أصدر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بياناً، رداً على هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، والذي كالت فيه الهيئة اتهامات للاتحاد، دون توضيح لها، أو مبرر يبرز أسباب هذا الهجوم، وجاء في بيان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين:الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه (وبعد) فقد تابع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين البيان الذي أصدرته هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، التي ما كنا نتوقع أن ينحدر إلى مثل هذه الاتهامات لأكبر هيئة علمية تمثل آلاف العلماء وعشرات الهيئات العلمائية، في وقت ما كان ينبغي أن يختلف فيه العلماء بل كان الواجب أن نتفق على ثوابت الأمة وعلى تحقيق الصلح والخير لهذه الأمة المتفرقة. إن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين اتحاد علمائي عالمي، لا يخضع لحاكم، ولا يسير في ركب دولة، شعاره الآية الكريمة: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} [الأحزاب:39]. وُلد من رحم الأمة الإسلامية، التي ضجت من التيارات المتشددة التي تكفر الناس وتتعالى عليهم، وسئمت من علماء السلطان الذين يسبحون بحمد حكامهم، فيحلون لهم ما يشتهون، ويحرمون على أمتهم ما يشاؤون. قام الاتحاد يوم قام، وبدأ يباشر نشاطه في التقريب بين المسلمين بعضهم وبعض، وخصوصاً بين العلماء، ويعمل على أن تنهض الأمة من كبوتها، وأن تخرج من حيرتها، وأن تقوم بنهضتها، وعلى توعية أبنائها، وتجميع كلمتهم على الهدى، وقلوبهم على التقى، وأنفسهم على المحبة، وأيديهم على التعاون على البر والتقوى، لا على الإثم والعدوان، وعلى التواصي بالحق، والتواصي بالصبر، والتوافق على عمل الخير، وخير العمل. وقام الاتحاد يمثل علماء العقيدة والشريعة الإسلامية في العالم العربي، والعالم الإسلامي، والعالم الإنساني، ثم اتسع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وتعددت منابعه ومصادره، من شتى بلاد الإسلام، وأصبح العلماء الشرعيون والروابط العلمائية يتصلون بنا من جميع القارات لينضموا تحت لواء الاتحاد، ويستظلوا بمظلته الجامعة؛ إيماناً منهم برسالته ودوره، وتأييداً منهم لأهدافه ومواقفه. وكثير منهم دعونا لنزورهم في بلادهم، ونتعرف عليهم وعلى إخوانهم، ونوجههم إلى ما يحتاجون إليه في نموهم ورقيهم العلمي، ونهضة أوطانهم الحضارية. وبذلك أصبح الاتحاد يضم في عضويته آلاف الأفراد من العلماء، كما يضم المؤسسات والمنظمات والجمعيات العلمائية في مختلف الأقطار، فهو مؤسسة إسلامية شعبية عالمية، ذات نفع عام، يضم في عضويته ممثلين من أكثر من (83) دولة من بلدان العالم الإسلامي، ومن الأقليات والجاليات الإسلامية خارجه، في قارات العالم الست، إضافة إلى الهيئات والجمعيات والروابط والجبهات، التي تضم في عضويتها عشرات الآلاف من العلماء، وهم جميعاً أعضاء في الاتحاد أيضاً. الأمر الذي أصبح معه الاتحاد أحد المرجعيات الشرعية الأساسية المهمة في تنظير وترشيد المشروع الحضاري للأمة المسلمة، في إطار تعايشها السلمي مع سائر البشرية. ويقوم على دراسة وتشخيص مشكلات الأمة الإسلامية وتقديم الحلول لها وخدمة قضاياها من خلال إطار مؤسسي، يكون لعلمائها فيه الدور الريادي. مبادئ الاتحاد العالمي وخصائصه: هو اتحاد إسلامي خالص، يعمل لخدمة القضايا الإسلامية، ويستمد من الإسلام منهجه. وهو اتحاد عالمي.. ليس محلياً ولا إقليمياً، ولا عربياً ولا عجمياً، بل هو يمثل المسلمين في العالم الإسلامي كله. كما أنه اتحاد شعبي.. ليس مؤسسة رسمية حكومية، وإنما يستمد قوته من ثقة الشعوب والجماهير المسلمة به، لا يعادي الحكومات، بل يجتهد أن يفتح نوافذ للتعاون معها على ما فيه خير الإسلام والمسلمين. وكذلك هو اتحاد مستقل.. لا يتبع دولة من الدول، ولا جماعة من الجماعات، ولا طائفة من الطوائف، ولا يعتز إلا بانتسابه إلى الإسلام