بين الفرح والبكاء، القريتين السورية تعيش واقع ما بعد الجهاديين

  • 10/30/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

القريتين (سوريا) - يلوّح مناف بيديه وهو محمول على الأكتاف، محيياً المئات من أهالي مدينة القريتين السورية الذين تجمعوا لاستقباله مع رفاقه بالزغاريد ونثر الأرز، ابتهاجاً بعودتهم سالمين بعدما خطفهم تنظيم الدولة الاسلامية قبل طرده من المدينة الأسبوع الماضي. ويقول مناف (20 عاماً) ذو الجسد الهزيل لوكالة فرانس برس بعد معانقته والديه وشقيقته الصغرى التي زينت ضفيرتها بشريط زهري، "كنت ميتاً وعدت الى الحياة، الفرحة لا توصف". ومناف واحد من 38 شاباً خطفهم تنظيم الدولة الاسلامية بعد سيطرته على مدينة القريتين في ريف حمص (وسط) الشرقي مطلع الشهر الحالي قبل أن يقتادهم إلى جهة مجهولة. وفيما تمكن 25 شاباً منهم من الفرار مطلع الأسبوع الماضي لا يزال مصير الآخرين مجهولاً. وسيطر التنظيم على القريتين إثر هجوم مباغت بعد أكثر من عام على طرده منها. وتمكن الجيش السوري بعد عشرين يوماً، وبدعم روسي من استعادتها. وأعدم التنظيم خلال فترة سيطرته القصيرة على المدينة أكثر من 116 مدنياً من سكانها بدافع الانتقام. ونقل الجيش الأحد على متن حافلة مناف وشقيقه محمد ورفاقهما إلى المدينة بالتزامن مع تنظيمه جولة للاعلاميين. وكان مئات الأهالي ينتظرون لقائهم في ساحة القريتين حيث تدافعت بعض الأمهات وهنّ يحاولنّ تجاوز الحشد للبحث بلهفة عن أولادهن. وبعد لقائه أفراد أسرته، ردد مناف "فرحتي لا توصف (...) لا أريد شيئاً من الحياة. عدت الى أهلي (...) ليس لدي ما أقوله، هذه الفرحة هي كل الكلام". تقبل أم مناف (50 عاماً)، ترتدي معطفاً اسود اللون وتضع وشاحاً مرقطاً على رأسها، إبنيها بتأثر شديد. وتقول "الاثنان عادا، الحمدلله رب العالمين" قبل أن تضم مناف بقوة الى صدرها مرددة باللهجة المحكية "يا عمري إنت.. يا قلبي" وتعاود تقبيله وهي تحضن وجهه بكفيها. الى جانبها، تغرورق عينا الوالد الخمسيني هيثم وهو يربت على كتف ولديه بقوة مردداً بفخر "أنتم أبطال". ويقول "كنت قد فقدت الأمل بلقائهما وتوقعت أن يقتلوهما، لأنهم لا يعرفون الإنسانية". "تحت تهديد السلاح" اقتاد تنظيم الدولة الاسلامية بعد أكثر من أسبوع من سيطرته على المدينة، مجموعة من الشبان والرجال إلى مكان مجهول خارج القريتين. ويروي مناف كيف أعلن التنظيم بعد سيطرته على المدينة "منع الخروج من المنازل عبر المآذن" قبل أن يبدأ عمليات مداهمة ويعتقل 38 شخصاً على الأقل. ويضيف الشاب الذي أرخى لحيته "أجبرونا تحت تهديد السلاح على العمل لديهم في نقل السلع وخشينا أن يكون مصيرنا الموت لأنهم كانوا يقتلون الناس دون أي ذنب". وبعدما نقل التنظيم مجموعة من المخطوفين الى مكان آخر، تمكن مناف وشقيقه وأكثر من عشرين مخطوفاً آخرين من الفرار الاثنين والوصول إلى حاجز للجيش في منطقة المغر الواقعة على بعد ثلاثين كيلومتراً جنوب شرق القريتين. ويقول بصوت متعب "الحمدلله وصلنا بخير، لم نتوقع أن نتمكن من الفرار ورؤية أهلنا" مجدداً. ورغم انتشار الجيش في القريتين، لا تزال أبواب معظم المتاجر في الساحة الرئيسية مقفلة بواجهات معدنية رمادية. عند مدخل المدينة، يدل الدمار الكبير على عنف المعارك التي جرت: أسقف وجدران منهارة أو متصدعة، حاوية قمامة محترقة عند إحدى المنعطفات وهيكل سيارة صدئ في أحد الأزقة. وعلى بعد أمتار من مخفر للشرطة، بدت على مدخله آثار حريق، كتبت على إحدى الجدران عبارة "الأسد أو لا أحد" فيما لا تزال عبارة "الدولة باقية" موجودة على واجهة محل مجاور. وعلى واجهة محل خياطة قريب، كتب اسم "الخليفة أبو بكر البغدادي"، زعيم التنظيم المتطرف. "طلقة في الرأس" وفيما كانت عائلات تبكي من شدة فرحها وتحتفل بعودة أبنائها، تحسرت عائلات أخرى على مقتل أفراد منها. وأعدم التنظيم خلال سيطرته على المدينة أكثر من 116 مدنياً "بدافع الانتقام"، وفق حصيلة للمرصد السوري لحقوق الانسان، بعدما اتهمهم "بالعمالة" للقوات السورية. ويروي محمد خير (45 عاماً) الذي يرتدي عباءة بنية اللون ويلف رقبته بوشاح رمادي، لفرانس برس كيف لازم السكان بيوتهم بعد دخول عناصر التنظيم الى المدينة خوفاً من بطشهم. ويقول بعد تنهد "دخلت مجموعة من داعش الى الملجأ حيث كنت موجوداً مع عدد من أبناء الحي واقتادوا أخي وثلاثة أشخاص آخرين صباح الخميس" قبل يومين من سيطرة الجيش على المدينة. ويشرح كيف بقي ينتظر لساعات رؤية شقيقه متحدثاً عن اليأس الذي شعر به حينها إذ "كان من المستحيل أن يعود من يأخذوه حياً". ويروي أنه شاهد عبر النافذة عناصر من التنظيم يقتلون 11 شخصاً باطلاق الرصاص، بينهم أحد جيرانه، رجل مسن يبلغ 80 عاماً وطفل في الحادية عشرة من عمره. ويضيف "كانوا يطلقون النار على كل من يمر في الساحة". بعد سماعه بانسحاب مقاتلي التنظيم من المدينة، هرع محمد الى مكان جعله التنظيم سجناً. ويقول "وجدت أخي مسجى على الأرض مع طلقة في رأسه والدم يسيل منه قرب باب السجن". ويختم محمد حديثه بحرقة قائلاً "أتمنى أن أتسلح كي أثأر لأخي الذي قتل ظلماً".

مشاركة :