حشود «واقعة عابدين» يوثِّقون رواية عرابي مكذّبين يوسف زيدان

  • 10/31/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

قبل أيام فوجئ الوسط الثقافي المصري بالكاتب يوسف زيدان، يقوم بعملية تسفيه وتشويه غير مبررة للزعيم أحمد عرابي، (31 مارس 1841 - 21 سبتمبر 1911)، مدعياً أن «واقعة عابدين»، التي واجه فيها الأخير وسط مجموعة كبيرة من العسكريين وجماهير المصريين الخديوي توفيق يوم 9 سبتمبر 1881 ليس لها وجود، وقال زيدان: «أحمد عرابي مسكين... عمره ما شاف الخديوي». زعم يوسف زيدان في برنامج الإعلامي المصري عمرو أديب ألا وجود لـ«واقعة عابدين»، وهو ادعاء سبقه إليه كثيرون، من بينهم الكاتب إبراهيم عيسى على شاشة إحدى الفضائيات المصرية الخاصة عام 2014، نقلاً عن مقال منسوب إلى وزير الثقافة الحالي، الكاتب حلمي النمنم. الوثائق المنشورة عن تاريخ الثورة العرابية تكذب كلام عيسى، والنمنم، وزيدان، وتؤكد أنهم لم يقرؤوا حرفاً مما وصلنا من مصادر موثقة عن «تاريخ الثورة العرابية»، لأن الأخيرة على اختلافها ذكرت واقعة عابدين بتفاصيلها: الحصان، والسيف، والجيش، والجماهير، والخديوي توفيق، والزعيم عرابي، كما ذكرتها صحف كانت تصدر آنذاك، مثل: «الوطن» (السبت 17 سبتمبر 1881)، و«الوقائع المصرية» (الأحد 11 سبتمبر 1881)، و«العصر الجديد» (الثلاثاء 13 سبتمبر 1881). كذلك عبد الله النديم ذكرها في مجلته» التبكيت والتنكيت»، في العدد 18، الأحد 16 أكتوبر 1881، في أول مقال في العدد بعنوان «سيف النصر في نحر عدو مصر». أول رواية وصلتنا، بعد تغطية الصحف، كانت للزعيم أحمد عرابي نفسه، وردت مُختصرة في التقرير الذي حكى فيه الأحداث لمحاميه برودلي عام 1882، وقد ذكرت الواقعة في صيغة أسئلة ضمن تحقيقات أجريت مع عرابي بعد تسليمه نفسه للسلطات، ونشر سليم النقاش التحقيقات في كتابه «مصر للمصريين». ثاني أقدم رواية للواقعة نشرها سليم النقاش في كتابه عام 1884، وذكرت أيضاً في «الخطط التوفيقية» عام 1888 لعلي باشا مبارك، وفي مذكرات محمود فهمي المهندس، أحد قيادات الثورة، المعنونة «البحر الزاخر» عام 1884. وإذا كان ثمة من يشكك في هاتين الروايتين، فإن هذه الواقعة تحظى بشهود، سواء من المحتل الإنكليزي، الكاره بالطبع لعرابي، أو من المصريين، فكان حشد من أنصار الخديوي توفيق وقف خلفه وإلى جواره، وحشد آخر في صف عرابي. من الفريق الأول نذكر أحمد شفيق باشا، الذي حكى المشهد في مذكراته «مذكراتي في نصف قرن» عام 1936، وقال فيها: «فنزلنا في الميعاد المحدد للتظاهرة... فنزل الخديوي إليهم، وكان معه السير أوكلاند كلفن المراقب المالي، والمستر كوكسن قنصل إنكلترا في الإسكندرية.. وتقدم عرابي راكباً جواده شاهراً سيفه، وخلفه بعض الضباط، فنزل الخديوي إليهم، ولم يتبعه سوى اثنين من حرسه الخصوصي، أحدهما حسن صادق، فلما رأى عرابي شاهراً سيفه صاح به: اغمد سيفك وانزل من جوادك.. المذكرات ج1 ص 120». السيف والحصان سجل أوكلاند كلفن المراقب المالي أيضاً هذه الواقعة، وفقاً لما شاهده في التقارير التي أرسلها إلى حكومته، وكان يقف مع الخديوي توفيق ضدّ عرابي ورفاقه، ونقل لنا شهادة اللورد كرومر في كتابه «مصر الحديثة» (صدر عام 1908)، حيث قال: «وخرجنا معاً وجاء في أثرنا خمسة من الضباط الوطنيين وستون باشا... وقد كانت الساحة ممتلئة بالجنود المصطفين. تقدم عرابي على صهوة جواده، فأمره الخديوي بالترجل، ثم طلب من عرابي بك بعد ذلك أن يغمد سيفه، وسأله عن معنى حركته، فأجابه بأن الجيش جاء إلى الساحة باسم الشعب». وذكرها الخديوي عباس حلمي الثاني نجل الخديوي توفيق في مذكراته أيضاً، فقال: «طلب الحزب العسكري وأعضاء مجلس الأعيان من الخديوي إقالة وزارة رياض، وإنشاء البرلمان، وتكوين جيش من ثمانية عشر ألف جندي... والحقيقة أن هذا الالتماس كان إنذاراً نهائياً، إذا ما أخذنا في الحسبان أنه تم تقديمه في قصر عابدين، بواسطة عرابي نفسه، الذي ذهب إلى القصر، يوم 9 سبتمبر 1881، من الفريق الثاني، فريق الثوار، نذكر الشيخ محمد عبده، وقد ذكر الواقعة في مذكراته قائلاً: «كتب عرابي إلى نظارة الجهادية ينبئها بأن جميع الآلايات ستكون في ميدان عابدين في نهاية الساعة التاسعة... وأشرف الجناب الخديوي على العساكر، وأمر بإحضار عرابي، فحضر راكباً جواده سالاً سيفه، محفوفاً بضباط السواري يحرسونه، فأمره بإغماد سيفه والنزول إلى الأرض وإبعاد الضباط عنه ففعل، ثم أخذ يخاطبه... المذكرات صـ 130، تحقيق الطناحي». والواقعة ذكرها بالحصان والسيف سليم النقاش (مصر للمصريين)، وأغلب الظن أن رواية النقاش اعتمد عليها كثير ممن كتبوا عن الواقعة من بعده، حتى أن الزعيم أحمد عرابي رجع إليها وهو يعد مذكراته بعد عودته إلى مصر، ونقل من كتاب النقاش وثائق خاصة بالأحداث، كذلك سجّل محمود فهمي المهندس الواقعة في «البحر الزاخر، بالحصان والسيف»، وذكرها جورج زيدان في كتابيه «مصر الحديثة»، و«تراجم مشاهير الشرق»، وألفرد بلنت في «التاريخ السري لاحتلال إنكلترا لمصر»، فضلاً عن كثيرين ممن أرخوا لهذه الفترة، وعلى رأسهم عبد الرحمن الرافعي في كتابه عن الثورة العرابية. يؤكد كل ما سبق أن واقعة ميدان عابدين كانت حقيقة وليست من اختلاق أوهام عرابي، ونقلت إلينا من خلال معاصريها بتفاصيلها، الميدان، وسراي عابدين، والخديوي توفيق، والجنود، والجماهير، والزعيم أحمد عرابي، والحصان، والسيف، ما يعني أن من ينفونها لم يقرؤوا كتاباً واحداً عن الثورة العرابية، وادعوا كذباً عدم علم من عاصروها، وزادوا الادعاء بالقول إن معاصري الواقعة لم يذكروها.

مشاركة :