في منتصف شهر رمضان من عام 1362هـ/ 1943م زار الأديب والمؤرخ أحمد السباعي حينما كان يعمل مفتشًا إداريًّا، ويرافقه معاونه، محافظة أملج، إحدى محافظات منطقة تبوك الساحلية، بعد رحلة شاقة استمرت أيامًا، تخللتها الكثير من المتاعب، ووصل إليها وكان يحمل جهاز راديو، وكان ذلك أول جهاز راديو يصل لمحافظة أملج. ولغرابة ذلك اجتمع الناس حوله. وقد تسبب هذا الجهاز في طلاق بين زوجَيْن. ويروي الباحث عبد الله العمراني لـ"سبق" قصة أول راديو يدخل محافظة أملج قائلاً: انطلق الأديب السباعي من المدينة المنورة إلى مدينة ينبع بواسطة سيارة البريد، ثم أخذ في البحث عن وسيلة سفر توصله إلى أملج، وكان من المفترض أن يستقل السيارة إلى أملج، ولكن لصعوبة الطريق أصبح بين خيارين، إما أن يستقل المركب الشراعي، أو الجَمَل، فقرر أن يسافر عن طريق الجَمَل لمحافظة أملج. قضى السباعي ثلاث ليالٍ وأربعة أيام حتى أشرف في نهايتها على ساحل أملج. الراديو وأضاف الباحث العمراني: نزل السباعي هو ومعاونه في أحد منازل أملج على بُعد خطوات من إدارة المال، وبدأ بجهاز الراديو، فهيَّأه، وأخذ المعاون يصلح من شأن (الأنتين)، فكان أول جهاز عرفته أملج، واجتمع الناس على صوته؛ فلم تتسع غرف بيت السباعي لزحامهم، فإذا بالساحة الواسعة تحت شرفة منزله تغص بالمئات من أهالي أملج. وانتقل الخبر في ليلته إلى أطراف المدينة؛ فأقبلت النساء متسترات في ثيابهن الفضفاضة؛ ليجتمعن في ركن الساحة، وأقبل الرجال من كل فوج يحتلون بقية الأركان، وأخذوا يتساءلون "ترى هل ينتقل الصوت من بلاد الإنجليز بفعل هذا المفتش الساحر (يقصدون السباعي)، أم هي قوة خارقة حبست أصوات المغنين في صندوق من الخشب؟". طلاق الزوجة وقال الباحث العمراني: لقد كان الناس معذورين؛ فجهاز الراديو يومها كان جديدًا على أكثر المدن، وهو في مكة المكرمة (عاصمة السعودية حينها) كان يعد على أصابع اليدين، فما بالك بأملج، وهي البلدة النائية يومها؟ وما بالك ببادية أملج وضواحيها؟ وأضاف: في اليوم التالي جاءه سقاء منزله؛ ليخبره بأنه طلق زوجته بسبب الراديو. فقال له السباعي: ولكن ما ذنب الراديو؟ فأجابه السقاء بقوله: إنها اختلست خطواتها دون علمي إلى مجمع النساء تحت الشرفة فطلقتها. فقال له السباعي: إنك تظلمها؛ فأنت تقضي أكثر ساعات الليل في مجمع الرجال من الردهة، تستمع إلى الراديو، وتنكر عليها ساعة واحدة اختلستها لتتحقق من حقيقة هذا العفريت الذي يغني!! ولم يزل به السباعي حتى أقنعه بأن يُرجع زوجته ففعل. وصول الراديو لمدينة تبوك وتابع العمراني: وفي عام 1364هـ/ 1944 م عرفت مدينة تبوك أول جهاز راديو في تاريخها من خلال مدير لاسلكي تبوك محمد عواد شاهين عندما أحضره لمنزله في تبوك؛ فكان كل ليلة يجتمع بعض الأهالي داخل منزله، وإذا وجدوه مقفلاً جلسوا يستمعون للراديو من الخارج، وكان يُذاع القرآن الكريم وأخبار الحرب العالمية الثانية. جَمال محافظة أملج وقال العمراني: وصف الكاتب أحمد السباعي مدينة أملج قائلاً "أملج إذا غذ خيالك فيها فلك أن تتصورها فتاة لم تتجاوز بعد سن المراهقة، دفع بها أهلها إلى البحر فاغتسلت، ثم عادت إلى الشاطئ؛ لترتفق ضفته في سكون هادئ. مدينة يقطعها شارع واحد، تقوم على حافته البيوت الصغيرة في ألوانها البيضاء، وتمضي جادته مستقيمة، لا يتخللها دكان، ولا يقلقها صوت بائع متجول؛ ذلك لأن سوقها ينفرد عنها في زاوية منفرجة من أحد أطرافها حيث تتزاحم مناكب البدو والحضر، ويختلط رغاء الإبل بثغاء الماشية على أصنافها".
مشاركة :