تأليف: هيلاري كلينتونترجمة وإعداد: محمد أمين | بعد هزيمتها في الانتخابات الرئاسية أمام دونالد ترامب في نوفمبر الماضي، نشرت هيلاري كلينتون، روايتها الشخصية للانتخابات ونتائجها، في كتاب تحت عنوان: «هذا ما حدث»، اعترفت فيه بأنها تتحمّل المسؤولية الكبرى عن فشلها، لكنها وجّهت أصابع الاتهام أيضاً، إلى الــ «إف.بي.آي» وروسيا والإعلام الأميركي. وتحدثت عن «صدمة» ليلة الثامن من نوفمبر 2016، ولحظة الإعلان عن نتائج الانتخابات، حين كانت في غرفتها بفندق في نيويورك، والإحساس بـ«الإحباط» و«الحزن» و«خيبة الأمل» التي لم تفارقها على مدى أسابيع. وأكدت رفضها تناول الأدوية المضادة للاكتئاب أو استشارة أطباء نفسيين، وبدلاً من ذلك، لجأت إلى عائلتها، ومارست رياضة اليوغا، كما استعانت بالنبيذ. وكشفت كلينتون أنه «لم يمضِ يوم واحد منذ الثامن من نوفمبر 2016، لم أتساءل فيه: لماذا خسرت؟ أجد أحياناً صعوبة في التركيز علي أي مسألة أخرى». وتصف كلينتون حفل تنصيب دونالد ترامب (الذي لم تطلق عليه لقب «رئيس» أبداً في كتابها)، والذي شاركت فيه بصفتها سيدة أولى سابقة، وتصوّرت لو أنها كانت هي من تُلقي خطاب النصر، بدلاً منه. واستعرضت هيلاري العوامل التي تعتقد أنها أسهمت في هزيمتها، ومنها رغبة جمهور الناخبين في التغيير، ورفض البعض لشخصها، والعداء للنساء، وإحساس شرائح من الطبقات الشعبية البيضاء بأنها مهمّشة اقتصادياً. وكشفت كلينتون أن لديها قناعة راسخة بأن تدخّل مدير الــ «إف.بي.آي» جيمس كومي قبل أيام من الانتخابات رجّح كفّة ترامب، فضلاً عن القرصنة الروسية ونشر وثائق «ويكيليكس» وتركيز الصحافة على الأمر حد الهوس. واستشهدت بفرنسا، التي أحجمت وسائل الإعلام فيها عن تغطية القرصنة التي استهدفت إيمانويل ماكرون أواخر حملة الانتخابات الرئاسية. وقالت: «يبدو أن الناخبين الفرنسيين استخلصوا العبرة، ورفضوا التصويت لمارين لوبن. وربما يكون في حماية فرنسا وديموقراطيات أخرى، بعض العزاء لي». وأكدت كلينتون أنها لن تترشّح لانتخابات بعد اليوم. لكنها تعهّدت بأن «لن أنعزل، ولن ألتزم الصمت، وسأفعل كل ما في وسعي لمساندة المرشحين الديموقراطيين». وفي ما يلي ملخص لأهم ما جاء في الكتاب. تخيل انك تلميذ في درس للتاريخ بعد ثلاثين عاما من الآن، وتتعلم عن انتخابات 2016 التي جاءت إلى سدة الحكم بالرئيس الأقل خبرة ومعرفة وكفاءة في تاريخ بلادنا. من المؤكد انك ستفكر بأنه لا بد أن خطأ رهيباً قد وقع. ثم علمت أن قضية واحدة هيمنت على الانتخابات، فإنك سوف تظن انها «الاحتباس الحراري» أو «الرعاية الصحية» ثم يكشف لك المعلمة انها «رسائل الكترونية». وشرحت المعلمة ان الرسائل الالكترونية كانت شكلا من اشكال التواصل البدائية، وهي التي سببت كل هذه الضجة وحظيت باهتمام إعلامي أكثر من أي مسألة أخرى في السباق الانتخابي. وربما تسأل المعلمة: هل كانت هناك جريمة؟ وهل أضرت بالأمن القومي للولايات المتحدة؟ فيأتيك الجواب: لا، فتقول في نفسك: «يبدو الأمر مثيراً للسخرية». نعم هو كذلك. فبالنسبة لجيل اليوم، سمع عن البريد الالكتروني لي أكثر مما سمع عن أي شيء اخر. أما الآن، فربما يكون آخر ما تود أن تقرأه عن تلك «الرسائل الالكترونية الملعونة»، على حد تعبير بيرني ساندرز. لكني آمل ان تكمل قراءة بعض الصفحات لكي تفهم صلتها بما يحدث الآن. قرار غير منصف طوال أشهر بعد الانتخابات، حاولت عدم التفكير في هذه المسألة اطلاقا، لكنني فوجئت انها تتصدر صفحات الصحف الأولى فجأة. ففي التاسع من مايو أقال ترامب مدير «اف بي آي» جيمس كومي. ووزع البيت الأبيض مذكرة لنائب وزير العدل رود روزنشتاين تتهم كومي بالتعاطي غير المهني مع مسألة بريدي الالكتروني، وقالوا إن ذلك هو سبب إقالة كومي. وأشار روزنشتاين إلى أن كومي ارتكب اخطاء خطيرة، لا سيما قراره اعفائي من منصبي وابلاغ الكونغرس انه قرر اعادة فتح التحقيق في موضوع البريد الالكتروني قبل أحد عشر يوماً فقط من يوم الانتخابات. ووصف روزنشتاين في شهادته امام الكونغرس في التاسع عشر من مايو 2017، المؤتمر الصحافي الذي أعلن فيه كومي اعفاءه من منصبه، بأنه «خاطئ وغير منصف». لقد أطلعت على مذكرة روزنشتاين وأنا غير مصدقة. فقد كان هناك ثاني أكبر مساعدي ترامب في وزارة العدل يثبت بشكل مكتوب كل ما كنت افكر به منذ أشهر. وقد ذكر روزنشتاين آراء النائب العام السابق ونائبه. دوافع سياسية ومهما تكن هذه القصة مؤلمة، إلا أن من المهم فهم كيف تم تضخيمها لتصبح الأكثر إثارة للجدل في الانتخابات كلها، فالكثير من الناس ما زالوا يجهلون حقيقة المسألة. كل ما يعرفونه انها كانت أمراً سيئاً، ولا أستطيع أن ألومهم، فقد ظل يقال لهم ذلك المرة تلو المرة، على مدى عام كامل ونصف العام، فقد هيمنت كلمة «البريد الإلكتروني» على عقول معظم الناس حين يتعلق الأمر بهيلاري كلينتون. وبالنسبة للبريد الإلكتروني، دعوني أوضح أن قرار استخدام البريد الإلكتروني الشخصي بدل الحكومي كان قراري وحدي. فأنا الذي أملكه، ولم أقصد ابداً أن أخدع أحدا، ولم أخف أنني استخدم هذا البريد الإلكتروني، ودائماً ما كنت آخذ الرسائل السرية على محمل الجد. وطوال الحملة الانتخابية حاولت مرات غير محدودة أن أشرح انني تصرفت بُحسن نية. حاولت الاعتذار مع إدراكي أن الحملات ضدي غير صحيحة ومبالغ فيها وذات دوافع سياسية، وحاولت أحياناً التسامي عن هذا الموضوع، ولكني لم أجد الكلمات المناسبة. رمال متحركة لقد أصبح الأمر أشبه برياح متحركة، كلما قاومت غصت عميقاً في الرمل، وأحياناً وصلت إلى حافة الجنون وأحياناً أشعر بالغضب من نفسي، وفي ظل عجزي عن شرح موقفي، أوكلت المهمة لآخرين. ولكن لم يجد أي شيء نفعاً، لكنه كان مفيداً لصحتي النفسية. لقد أصاب كبد الحقيقة المدير العام السابق لـ«إف بي آي» جيمس كومي حين قال إن «معلوماتنا تشير إلى أنها (أي هيلاري) قد أنشأت بريدها الإلكتروني الخاص ضرباً من ضروب الاستسهال»، فهذه هي الحقيقة. وكذلك لم يحدث أن أرسلت إيميلاً واحداً حين كنت في البيت الأبيض كسيدة أولى أو خلال معظم سنوات خدمتي في الكونغرس، ولم يحدث أن استخدمت جهاز كمبيوتر في المنزل أو العمل حتى عام 2006 حين بدأت بإرسال واستقبال الإيميلات على جهاز هاتفي البلاكبيري، ولدي موقع على شركة ATdT مثل بقية الأميركيين واستخدمته للعمل والأمور الشخصية. وان إضافة بريد إلكتروني آخر حين أصبحت وزيرة للخارجية كان يعني أن أحمل جهاز هاتف ثانيا. فضلاً عن علمي بأن وزير الخارجية الأسبق كولين باول كان يستخدم بريده الإلكتروني الشخصي حصرياً، وأدركت أن عمل وزير الخارجية لا يعتمد كثيراً على الإيميل. كل ذلك شجعني على استخدام بريدي الإلكتروني الشخصي، مع انني أتمنى اليوم، لو أنني لم أفعل. في أوائل عام 2009 نقلت حسابي من شركة ATdT إلى خادم أقامه زوجي في مكتبه بمنزلنا في شاباكا والذي يخضع لحراسة