أمضى مسعود برزاني، عشرات السنين في قيادة الأكراد الذين يتعرضون للقمع منذ وقت طويل، لكنه أكد، أنه سيتنحى عن رئاسة إقليم كردستان العراق بعد الانتكاسة التي تعرض لها مسعاه للانفصال. وبعد عقود من الكفاح يقول المنتقدون، إن برزاني ارتكب واحدة من أكبر أخطائه بإصراره على إجراء استفتاء على الاستقلال في 25 سبتمبر/ أيلول. ووافق الأكراد بأغلبية ساحقة على الاستقلال، لكن الاستفتاء لم يحظ بتأييد يذكر خارج المنطقة الكردية. وهددت الحكومة العراقية وتركيا وإيران باتخاذ إجراءات صارمة ضد أي مسعى نحو الانفصال، خشية أن يشجع ذلك الأكراد في بلادهم على أن يحذو حذوهم. وانضمت الولايات المتحدة وغيرها من القوى الغربية إلى الأصوات المعارضة للاستفتاء. ورفضت حكومة بغداد الاستفتاء بوصفه غير قانوني وأرسلت قوات للسيطرة على مدينة كركوك النفطية، والتي يعتبرها الأكراد قلب أي وطن لهم في المستقبل. وخلال بضع ساعات فقط ذهبت المدينة التي يوليها الأكراد أهمية كبيرة أدراج الرياح وغيرها من الأراضي التي كان يسيطر عليها الأكراد في أنحاء الشمال خارج حدود إقليمهم. واتهم البعض، برزاني بقيادة شعبه إلى كارثة. وعلى مدى سنوات كثيرة استخدم برزاني الحنكة والصبر لمساعدة الأكراد على تحمل سنوات طويلة من الوحشية التي تعرضوا لها إبان حكم صدام حسين. وبعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للإطاحة بصدام في 2003، أصبح برزاني شخصية محورية في المساعي الرامية لإقامة دولة مستقلة للأكراد في شمال العراق. وحافظ الزعماء الأكراد على بقاء منطقتهم خالية نسبيا من العنف الطائفي الذي اجتاح معظم أنحاء العراق. وتكالبت شركات النفط الغربية على المنطقة سعيا لإبرام صفقات. وأظهر الأكراد قدراتهم العسكرية من خلال الانضمام لقوات الحكومة العراقية والفصائل المسلحة المدعومة من إيران لطرد تنظيم «داعش» من الموصل. ومضى برزاني قدما في إجراء الاستفتاء، وهو على قناعة بأن هذا هو التوقيت المناسب لإقامة وطن مستقل. وأظهرت النتائج تأييدا ساحقا للانفصال. لكن الفرحة لم تدم طويلا، فلقد بددت قوات الحكومة العراقية والفصائل الشيعية المسلحة أحلام الأكراد بسلسلة من العمليات العسكرية الخاطفة. ولد برزاني عام 1946، بعد وقت قصير من ولادة الحزب الذي أسسه والده للنضال من أجل حقوق أكراد العراق. ومتأثرا بوالده الملا مصطفى برزاني، الذي اشتهر باسم أسد كردستان، انضم مسعود برزاني إلى القوات الكردية المعروفة باسم البشمركة، وهو في سن السادسة عشر واكتسب خبرة القتال في الجبال.«خيانة» أصبح برزاني الصغير على دراية بواحدة من الموضوعات الشائعة في التاريخ الكردي.. الخيانة من جانب القوى الإقليمية والغربية. وأبدى الملا مصطفى الذي عاش في المنفى ومات متأثرا بالسرطان في أحد مستشفيات واشنطن عام 1976، شعورا بالحسرة على أنه وثق ذات يوم في الولايات المتحدة. وقبل وفاته بعام كان الملا مصطفى يخوض حرب عصابات ضد بغداد بدعم من شاه إيران الموالي للغرب، لكنه وجد نفسه وحيدا عندما توسط وزير الخارجية الأمريكي آنذاك هنري كيسنجر، في اتفاق يتيح لصدام سحق الأكراد. وخلال الحرب الإيرانية العراقية التي دارت رحاها بين 1980 و1988، أقدم مسعود برزاني على تحالف الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي ورثه عن والده مع طهران مرة أخرى. لكن الأمر لم يسر على ما يرام. فلقد جرى اعتقال نحو 8000 من رجال عشيرة برزاني والطواف بهم في أنحاء بغداد قبل إعدامهم. وبحسب قول صدام، فلقد ذهبوا «إلى الجحيم». ورغم المذابح والهجمات العراقية بالأسلحة الكيماوية، احتفظ برزاني بما يكفي من القوة القتالية للاستجابه لنداء الرئيس الأمريكي جورج بوش، للقيام بانتفاضة خلال حرب الخليج عام 1991. ووثق الأكراد في كلام بوش وثاروا ضد صدام ونزل برزاني والبشمركة، التي تعني «الذين يواجهون الموت»، من الجبال للانضمام إلى الانتفاضة وسيطروا على عدة مدن في الشمال. لكن الحلفاء المنتصرين رفضوا الانسياق وراء احتمال انفصال الأكراد عن بغداد، ولم يفعلوا شيئا لمنع قوات صدام وطائراته الهليكوبتر من سحق التمرد. وفي حين فر أكثر من مليون كردي إلى تركيا وإيران، مات الكثير منهم بسبب الجوع والمخاطر التي تعرضوا لها في الطريق، ظل برزاني يواصل القتال. وكان للحظر الجوي الذي فرضته أمريكا وبريطانيا فوق شمال العراق عام 1991، الفضل في إنقاذه، كما أتاح له ولمنافسه الكردي جلال الطالباني استعادة المنطقة. وأعقب ذلك أطول فترة من الحكم الكردي شبه المستقل في التاريخ الحديث، لكن المنطقة عانت من الحرب الأهلية بين برزاني والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الطالباني في منتصف التسعينات. واستنجد برزاني بدبابات الحكومة العراقية للدخول إلى المنطقة في عام 1996، لاستعادة أربيل عاصمة كردستان، ليفر ليس فقط الطالباني ولكن العشرات من أفراد المخابرات المركزية الأمريكية وموظفيهم المحليين أمام الدبابات. وتوفي الطالباني بعد أسبوع تقريبا من استفتاء الشهر الماضي. وسيترك خروج برزاني من الساحة السياسية الأكراد بلا قيادة مع رحيل الزعيمين الرئيسيين لهما أحدهما بالموت والآخر بالتنحي.شارك هذا الموضوع:اضغط للمشاركة على تويتر (فتح في نافذة جديدة)انقر للمشاركة على فيسبوك (فتح في نافذة جديدة)اضغط للمشاركة على Google+ (فتح في نافذة جديدة)
مشاركة :