تواصل – هبة حجاب: تتوالى كل يوم القصص البطولية والتضحيات التي يقدمها فرسان الحد الجنوبي، الذين حملوا أرواحهم على أكفهم راجين رضا ربهم، ثم خدمة مليكهم وأوطانهم، فقصصهم تروى وتكتب بمداد من ذهب، وما تقصه الحكايات لهو غيض من فيض هؤلاء الأبطال الشجعان، آخر قصص البطولة هي قصة بطل واجه الأعداء بشجاعة، لم يخشَ الموت بل تقدم الصفوف الأمامية، مضحياً بنفسه دون زملائه قَائِلاً: “دعوني أتقدم الصفوف.. أنا وحيد بلا تلد أو ولد”. البطل سيف بن عبدالعزيز الحميد العصلب الظفيري، يبلغ من العمر 26 عَامَاً والذي أُصِيبَ ست مرات، عالج نفسها بنفسه في أربع إصابات منها ولم يبلغ سوى عن إصابتين فقط، بعد أن تعالج بعد إصابته الأولى في قدمه اليسرى، رفض البقاء فترة النقاهة، ليعود بعدها للقتال في الجبهة، ليصاب مرة أخرى إصابات بالغة وهو يُنْقِذ زميلاً له في فترة راحته، لتطأ رجله اليمنى لغماً أرضياً، فيقرر الزحف أكثر من 500 كيلومتر ليصل إلى أخيه، وفقد الوعي أكثر من مرة، وأثناء محاولة إنقاذه قَامَ بعض زميل له، ولا تزال العضة مؤثرة وظاهرة يقول: ‘‘لا أدري مَا سبب العضة هل هي من شدة الألم، أم لأني كنت أريد الشهادة‘‘. العصلب الظفيري، لم يتزوج، حَصَلَ على دبلوم عالٍ تخصص فني تخدير صحي، وكان موظفاً سابقاً بوزارة الصحة، استقال منها وتوجه لوزارة الدفاع، عين على رتبة وكيل رقيب واتجه للحد الجنوبي دفاعاً عن دينه ووطنه، أُصِيبَ أول مرة في شوال عام 1436هـ، وَتَمَّ ترقيته إلى رقيب ثم تغير تخصصه، من قناص إلى تدخل سريع، قَامَ بأكثر من مُهِمَّة خَاصَّة، تم ترقى إلى رقيب أول ثم إلى رئيس رقباء وهي ترقية استثنائية. طلقة قناص يقول “العصلب” في حوار خاص لـ “تواصل”: “الإصابات التي بلغت عنها اثنتان وهناك أربع إصابات أخرى لم أبلغ عنها، لم تؤثر في تأثير قوي، بل أكملت العمل بعدها بشكل عادي، وهي طلقة قناص في اليد اليسرى، وإصابات شظايا في ظهري وبطني وصدري من متفجرات مقذوف، والحمد لله معي إبر ضد التسمم وأعالج نفسي بنفسي، فيما عدا الإصابات الكبيرة التي تحتاج لرعاية خَاصَّة في المستشفى”. مقذوف عدو وَتَابَعَ العصلب: الإِصَابَة الأولى كانت مقذوف عدو سقط بجانبي وجاءني إلهام من الله أنه سيَأْتِي، فابتعدت عنه، لكن كانت رجلي مكسورة أصبت بسبع شظايا كبيرة في رجلي اليسرى، أثرت عليها ولم أستطع المشي لأنها أصابت العضلة، وبلغت عنها وذهبت لمُسْتَشْفَى نجران ثم المُسْتَشْفَى العسكري بالرياض، وخضعت لأُسْبُوعين علاج، ورجعت فَوْرَاً للقتال في الحد الجنوبي ولم أخذ فترة نقاهة. قصة الإِصَابَة الثَّانِية وبخصوص الإِصَابَة الثَّانِية قَالَ: “كنت أنهيت مهمتي وأثناء وقت راحتي كان معي الجهاز مفتوح، لأطمئن على أخي، سمعت زميلاً يستنجد أُصِيبَ بطلقة قناص، والعدو لديه كمين ويطلب أَي شخص يسعفه، وفعلاً حاول شخصان قبلي واستشهدا”. وأَضَافَ، أخذت سيارة مصفحة ضد الرصاص، ومررت على تضاريس صعبة؛ لِأنَّ أرض نجران جبلية، ارتفعت حرارة السيارة قبل أن أصل إِلَى زميلي المصاب، دست على لغم أرضي وتعطلت السيارة، وكنت في منطقة عدو؛ لِذَا عدت إلى السيارة، ووصلت بها لأقرب نقطة، وَمِنْ هُنَاك حصلت على سيارة أخرى، ومكني الله أن أَنْقَذَ الزميل المصاب، وحملته داخل السيارة وقررت مواجهة