أجهزة الأمن. وحين سألني البعض لماذا أنشئ خادما جديدا، كان جوابي، أنني لم أنشئه بل كان موجوداً، وعملت على تطويره. وكنت أتبادل الرسائل الإلكترونية بانتظار مع تشيلسي ومع فريق زوجي بيل الذي لم يكن شخصياً يستخدم الإيميل، بل يعتمد على الهاتف. وكان جزء يسير من عملي يعتمد على الإيميل خلال السنوات الأربع التي قضيتها في وزارة الخارجية. تسجيل نقاط وباختصار، لم أكن أول وآخر من يستخدم الإيميل الشخصي، لقد فعل ذلك كولين باول وجون كيري، ولم يكن ذلك سراً، ولم يعترض أحد أو يجعل من ذلك قضية، وحين كنت أستخدم إيميلي الشخصي، كان يساعدني الطاقم الفني لوزارة الخارجية حين كنت أواجه مشكلة في جهاز هاتفي المتنقل «بلاكبيري». لقد اشار علي بعضهم أن خادم SERVER مكتب زوجي قد يكون عرضة للقرصنة، ليتبين في ما بعد ان شبكة وزارة الخارجية ومواقع حكومية حساسة أخرى، بما في ذلك البيت الأبيض والبنتاغون تعرضت للقرصنة. لكن المسألة كلها اتخذت طابعاً حزبياً، فالجمهوريون منذ سنوات يحاولون – من دون خجل – تسجيل نقاط سياسية بشأن الهجوم الارهابي الذي وقع في مدينة بنغازي بليبيا في شهر سبتمبر 2012، لقد كانت كارثة حقيقية، وامضيت ليلة اليوم التالي أفكر ما الذي كان يمكن فعله أكثر مما فعلنا لمنع وقوع الهجوم. سجال حزبي بعد الكوارث السابقة التي وقعت مثل تفجير ثكنات المارينز في بيروت عام 1983 الذي ذهب ضحيته 241 جندياً اميركياً، وتفجيرات سفارتنا في كينيا وتنزانيا عام 1988، كانت هناك جهود حسنة النية من الحزبين لتعلم الدرس وتحسين إجراءات الأمن، ولكن بعد تفجيرات بنغازي، حول الجمهوريون مقتل أربعة أميركيين شجعان إلى سجال حزبي، ولم يكتفوا بسبعة تحقيقات اجراها الكونغرس (خمسة منها قادها الجمهوريون) وخلصت كلها الى أنه لا لوم على الرئيس أوباما أو عليّ. ولم يحدث أن طالبني الجمهوريون بالادلاء بشهادتي بشأن الهجوم الا في شهر اكتوبر 2015 وعندها كان اهتمامهم بموضوع ايميلاتي قد وصل حد الهوس، وأخذوا يركزون حملاتهم ضدي، وكنت قد ادليت بشهادتي حول الهجوم في الكونغرس عام 2013، ولذلك، لم تكن شهادتي الجديدة لتضيف شيئاً، ومع ذلك، جلست للإجابة على اسئلتهم لمدة احدى عشرة ساعة. وبعد ذلك، اعترف رئيس الحزب الجمهوري تري غاودي ان الاختبار قد فشل في تحقيق أي شيء، وحين سئل ما الجديد الذي أسفر عن جلسة الاستماع، لم يستطع الإجابة، واعترفت الصحافة إن المحاولة اثبتت إفلاس الجمهوريين، لكني كنت ادرك انهم الحقوا بي ضرراً كبيراً. فالاتهامات المتكررة لابد ان تعلق في اذهان الرأي العام. أسلحة الدمار الشامل لقد طلبت لجنة التحقيقات في هجوم بنغازي كل الوثائق ذات الصلة، فحصلت في اغسطس 2014 على 15 الف وثيقة من الايميلات، ولم يكن يخصني من هذه الايميلات سوى ثمانية فقط، في ذلك الوقت، لم يثر أحد أي تساؤل حول استخدامي لحساب الكتروني غير حكومي. وبعد عدة أشهر، وفي خريف 2014، وفي محاولة من وزارة الخارجية لاستكمال حفظ السجلات، ارسلت إلى آخر اربعة وزراء للخارجية (كونداليسا رايس وكولين باول ومادلين أولبرايت وأنا). لطلب الحصول على نسخ من ايميلات العمل التي ما تزال في حوزتنا، ولم يقدم أي منهم أي شيء، لا شيء حول اسلحة الدمار الشامل التي قادت الى الحرب على العراق أو المداولات ذات الصلة، ولا شيء حول اساءة معاملة السجناء في سجن أبو غريب، أو التعذيب، لا شيء على الاطلاق. وقد هاجم البعض حقيقة أنني