وأمته. وهو اتحاد علمي لعلماء الأمة، فلا غرو أن يهتم بالعلم وتعليمه، وبتراثنا العلمي وإحيائه، وتحقيقه ونشره. وهو اتحاد دعوي.. يعنى بالدعوة إلى الإسلام بكل الوسائل المعاصرة المشروعة، ملتزماً بمنهج القرآن بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن. كما أنه اتحاد وسطي.. لا يجنح إلى الغلو والإفراط، ولا يميل إلى التقصير والتفريط، وإنما يتبنى المنهج الوسطي للأمة الوسط، وهو منهج التوسط والاعتدال. (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ). وهو اتحاد حيوي.. فلا يكتفي بمجرد اللافتات والشعارات، بل يعنى بالعمل والبناء، ينتسب إليه ثلة من العلماء المشهود لهم بالفقه في الدين، والاستقامة في السلوك، والشجاعة في الحق، والاستقلال في الموقف، والحائزين على القبول بين جماهير المسلمين. أهداف الاتحاد: يعمل الاتحاد على الحفاظ على الهوية الإسلامية للأمة؛ لتبقى دائمًا أمة وسطاً، داعية إلى الخير، وأعظم الخير هو الإسلام، آمرة بالمعروف، ناهية عن المنكر. يواجه الاتحاد التيارات الهدامة، والدعوات المعادية للإسلام، والأخطار الثقافية، داخلية كانت أم خارجية. يواجه الاتحاد الغلو في الدين والانحراف في تأويل نصوصه، بما تمليه وسطية الإسلام وسماحته وشموله: عقيدة وشريعة، وعبادة ومعاملة، وفكراً وسلوكاً، ورابطة وحضارة، وأمة ودولة. يعمل الاتحاد على تقوية الروح الإسلامية لتهيئة الأمة للقيام برسالتها في عمارة الأرض، وأداء واجبات الاستخلاف، بحيث تكون ثمرة تدينها علماً نافعاً، وعبادة خالصة، وعملاً متقناً، وخلقاً قويماً، ورشداً في الفكر، وسمواً في الأخلاق، ودعوة إلى الخير، وتكون أسوة حسنة للناس كافة. يعمل الاتحاد على تشجيع الاجتهادات المعاصرة المعتبرة التي تصدر من جهات موثقة أو من علماء مشهود لهم بالكفاية والأمانة، باعتبار ذلك سبيلاً إلى تأكيد قدرة أحكام شريعته وقواعدها على تلبية الحاجات الجديدة والأوضاع المتطورة. وكذلك يعمل على توحيد قوى الأمة بمختلف مذاهبها واتجاهاتها، وتوحيد جهود علمائها ومواقفهم الفكرية والعلمية، في قضايا الأمة الكبرى لتواجه التحديات صفاً واحداً. وللاتحاد ما يزيد على عشرة فروع رسمية في عدد من الدول العربية والإسلامية، كما أن لدينا شراكات وآفاق تعاون مع العديد من الجمعيات والهيئات والروابط العلمائية، في مختلف دول العالم. شخصيات علمية وعالمية مرموقة أعضاء في الاتحاد يضم الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين مجموعة كبيرة من أهل العلم والفضل، وثلة مباركة من الرواد الكبار، الذين هم ملء السمع والبصر، وهم في بلدانهم أشهر من أن يعرف بهم، وأكثر عطاء لأمتهم، ممن يحملون هموم أمتهم في قلوبهم، ويشغلون بها عقولهم، ويبغون رفعتها بأفعالهم قبل أقوالهم، وبجهودهم قبل أمنياتهم. وإذا أردت أن أحصيهم عدداً عجزت عن ذلك، فكم من علماء المساجد، وأساتذة الجامعات، ورؤساء الأقسام، وعمداء الكليات، ورؤساء الجامعات العالمية، والوزراء والسفراء، اجتمعوا جميعاً على المدرسة الوسطية، التي لا تجنح إلى الغلو أو تركن إلى التقصير، ولا تميل إلى الإفراط أو تستسلم للتفريط. ومع أن بيان هيئة كبار العلماء لم يصدر باسم الأعضاء، وإنما صدر باسم الأمانة، فإن هذه الأمانة تعلم علم اليقين، القيمة العلمية والكيان العالمي للاتحاد، ودوره في قيادة مسيرة العلماء بمنهج الوسطية والاعتدال في جميع أنحاء العالم. ومن المعيب أن تقول هذه الجهة: إن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ليس جهة علمية، فهذا كلام عارٍ عن الصحة، فمجلس أمناء الاتحاد يضم تسعة وأربعين عالماً من كبار علماء الأمة، ممن يشار لهم بالبنان وتعرفهم شعوبهم وحكوماتهم، وكلهم علماء متخصصون: إما في الفقه، أو في العقيدة، أو في الحديث، وعلى رأسهم سماحة الشيخ يوسف القرضاوي، وسماحة الشيخ الفقيه: أحمد بن حمد الخليلي: مفتي سلطنة عُمان، ونائب رئيس اتحاد العلماء، وأحد المؤسسين له. والدكتور