العدو”. واستطرد: أُصيبت السيارة بصاروخ حراري، وكان الموقف صعب جِدّاً لنا، وتحول النهار لظلام وتصاعد الدخان الأسود، وارتفعت الحرارة داخل السيارة لدرجة لا نستطيع معها الإمساك بمقود الباب، ولكن الحمد لله ربي مكني أن أهدئ نفسي، وأعرف كيف أتصرف”. وَتَابَعَ المقاتل “العصلب” قَائِلاً: “ضربت برجلي ثلاث مرات حتى فتح باب السيارة، ووضعت رجلي على الأرض ودست على لغم فانفجر، لَمْ أَدْرِ بنفسي بعد أن قمت وقعت على الأرض ثلاث مرات، عرفت أنه مستحيل أن أمشي، وعلمت أن قدمي أصيب بكسر كبير”. وأكمل: الشباب نزلوا وأخذ كل واحد موقعه، وكانوا يعتقدون أنني سليم، وقعت على الأرض، وقمت بصعوبة، في تلك الأثناء كنت خائفاً من الوقوع في الأسر؛ لِذَا أكملت الزحف لمسافة طويلة جداً”. قصة الجبل والمغارة والزحف 500كم وواصل “العصلب” وجدت جبلاً صغيراً به مغارة دخلتها، وأغمي علي ثم صحوت كانت الدنيا نهاراً، ثم أغمي علي ثانية ولم أُفق إلا بعد أن حل الظلام، وحاولت في المرة الأخيرة أرفع الإدرنالين ونبضات قلبي لأقاوم، وأكملت الزحف حتى وصلت لأخي وكان قريباً مني وحملوني وكنت في غيبوبة، ولم أتذكر شيئاً مما حدث بَعْدَ ذَلِكَ، لكن زملائي أخبروني أنني كنت أعض واحداً منهم، لا أدري هل من شدة الألم، أم أني كنت أريد الشهادة وَلَا تَزَال أثر العضة موجودة لدى زميلي. رفضت قرار البتر وَتَابَعَ العصلب، ذهبت لمُسْتَشْفَى نجران وقرروا بتر قدمي رفضت، وبعدها ذهبت إلى مدينة الملك سلطان الطبية، وأخبرني الطبيب المعالج أن حالتي تستوجب البتر، لكنه قَالَ سنعمل على العلاج بدون بتر، وخضعت لسبع عمليات جراحية في رجلي اليمنى”. وأَرْدَفَ، أُصبت بكسر مضاعف في الساق، وكسر في المفصل، وتهشم بالأصابع والقدم، وفتحات كبيرة بدون جلد، الأوردة والأربطة والعظام واضحة، وأواجه صعوبات في الأعصاب حيث أستطيع فقط تحريك إصبعي الكبير، وباقي الأصابع لا أستطيع تحريكها، وفقدت الإصبع الصغير في قدمي. أحاول الوقوف على قدمي واسترسل البطل “العصلب” الحديث قَائِلاً: “أحاول حَالِيَّاً الوقوف على رجلي؛ لأجل أن تسري الدماء فيها، وتعود الحركة للقدم وترجع إلى لونها الطَبِيعِيّ، والحمد لله بدأت تعود ولكن لَا تَزَال قدماي مشوهة، وتحتاج إلى عمليات تجميل، أخذوا من فخذي جلد وغطوا الفتحات، فتحة في الساق كبيرة، وأخرى بالقدم من تحت ومن فوق والحمد لله”. وقال “العصلب”: “للأسف ظهرت بكتيريا خارجية طافحة على الجلد عطلت العلاج، وَلَا تَزَال العظام بها كسور مضاعفة وتحتاج إلى تركيب شرائح، وأخضع الآن لجرعات عالية من المضاد الحيوي، كل أربع ساعات لمدة ستة أسابيع لعل البكتيريا تختفي بإذن الله. أمي تقول لي: لدي رجال وعقب البطل المقاتل قَائِلاً: ‘‘بعد الإِصَابَة الثَّانِية نزلت مقطع فيديو، أني سأعود لأرض المعركة، الهدف أن أوصل لأمي رسالة أني رجل قوي لحد الآن”. وحول موقف الأهل، أكَّدَ أن الأسرة والأهل يعرفون طبعي، وأنا أخدم بلدي، ويثقون بأني رجل أستطيع تقدير الموقف، والوالدة تحثني على الرباط، وأكثر واحدة تثني علي، وتقول لدي رجال، وهي وطنية من الدرجة الأولى. وفي ختام حديثه، أكَّدَ “العصلب” أن “المعنويات في الحد الجنوبي مُرْتَفِعَة جِدّاً، دَائِمَاً نهلل ونكبر، ودَائِمَاً متفائلون بالنصر.
مشاركة :