الحداري: هيئة لـ"القوة الناعمة" ستوظف القوى الذكية بالشكل الصحيح في الدول الطموحة

  • 10/30/2017
  • 00:00
  • 20
  • 0
  • 0
news-picture

أكد الباحث الإعلامي الدكتور نايف الحداري أنَّ الدول التي ستطمح لتكون في مقدمة الأمم وتصنع مستقبلها بنفسها، ستكون الأسرع في إنشاء "مجلس" أو "هيئة" للقوة الناعمة "أو الذهاب خطوة إلى الأمام لـ"القوة الذكية" لتوظيفها بالشكل الصحيح الذي يحقق مصالحها ويحافظ على مكتسباتها، فإذا لم تعرف حجم قوتك والطريقة الأمثل لتوظيف هذه القوة، فمن المنطقي ألا تنتظر من الآخرين أن يخبروك بها. وفسر الحداري قوله إنَّ "تراجع دور الحروب والقوة العسكرية يعد أحد أبرز ملامح العقود المقبلة، فاستخدام القوة العسكرية، وفقًا لأحد المفكرين السياسيين، سيكون عالي الكلفة في الألفية الجديدة، حيث إن شعوب الألفية الجديدة كما يصفها المفكر الأمريكي جوزيف ناي: "شعوب تبحث عن الرفاهية وليس عن المجد". أي أن طبيعة الشعوب المعاصرة شعوب تنزع إلى السلام والأمن والاستقرار وتختلف عن الشعوب السابقة التي كانت تخرج في مظاهرات ومسيرات لتأييد الجيوش المتحاربة في الحرب العالمية الثانية وما تبعها من حروب في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. وأضاف: "الحروب في المستقبل لن تكون بالشكل المألوف في الماضي، بل ستكون ذكية قصيرة الأمد، وباستخدام أسلحة ذكية ودقيقة. على سبيل المثال في السنوات القليلة الماضية طورت أمريكا جيشًا ذكيًا صغير الحجم ويعتمد على الجانب التكنولوجي والبرامج التقنية المتطورة ليكون جاهزًا في خوض مواجهات سريعة وحاسمة في أي مكان من العالم". وأوضح الحداري أن معرفة حجم القوة التي تتمتع بها الدولة عامل مهم في الاستراتيجية السياسية للدول، فكل بلد بحاجة إلى إجراء تقييم للقوة التي يملكها "خصوصًا القوة الناعمة" ومعرفة مصادرها وأدواتها الفعّالة ومعرفة جوانب القصور والضعف فيها، والاستراتيجيات التي يُعتمد عليها في توظيف هذه القوة". مفسرًا ذلك بقوله: "ولأن القوة متغيرة ومتحولة وليست ثابتة، والطرف القوي ربما لا يستمر قويًا طوال الوقت والطرف الضعيف كذلك، لكن الرهان سيكون على الدول التي تعرف حدود قوتها الصلبة والناعمة وتستطيع تنمية موارد هذه القوة، وتستطيع كذلك توظيفها بالشكل الفاعل. وفي الجانب الآخر هناك دول لديها موارد قوة كبيرة لكنها لا تستطيع توظيفها بطريقة صحيحة لخدمة مصالحها، يقول جوزيف ناي: "هناك دول قد تمتلك موارد قوة أكثر من غيرها، لكنها تفشل في تحويل القوة إلى مخرجات أو نتائج إيجابية، وهذا هو ما أستطيع أن اسميه مشكلة تحويل القوة". واستطرد: "بطبيعة الحال مسألة تحويل القوة أمر مهم في مستقبل الدول، وتوظيف القوة الناعمة أكثر من القوة العسكرية هو الجانب الأكثر أهمية في الألفية الجديدة، وفي الماضي هناك دروس كثيرة عن أهمية توظيف القوة والذي نجحت فيه دول وأخفقت أخرى، فالقوة العسكرية الهائلة والصواريخ النووية لم تمنع سقوط الاتحاد السوفيتي عام 1992، وفي المقابل عدم وجود جيش لم يجعل "سويسرا" بلدًا ضعيفًا أو غير مؤثر في الساحة الدولية، فالقوة الناعمة التي تملكها سويسرا تجعلها أكثر قوة من دول تملك الجيوش والأساطيل والصواريخ النووية". وأكد أنَّ "من أهم أساليب "توظيف القوة" هو الاستفادة من قوة الآخرين والشراكة معهم لتحقيق المنافع المتبادلة بدلاً من محاولة تطويعهم بالقوة أو باستخدام القوة الصلبة، والعمل على مبدأ الشراكة والتعاون والاتفاق، وهذه هي الطريقة الأنجع للاحتواء السياسي والاقتصادي