الغاية تبرر الوسيلة لدى جماعات العنف الديني خاصة جماعات التكفير التي انتشرت في العديد من العواصم العربية وأصبحت تهدد الأمن القومي العربي، مما دعا الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى إطلاق تحذيره المتكرر من خطرها في أكثر من مناسبة، مطالباً بإنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب رغم أنه أطلق الدعوة ذاتها منذ أكثر من عشر سنوات. ويبقى تجفيف مصادر تمويل الجماعات والمنظمات الإرهابية أحد أهم ركائز الحرب على الإرهاب.. فمن أين تحصل هذه المنظمات الإجرامية على الأموال؟ بعدما زاد الخناق على مجموعات الإرهاب في المنطقة العربية بدأت تحاول هذه الجماعات الحصول على مصادر تمويل بطريقة غير شرعية من خلال الاتجار في المخدرات كما في اليمن وأفغانستان والبشر كما في ليبيا على حد سواء، والسطو المسلح على البنوك كما حدث في العراق، فضلاً عن فرض الجزية على غير المسلمين في هذه الأقطار، وتجد هذه الجماعات كلها تمارس كل هذه الأشكال بصورة مجتمعة تدل على برجماتيتها وعلاقتها المنفصلة عن الإسلام شكلاً وموضوعاً. مصادر تمويل الإرهاب والسرقة تيمة مرتبطة بجماعات التكفير في كل مكان، فقد كانت تقوم جماعات العنف في مصر بسرقة محال الذهب بمصر في فترة التسعينيات من القرن الماضي من أجل دعم عملياتها الخسيسة، حتى تجد أموالاً تشتري من خلالها السلاح الذي تستخدمه كما تجد مواد متفجرة تستخدمها في قتل البشر، وكانت تقوم في سبيل ذلك بسرقة محال ذهب غير المسلمين، مبررة أن أموال هؤلاء حلال للسرقة وهي غنيمة للمسلمين طالما أنهم لم يعلنوا كلمة التوحيد! لم يختلف تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام والمعروف إعلامياً بداعش عن غيره من هذه التنظيمات، حيث تخصص في سرقة البنوك والمصارف فور سيطرتها على الموصل فتقدر الأموال التي تم السيطرة عليها بقرابة 425 مليون دولار، كما فعلت جماعة أنصار الشريعة في ليبيا الشيء نفسه بهدف تمويل عملياتهم ضد الجيش الليبي. تجار مخدرات تنظيمات الإرهاب لم تعتمد فقط على السرقة وإنما تقوم بتمويل عملياتها القذرة أيضاً من خلال بيع المخدرات، كما يحدث في أفغانستان على يد تنظيم القاعدة واليمن، ولعلها تعتمد بشكل أساسي على بيع الكوكايين الذي تقوم بزراعته في مناطق شاسعة بأفغانستان. وحدد تنظيم الدولة الإسلامية مصادر تمويل دائمة من خلال فرض الجزية على غير المسلمين في الموصل كشكل من أشكال الابتزاز المالي بهدف السيطرة على عمليات القتل التي تجريها في مناطق شاسعة من التي تسيطر عليها سواء في العراق أو سوريا، حدث ذلك في الموصل في العراق والرقة في سوريا. من أهم مصادر تمويل الإرهاب الاستيلاء على آبار البترول، وقامت داعش بالسيطرة على العشرات من آبار البترول، وبيعه مقابل الحصول على أموال وهو ما دعا الولايات المتحدة للتعجيل بضربة جوية في العراق؛ لأن ذلك يؤثر على مصالحها الشخصية كما أنها مازالت تفكر في شكل المواجهة مع داعش في سوريا، فتقوم في العراق ببيع تقريباً 30 ألف برميل يومياً من النفط الخام، ويمثل السيطرة على آبار البترول أخطر صور دعم الإرهاب في المنطقة، حيث يحقق للإرهاب الوجود بشكل كبير ومتفرد. كما تقوم داعش ببيع قرابة 60 ألف برميل نفط في سوريا يومياً، فحسب بعض التقديرات التي أعلنتها المعارضة السورية، فهي تسيطر على قرابة 22 حقلاً للبترول وسط صمت دولي. كما اعتمدت جماعات التكفير وسائل أخرى لجمع الأموال من خلال اختطاف الأبرياء والمساومة على خروجهم فيما بعد وانتشرت هذه العمليات القذرة في ليبيا واليمن على اعتبارها مناطق قبائل، وحققت هذه الجماعات حسب بعض التقديرات ملايين الدولارات. فترى التنظيمات التكفيرية في ليبيا أنها تقوم بعمل «نبيل» يتمثل في قتال الطغاة والمرتدين ولذلك تبرر أي عمل يسهل لها مهمتها سواء من خلال الحصول على المال أو من خلال توفير المناخ الذي يساعد على أداء مهمتها، ولعلها تستخدم في ذلك الاتجار بالبشر، كما حدث في الموصل عندما أنشئت سوق لتجارة الرقيق. تجفيف منابع الإرهاب يقول عبدالرحيم علي، الخبير في مكافحة الإرهاب الدولي: مواجهة الجماعات والتنظيمات الإرهابية لا بد أن يكون من خلال تجفيف منابعها بحيث تكون هناك إجراءات صارمة وتعاون عربي مشترك في هذا الإطار وأن يكون ذلك من خلال التنسيق مع المجتمع الدولي، فلا قيمة لأي عمل يستهدف ضرب الإرهاب في حين نترك مصادر تمويله. وأضاف، أن كثيراً من دولنا العربية ما زالت مقصرة في مواجهة الإرهاب، فعلى قدر انزعاجها من الظاهرة إلا أنها لا تبذل مجهوداً كافياً في مواجهتها وتجدها تضرب الظاهر منها، وتترك عمليات التمويل المستمرة لها التي تمثل شريان الحياة لهذه التنظيمات. ويقول، ثروت الخرباوي، أحد قيادات الإخوان المنشقة: إن جماعة الإخوان تقوم بدعم جماعات العنف في المنطقة العربية ورغم ذلك تتغاضى الدول والعواصم العربية عن ضربها وما زال المجتمع الدولي ينظر إليها على أنها جماعة سلمية، رغم أنها تمارس العنف بالوكالة من خلال توفير مناخ وبيئة حاضنة لهذا العنف، فلولاهم ما استطاعت جماعات العنف في السيطرة على مناطق شاسعة في العراق وسوريا وليبيا. وأن هناك دولاً قد ترى أن تمويل جماعات العنف في مناطق مثل العراق وسوريا يحقق هدفاً سياسياً وتتناسى أن هذا يهدد الأمن القومي العربي، بل ويهدد الإنسانية بأجمعها. وطالب بدور عربي كبير تحت قيادة مصر والمملكة العربية السعودية للحفاظ على الأمن القومي العربي وكشف الجماعات والتنظيمات التكفيرية والدول التي تدعم هؤلاء الإرهابيين من خلال آلية حقيقية تكون فاعلة لقطع الطريق أمام تمويل الإرهاب في المنطقة العربية بأكملها.
مشاركة :