي، إلى استمرار وجود مشكلات في الاعتماد في البنوك الليبية. أي الاعتمادات المالية الخاصة بالاستيراد من الخارج. فـ«الدولار في البنوك قيمته 1.3 دينار… وخارج البنوك في حدود سبعة أو ثمانية دينارات. هذا فرق كبير جدا… الأمر يحتاج إلى إجراء قوي، والموضوع، للأسف، لن يُحل بين يوم وليلة، خصوصا بعد انخفاض أسعار النفط عالميا، وقلة التصدير من النفط الليبي. كما أنه يوجد عجز كبير في ميزانية الدولة. كل هذا يؤثر على الأسعار». وفي مركز تجاري مجاور بلغ سعر كيس السكر وزن 50 كيلوغراما، أكثر من 200 دينار، بينما كان ثمن هذه الكمية، قبل إطاحة القذافي، نحو 50 دينارا فقط. ويقول جمعة العاقوري، صاحب المركز، إن المعروض من السلع الغذائية، في عموم البلاد، شحيح أيضا، بسبب عراقيل نتجت عن الخلافات السياسية وانتشار الإرهابيين في المدن الساحلية التي تقع فيها موانئ استيراد السلع وتصدير النفط، إلى جانب تعطل عدة مطارات جوية عن العمل. وعلى خلاف الوضع المتأزم في طرابلس انفتحت شهية رجال الأعمال في بنغازي وانعقدت اللقاءات التي تضع خططا للاستثمار. وبدأت عملية البناء في هذه المدينة الواقعة على البحر المتوسط، والتي كانت دائما مركزا للتمرد وإخافة الحكومات المركزية. ومنذ عام 2011 دفعت بنغازي ثمنا باهظا في سبيل التخلص من حكم معمر القذافي. ثم سدَّدت فاتورة أخرى، أكبر كلفة، حين قرر أبناؤها التخلص من سيطرة الجماعات المتطرفة على مقدراتها. وتطمح طرابلس هي الأخرى إلى التخلص من حكم الميليشيات قريبا. واليوم بدأت بنغازي ومدن أخرى تتنفس الصعداء. وتتهادى سيارات البلدية في الأنحاء وهي ترفع مخلفات الحرب. ويدور العمال وقد ارتدوا زيا موحدا ذا لون أزرق، لتنظيف الشوارع. وفي وسط الضواحي فتحت مشاتل بيع الورد. وأخذت ريح الخريف تشيع جوا من الانتعاش. وتمكن الجيش من استعادة عدة موانئ حيوية في الأسابيع الأخيرة، من بينها ميناء بنغازي الذي ظل تحت سيطرة المتطرفين طوال أكثر من عامين. وهو ميناء كبير. وبدت عليه آثار الحرب الطاحنة التي دارت رحاها بين الجيش وجماعات التطرف القوية لمدة عامين. وظهر الدمار هائلا في مبنى الميناء ومبنى الجمارك والعمارات المطلة عليه من الضفة الأخرى من الشارع. ويوضح مسؤول في الميناء أن كلفة المخاطر لدى أصحاب السفن المتجهة إلى ليبيا ارتفعت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وهذا أثر بالسلب على ثمن أسعار الواردات، مشيرا إلى أن الأمر لا يقتصر على بنغازي فقط، ولكن على موانئ بحرية أخرى في طرابلس ومصراتة، وهما مدينتان كبيرتان، تقعان في الغرب الليبي، بالإضافة إلى درنة في الشرق. وتصل الاشتباكات في هذه المدن أحيانا إلى مشارف البحر حيث ترسو السفن. ورغم الضائقة المالية فإن الليبيين يهتمون بالأمن أكثر من أي شيء آخر. وكلما سيطر الجيش على ضاحية وطرد منها المتطرفين، ارتفعت أبواق السيارات والزغاريد ابتهاجا. وفي بنغازي على سبيل المثال تمكَّن الجيش، والمتطوعون المدنيون الذين معه، من طرد المتطرفين من غالبية شواطئ المدينة، ويجري حاليا تنظيف هذه الشواطئ من الألغام التي خلفها الإرهابيون وراءهم، بينما يقوم الصِّبْيَة بتوزيع الحلوى والعصائر على الضباط والجنود وهم ينزعون المفخخات بأيديهم. ويقول موظف في هيئة التخطيط، يدعى عبد الناصر، وهو يمسك بصنارته، وينتظر رزق أسرته