للمنافسين، وهو المبدأ الذي اقترحه الرئيس الصيني السابق "دينج شياو بنج" على الحكومة الصينية في التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية، أي وفق مبدأ التوافق لا التعارض، حيث قال: "زيدوا الثقة، وقللوا المشكلات، طوروا التعاون، وتجنبوا المواجهة". وعن ملكية وسائل الإعلام والمنصات الإعلامية المؤثرة، يقول الباحث الإعلامي الدكتور نايف الحداري : "الإعلام هو أحد أهم مصادر القوة الناعمة للدول، هو سلاح ناعم ولكن مؤثر، ووسيلة مهمة لتوظيف القوة بشكل يؤثر في الآخرين، فلكي يكون صوت الدول قويًا وتستطيع التأثير في الرأي العام الدولي يجب أن يكون لديها إعلام قوي ومنصات إعلامية مؤثرة، حيث إن الإعلام القوي سيكون الوسيلة الأسرع والأفضل في حماية الأجندات والايديولوجيات الوطنية وترتيب أولويات الشعوب الأخرى. عن طريق الإعلام تلجأ الدول المعادية لشيطنة خصومها واستخدام الإعلام لتوجيه رسائل سياسية معادية إلى داخل الدول الأخرى للتأثير على استقرار الدول. وبالتالي لكي تكون الدول مؤثرة إقليميًا ودوليًا يجب أن تتملك المنصات الإعلامية المؤثرة وتتبنى نظرية المنافسة الإعلامية والتي تميل إلى تخصيص الإعلام وتقليل الاعتماد على الإعلام الحكومي الذي لن يكون مؤثرًا في المشاهد والقارئ في هذا العصر، فالإعلام الخاص هو الذي يقود المشهد في العالم كله وصاحب التأثير الأقوى". وأكد أنَّ من أهم عناصر نجاح "توظيف القوة" هو تعيين الرجل المناسب في المكان المناسب، أي التوظيف الأمثل للكفاءات، خصوصًا تعيين كفاءات تحمل أفكارًا حديثة للتطوير والإصلاح، وتعيينها في الحقل الأنسب لمهاراتها وخبراتها، يقول المفكر صموئيل هنتنغتون: "إن تعيين رجال عصريين في البيروقراطية أمر ضروري بالفعل للإصلاح، وهو وسيلة أساسية تمكّن الحاكم من تقليل اعتماده على النخبة التقليدية في البيروقراطية". مضيفًا أنَّ "من العناصر المهمة كذلك توسيع النفوذ عن طريق اكتساب المزيد من النفوذ والتأثير في كيانات وشعوب ودول وأسواق جديدة. إلى جانب الذكاء في توزيع النفوذ، عن طريق توظيف الأدوات والتكتيكات الدبلوماسية، مثل تكتيك "القيادة من الخلف" وهو التكتيك الذي طبقته أمريكا في الأزمة الليبية، حيث سمحت للناتو بالقيادة ولعبت أمريكا دور القائد من الخلف، لتقديم المساندة والدعم اللوجستي". وأشار إلى أنَّ المحافظة على الطبقة الوسطى هو أحد أهم العوامل التي تُحافظ على القوة، تآكل الطبقة الوسطى يأتي بنتائج كارثية على الدول، حتى لو كان هناك تطور اقتصادي ملحوظ في أي دولة، فإن هذا لا يمنع تآكل الطبقة المتوسطة، لأن التضخم وارتفاع الأسعار وازدياد الأغنياء والفقراء بالزخم نفسه يقضي على الطبقة المتوسطة، وبالتالي يجب أن تُطبق سياسات حديثة لمعالجة الفقر والبطالة وتلبية الحاجات الاقتصادية للطبقة الوسطى للمحافظة عليها من التآكل. واختتم الحداري: "هناك مؤشرات من الممكن أن تساعد الدول على معرفة جوانب النقص والقصور في تحديد وتوظيف القوة التي تمتلكها، فعندما يكون لديك تراث حضاري وثقافي عريق ولا تستطيع تسويقه للآخرين، فأنت لديك خلل في معرفة حدود قوتك الناعمة، وعندما تكون أكثر المتبرعين للعمليات الإغاثية والإنسانية وليس لديك الإعلام المقوي الذي ينقل هذه الأعمال للشعوب الأخرى، فأنت تحتاج إلى تغيير أدوات القوة التي تمتلكها. وعندما تستضيف آلاف الطلاب الأجانب ولا تؤثر فيهم أو في قيمهم أو في صورتك الذهنية المُترسخة لديهم فأنت تحتاج إلى إعادة توظيف قيمك بالشكل الذي يخدم صورتك لدى الآخرين".

مشاركة :