خالد المذكور رئيس لجنة استكمال تطبيق الشريعة بالكويت، التابعة للديوان الأميري، بدولة الكويت، وأحد المؤسسين للاتحاد. والعالم المغربي الأصولي المقاصدي الفقيه الأستاذ الدكتور أحمد الريسوني: نائب رئيس الاتحاد، والشيخ عبد الرحمن عبد الله بن زيد المحمود، رئيس المحاكم الشرعية الأسبق في قطر، وأحد علمائها ودعاتها، والأستاذ الدكتور علي محيي الدين القره داغي أستاذ الشريعة والاقتصاد الإسلامي، الذي له دور كبير في البنوك والمؤسسات الاقتصادية الإسلامية، والشيخ محمد الحسن ولد الددو عالم موريتانيا وفقيهها ومحدثها، ورئيس مركز تكوين العلماء بها، والأستاذ الدكتور عبد الرزاق قسوم رئيس هيئة علماء الجزائر، والأستاذ الدكتور عصام البشير وزير الأوقاف والإرشاد في السودان من قبل، ورئيس المجمع الفقهي في السودان، والأستاذ الدكتور نور الدين الخادمي وزير الأوقاف التونسي السابق، وأحد كبار العلماء والباحثين، والأستاذ الدكتور عثمان ولد الشيخ أبو المعالي وزير التوجيه الإسلامي والتعليم في موريتانيا، والشيخ العالم الباحث الداعية عكرمة صبري مفتي المسجد الأقصى وخطيبه، والأستاذ الدكتور عجيل جاسم النشيمي، رئيس جمعية علماء الشريعة في الخليج، والأستاذ الدكتور عثمان صالح الأمين العام لهيئة علماء السودان، والدكتور عبد المجيد النجار أستاذ العقيدة والفلسفة في الجامعات التونسية والقطرية والأوروبية. وغيرهم الكثير والكثير. أما اتهامهم الاتحاد بإثارة الفتنة، فلا ندري أي فتنة يقصدون، إلا إذا كان الحديث عن الحق يعتبر فتنة، إننا في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين لا نعرف الازدواجية في المواقف، فنحن كما أصدرنا أول بيان في تأييد عاصفة الحزم ضد الحوثيين لأنهم انقلبوا على الشرعية، فقد أدنا بنفس المستوى أيضاً ما حدث في مصر من انقلاب غير شرعي على سلطة شرعية منتخبة اختارها الشعب، فلسنا ممن يأتمر إلا بنصوص الشريعة ومحكماتها. وفي سوريا أيضاً: وقفنا مع الحق، ومع الشعب الذي خرج في سلمية واضحة، فقوبلت بالرصاص، ولسنا نحن من تحول وتلون مع أحداث الثورة السورية من النقيض إلى النقيض. كما أصلح الله بنا بين إخواننا القرقيز والأوزبك، وكانت بينهما حرب مستعرة منذ 1991 إلى 2010، وذهبنا والحمد لله وقضينا على هذه الفتنة، وقد شهد بذلك رئيس جمهورية داغستان أمام رؤساء الجمهوريات الإسلامية وشهد بأن الاتحاد العالمي هو الذي أوقف الفتنة في داغستان. ثم إننا في هذه الأزمة الخليجية: لم نصدر بياناً فيه انحياز لجهة دون جهة، إنما بينّا الحق عبر تصريحات الأمين العام، وقلنا إن الحصار على دولة مسلمة غير شرعي دون الحديث في أمر سياسي، وهو ما يتماشى مع منهج الاتحاد تماماً، وقلنا أيضاً: إن مجلس التعاون الخليجي لايجوز التفريط فيه مهما كان، على الرغم من ضعفه، فلا يجوز تفكيكه وتفريقه بهذا الشكل، وأيدنا في تصريحاتنا مبادرة صاحب السمو أمير دولة الكويت وتحدثنا حول قضية المصالحة والصلح. كنا نتمنى أن يهتم كبار العلماء وأمانتهم بحماية شباب الأمة من الأفكار المتطرفة، والآراء الهدامة، الأفكار العلمانية، وأن يساهموا في اقتلاع جذور التطرف والإرهاب من ناحية، وأن يغرسوا في نفوسهم الكرامة والعزة والأنفة، وأن تكون عقولهم وقلوبهم وأبصارهم ترنو إلى تحرير المسجد الأقصى الأسير من الصهاينة. هذا ما نريد أن تحذر منه هيئة كبار العلماء، أما أن تحذر هيئة كبار العلماء من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين فهذا ما لا يليق بها! ونقول لهم: يا أصحاب الفضيلة ليس هذا وقت الخلاف، ولا يجوز أن يكون العلماء أدوات بأيدي السياسيين، يحركونهم كيف شاؤوا، بل يجب أن نكون نحن من يوجه من شرد، ويصلح ما فسد، ويقوّم ما اعوج، كما قال تعالى: (وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ). وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. الأمين العام د. علي القره داغي الرئيس د. يوسف القرضاوي;
مشاركة :