من السمك في عصر هذا اليوم المشمس بجوار ميناء بنغازي: لم يكن في مقدوري أن أقف هنا وأصطاد في أمان… كان صوت الرصاص والقذائف في كل مكان. وكان الصيد هواية لعبد الناصر ومجموعة من زملائه الموظفين… كانوا في السابق، أي قبل إطاحة القذافي وانتشار الجماعات المتطرفة، يأتون إلى الرصيف البحري الممتد أمام ساحة المحكمة على الكورنيش. ويمضون ساعات وهم يتجاذبون أطراف الحديث انتظارا لالتقاط سمكة. ويقول زميله جمال، الموظف في الإدارة التعليمية: «قديما، إذا لم يكن الصيد وفيرا، فلا مشكلة. نشتري من السوق. لكن اليوم، وبعد أن ارتفعت الأسعار بشكل غير مسبوق، لم نعد نأتي إلى هنا لممارسة هواية، بل بحثًا عن الطعام… بحثًا عن الحوت (وهو الاسم الشائع للسمك في ليبيا)». ويضيف: «إذا كان الصيد وفيرا فإنني أبيع الفائض عن حاجة أسرتي وأشتري أرزا أو زيتا أو شايا». ويبدو مثل هذا الحديث، في بلد قليل السكان ويعوم على بحر من النفط، غريبا ومثيرا للتفكير. ويتراوح عدد سكان ليبيا بين ستة ملايين إلى سبعة ملايين نسمة في دولة تبلغ مساحتها أقل قليلا من مليوني كيلومتر مربع، ولديها ساحل واسع يطل على البحر المتوسط، بطول نحو ألفي كيلومتر. وهناك مئات الألوف من الموظفين، مثل هؤلاء الصيادين، لم يتقاضوا رواتبهم منذ أشهر. ويقف أمام أبواب المصارف بداية من فجر كل يوم، طوابير طويلة ممن يأملون في سحب أي مقدار من أموالهم حتى يتمكنوا من مواصلة الحياة. ويؤدي التدافع للوصول إلى باب المصرف في وقوع إصابات، خاصة بين كبار السن. وفي طرابلس تقول امرأة عجوز تدعى عائشة، وهي تقف في طابور ممتد لعشرات الأمتار انتظارا لوصول موظفي البنك، إنها فقدت زوجها وأولادها في الحروب، وفقدت الأمل في تحصيل حقوقها من داخل المصرف منذ شهور. ومع شروق الشمس زاد عدد الواقفين في الطابور، وامتد في شكل متعرج على طول الرصيف، مثل ثعبان هائل. وتضيف عائشة: «فقدت زوجي في الحرب (الانتفاضة المسلحة في 2011) على القذافي، وفقدت أولادي الثلاثة في الاشتباكات التي تقع في طرابلس بين حين وحين في السنوات الأخيرة… لا توجد مياه. لا توجد كهرباء. وغير قادرة على صرف مستحقاتي من البنك، وأريد أن أطعم بناتي الأربع في البيت». والمبالغ التي يريد غالبية الليبيين الحصول عليها من حساباتهم في المصارف، من أجل التغلب على مصاعب الحياة، تتراوح عادة حول عدة مئات من الدولارات. وفي بعض الأحيان يفقد أحدهم حياته من التدافع أو من التصرفات الطائشة لعناصر الميليشيات في العاصمة. وأثرت الأزمة المالية على برامج تخص المستقبل لكثير من العائلات منها تعثر صرف مخصصات الطلاب المبتعثين من الدولة للدراسة في الخارج، ومنها مشروع علاج مصابي الحرب في المستشفيات في أوروبا وبعض الدول العربية.مشروعات تجارية أخذت ترجع تدريجيا إلى الشوارع الليبية رغم الأزمة الاقتصاديةتصوير: عبد الستار حتيتة ويقول فركاش إن الأزمة المالية تعرقل بالفعل وصول الأموال المخصصة من الدولة للبعثات الدراسية للطلاب الليبيين في الخارج… «إما لا تصلهم، وإما تتأخر لستة شهور أو سبعة شهور. كذلك بالنسبة لعلاج الليبيين في الخارج… هناك مستشفيات في دول توقفت عن الاستمرار في علاج الليبيين المصابين لديها، إلا بعد أن يدفعوا أجر العلاج مسبقا، وذلك بعد أن حدثت مشكلات كثيرة بهذا الشأن في مستشفيات في الأردن