ألغيت إيميلاتي الشخصية واتهموني بالتصرف غير المناسب، ولكن كما قالت وزارة العدل، فإن القواعد واضحة وتنطبق على الايميلات الشخصية المرسلة إلى حسابات حكومية. الإيميلات الملعونة! ولكن المفتش العام، خلص في تقريره الى أن ذلك مجرد هراء. وكانت الصحيفة قد فسَّرت استخدامي بريدي الالكتروني الشخصي بأنه محاولة إلى اللجوء الى السرية، ولكن ذلك أيضا ليس صحيحا، لأن الناس يعرفون عني وعن بيل اكثر من أي شخص آخر. وفي محاولة لتهدئة الأمور بعد مقالة «نيويورك تايمز»، دعوت إلى نشر كل الإيميلات التي زودت وزارة الخارجية بها. وقلت انه ليس لديّ ما أخفيه. وفي الواقع، كلها كان إيميلات عادية لا تكشف سرّاً ولا تحمل مفاجأة، أو تفضح ممارسة خاطئة أو إهمالاً. لقد كتب وزير الخارجية الأسبق كولين باول في «نيويورك تايمز»، منتقدا الحملة عليّ بحجة الايميلات. وتحدث الرئيس اوباما في برنامج «60 دقيقة»، نافيا أن تكون هذه الايميلات قد عرَّت الأمن القومي للخطر. وصرّح المرشح الديموقراطي السابق بيرني ساندرز بأن «العالم قد سئم سماع الروايات بشأن ايميلاتك الملعونة، فدعونا نتحدث عن القضايا الأساسية التي تواجه الأميركيين». واشار الرئيس السابق لمكتب التحقيقات الفدرالي الــ«إف.بي.آي» جيمس كومي إلى أن «أي محقق يتمتع بالمعقولية لن يقبل بالنظر إلى هذه القضية». وكتب رئيس تحرير «نيويورك تايمز» السابق جيل ابرامسون مقاله في الصحيفة، يعبّر فيها عن اعتقاده بأن «هيلاري كلينتون صادقة». من مجرم إلى شهيد ولكن سرعان ما انهارت هذه الرواية حين ابلغ دونالد ترامب قناة NBC ان السبب الحقيقي وراء اقالته لكومي كان تحقيقات «اف بي آي» في وجود تنسيق محتمل بين حملة ترامب والمخابرات الروسية، أو ما أسماه ترامب «تلك المسألة الروسية». ولم يفاجئني ذلك، فقد كان ترامب يعلم أنه بالرغم من كل اخطاء كومي، فإنه لن يكذب بشأن القانون. فقد أصر ان لا قضية ضدي، على الرغم من الضغوط من الجمهوريين ليفعل. وهكذا، فحين أكدّ للكونغرس قيامه بالتحقيق في «صلة روسيا بالانتخابات الأميركية»، أدركت أن أيامه في منصبه باتت معدودة. ومع ذلك، أدهشني أن أرى كومي وقد تحول في ثوانٍ معدودات، من مجرم إلى شهيد. ولكي تفهم ذلك، عليك أن تضع في اعتبارك فكرتين في وقت واحد. روزنشتاين كان محقاً في موقفه من الرسائل الإلكترونية، وكان كومي على خطأ. ولكن ترامب كان على خطأ لعزل كومي بشأن موضوع روسيا. حقائق راسخة رأيت طوال الحملة الانتخابية لعام 2016 كيف أن الأكاذيب تكرّست في أذهان الناس، ولم تستطع الحقائق أن توقفها. وكان الناس الذين يعملون في حملتي الانتخابية يتلقون ردودا عندما يطلبون منهم التصويت لي، على شاكلة: «لا نستطيع التصويت لها، لأنها مسؤولة عن مقتل أبرياء» أو «انها تروّج المخدرات» أو «ارتكبت جرائم، بما فيها طريقة إدارة بريدي الالكتروني الشخصي». وقد تم تكرار هذه الاتهامات لدرجة أصبحت حقائق راسخة في أذهان الناس. وكانت هستيريا الايميلات قد انطلقت فعليا في مارس 2015 حين تلقى المحامي الشخصي لي ديفيد كيندال مجموعة اسئلة من صحيفة نيويورك تايمز حول طريقة إدارتي بريدي الالكتروني، أعددنا أنا والمحامي الردود في الليلة ذاتها، ففوجئنا بالصحيفة تنشر على موقعها الالكتروني على الفور، الردود تحت عنوان: «هيلاري كلينتون استخدمت بريدها الالكتروني الشخصي في وزارة الخارجية.. وربما ينطوي ذلك على انتهاك للقانون».
مشاركة :