واليونان، على سبيل المثال». ويتحدث كثير من المصرفيين في الداخل الليبي عن الكارثة المالية التي تواجهها البلاد، جراء الانقسامات الحادة بين السلطات. ويقول أحد المسؤولين الماليين: «كلما استمر التنابذ والاحتراب، كلما وجد ضعاف النفوس فرصة للتربح من أموال الدولة. مثلا… وصل التلاعب إلى موضوع البعثات الدراسية الخارجية، وعلاج جرحى الحروب خارج ليبيا… أحيانا يتم تقديم أوراق عن أن المطلوب من مخصصات للبعثات الخارجية أو لعلاج المصابين، عشرة ملايين دولار، بينما القيمة الحقيقية لا تزيد على مليون دولار. لن تُحل هذه المشكلة إلا بالرقابة وبتوحيد السلطة». ويتفق فركاش مع المسؤول المشار إليه بخصوص التلاعب الذي تصل قيمته إلى مئات الملايين من الدولارات، قائلا إن هناك أبوابا كثيرة أخرى جرى استغلالها من أجل تحقيق ثروات لبعض الأشخاص على حساب الشعب… «هناك من يأخذ الدولار بسعر البنك الرسمي (1.3 دينار للدولار)، ويعود ليبيعه في السوق الموازية بسعر ثمانية دنانير… تخيل، هنا، حجم المكسب الحرام. وقارن ذلك بمعاناة ملايين الناس في طرابلس وبنغازي ومصراتة والبيضاء وسبها… إلخ». ويزيد موضحا أن مسألة التربح من فرق العملة يتم غالبا بالطريقة التالية: «بعض المستوردين يحصلون على اعتمادات للاستيراد بملايين الدولارات، ويحصلون عليها بالسعر الرسمي من البنوك الليبية، ويتعاقدون في الخارج مع شركات فاسدة لتأمين البضائع، وشركات فاسدة لها علاقة بالشحن، تمنحهم مستخلصات بأن صفقة الاستيراد قد تمت، على غير الحقيقة، حيث تصل سفن البضائع وهي تحمل حاويات فارغة. وعليه يحصل أولئك المستوردون على ملايين الدولارات، ويقومون ببيع هذه العملة في السوق الليبية بسعر ثمانية دنانير للدولار، ويعيدون للبنك قيمة ما استوردوه (بناء على أوراق الاستيراد المزورة) بسعر 1.3 دينار للدولار. ويضيف فركاش أن المتورطين في مثل هذه الأعمال القذرة ليسوا تجارا فقط، ولكن هناك أيضاً من يسهل لهم مثل هذه الأعمال مقابل الحصول على نصيب من الغنائم. أما في الشارع، وأمام فرع مصرف الجمهورية، فلم يتحرك طابور طويل من المواطنين قيد أنملة منذ ساعات. ويقول موظف متقاعد يسعى لصرف أي مبلغ من مستحقاته في طرابلس، يدعى عليوة: «إذا تعكَّر مزاج آمر من أمراء الميليشيات ونفد صبره، هنا، بسبب كثرة الناس وزعيقهم أمام المصرف، فإنه لا يتردد في إطلاق النار لتفريق هذه الجموع، ويموت من يموت. هذا حالنا». ويقول عليوة: «إن المشكلة لا تقتصر على شح العملة، ولكن نعاني أيضاً من شح المواد الغذائية وارتفاع أسعارها بشكل لم يحدث في ليبيا… إنني أتذكر، بهذه المناسبة، وبسبب هذه الظروف الصعبة، المجاعة التي عصفت بآبائنا وأجدادنا أيام الحرب العالمية الثانية. ما نعيشه اليوم لم يسبق له مثيل إلا في الزمان الغابر». وإذا عثرت على كيس أرز وزن 25 كيلوغراما، وهو أمر بعيد المنال، فسيكون عليك أن تسدد ثمنه البالغ نحو 200 دينار، بينما كان سعره قبل عام 2011، نحو 20 دينارا فقط. أما علبة معجون الطماطم (صلصة) فقد زاد سعرها من نحو نصف دينار، إلى دينارين. كما لحقت نار الأسعار بزيت الطعام، وارتفع من أقل من دينار للتر الواحد، إلى أكثر من خمسة دنانير. أضف إلى ذلك – كما يوضح عليوة – أن جميع السلع، دون استثناء، ذات جودة متدنية مقارنة بما كان عليه الحال قبل ست سنوات.
مشاركة :