هاجمت قوات الأمن المصرية، الأسبوع قبل الماضي، مجموعة إرهابية كانت تتمركز جنوب طريق القاهرة - الواحات، ما أدى إلى مقتل 16 ضابطاً ومجنداً وجرح 13 من القوات نفسها، ومقتل 15 من العناصر الإرهابية. وتقوم حالياً قوات الشرطة والجيش بملاحقة من تبقى من الإرهابيين، وربما تكون وقعت أخطاء في جمع المعلومات أو التنسيق بين القوات، لكن أخطاء التغطية الإعلامية كانت الأكثر إثارة للجدل والنقاش، إذ تأخرت الجهات الرسمية في تقديم المعلومات والأخبار لساعات عدة، كانت كافية لظهور الإشاعات والأخبار غير الصحيحة أو المزوّرة Fake News عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تناقلتها وكالات أنباء دولية ومحطة «بي بي سي»، وبعض وسائل الإعلام المصرية والعربية. باختصار حدث نوع من الفوضى والارتجال في تغطية حادث الواحات إعلامياً، ربما كان الجديد فيه أمران، الأول انتشار تسجيلات صوتية عبر وسائل التواصل الاجتماعي لشخص يدعي أنه أحد الضباط الذين شاركوا في العملية يروي ما حدث بأسلوب ولغة تُمسرح الحدث في شكل عاطفي يثير المخاوف ويشكك في قدرات قوات الأمن. والغريب أن أحد مقدمي البرامج المشهور بتأييده الحكومة بثَّ التسجيل من دون أن يتحقق من صدقيته، إذ تبيَّن أنه غير صحيح ومفبرك. وبينما طالبت نقابة الإعلاميين الوليدة بإيقاف المذيع عن العمل لحين الانتهاء من التحقيق معه، أعلن أمين عام المجلس الأعلى للإعلام أنه «خطأ غير مقصود يستدعي الاعتذار»، وهو ما قام به المذيع في محاولة منه لاستعادة ثقة الجمهور. الأمر الثاني: تورّط وكالات أنباء دولية وقنوات أجنبية أشهرها «بي بي سي» في أخطاء مهنية وأخلاقية تشكك في ادعائها الحياد وتقديس الخبر، وربما تفضح تحيُّزها ضد مصادر الأخبار الرسمية، إذ استغلت الساعات الأولى التي أعقبت الحادث وبثت خبراً عن سقوط 53 قتيلاً من رجال الشرطة، ونسبته إلى مصادر أمنية، وتمسكت بهذه الرواية حتى بعد إعلان وزارة الداخلية عن الحصيلة النهائية للعملية وهي سقوط 16 فقط. والواقع أن أخطاء التغطية الإعلامية لحادث الواحات حوَت دروساً جديرة بالتأمل ويمكن الاستفادة منها في المستقبل، لأن المعركة مع الإرهاب وبخاصة في الساحة المصرية لن تنتهي قريباً، في ظل محاولات التنظيمات الإرهابية فتح جبهة الصحراء الغربية والتي تمتد نحو 1050 كيلومتراً، هي طول حدود مصر مع ليبيا المنهارة. والشاهد أن الحكومة المصرية تدرك منذ فترة التهديدات الأمنية والإستراتيجية المقبلة من ليبيا وتتعامل معها بجدية، لكن الأمر لا يخلو من اختراقات محدودة كان آخرها حادث الواحات، وبالتالي فإن هناك احتمالات لتعرّض مصر لهجمات إرهابية سواء في سيناء أو داخل الوادي والدلتا أو في الغرب، ما يعني ضرورة تجنب أخطاء التغطية الإعلامية، وتعلم بعض الدروس والاستفادة منها لتحقيق معادلة التوازن بين تقديم تغطية مهنية ومتوازنة تضمن حق الجمهور في معرفة الأخبار من جهة، ومنع الإرهابيين من الاستفادة من الإعلام في شكل غير مباشر في نشر خطابهم والدعاية لأنفسهم ونشر الخوف بين المصريين من جهة ثانية، ومراعاة متطلبات الأمن القومي والحرب على الإرهاب من جهة ثالثة، وهي معادلة صعبة فشل الإعلام المصري والعربي في تحقيقها أثناء تغطية معظم أخبار الإرهاب في المنطقة وعبر العالم. لذلك لا بد من مراعاة الاعتبارات التالية لتحقيق النجاح والفاعلية في تغطية الحوادث الإرهابية: أولاً: ضرورة وجود إستراتيجية إعلامية تقوم على التعاون والتنسيق بين الحكومة ووسائل الإعلام العامة والخاصة والمجتمع المدني، تحدد أهداف وأساليب تغطية الحوادث الإرهابية، والخطط التي يجب على أجهزة الحكومة ووسائل الإعلام الالتزام بها عند تعاملها مع الأنواع المختلفة للعمليات الإرهابية، والتي تشمل توفير المعلومات وتغليب مصالح الوطن على إحراز السبق الصحافي، وتوفير الحماية للإعلاميين أثناء تغطية أحداث العنف. ويشار هنا إلى جهود كثير من منظمات العمل العربي المشترك والجامعات لصياغة إستراتيجيات إعلامية لمواجهة الإرهاب، إلا أن غالبية تلك الجهود كانت نظرية ومجرد توصيات لم تعرف طريقها إلى التطبيق، كما أنها جاءت بناءً على جهود نظرية، ولم تعتمد على تجارب وممارسات إعلامية وطنية (قُطرية) أو عربية، ومن الأفضل في هذه المرحلة البدء بكتابة إستراتيجيات وطنية والتدريب عليها وتنفيذها ثم الحديث بعد ذلك عن إستراتيجية عربية موحدة. ثانياً: تتطلب إستراتيجية وخطط التغطية الإعلامية للعمليات الإرهابية إعداد وتدريب إعلاميين ورجال دولة قادرين على إدارة الأزمات الأمنية، والتعامل السريع مع الأحداث وتقديم أخبار ومعلومات دقيقة، فالسرعة لا تعني عدم الدقة، كما أن بث الأخبار أولاً بأول لا يهدّد سير العمليات الأمنية أو يهدّد الأمن القومي، شرط أن يكون هناك تنسيق وتعاون بين الإعلاميين ورجال الأمن والمسؤولين في الحكومة. في هذا السياق، فإن الصمت أو تأخير بث الأخبار والمعلومات يؤدي إلى الفشل في إدارة الأزمات الأمنية، كما أن تجاهل ما تطرحه وسائل التواصل الاجتماعي أو وسائل الإعلام الأجنبية وعدم التعامل معها بجدية وسرعة يقودان إلى مشكلات من الصعب التعامل معها. ثالثاً: الالتزام بالإفصاح والشفافية، لأن عصر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي وظهور المواطن الصحافي جعل من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، إخفاء الحقائق أو إنكار التعرض لهجوم إرهابي في مكان ما. لذلك فإن الدرس المهم الذي ثبت نجاحه في كثير من دول العالم هو أن يبادر الإعلام الوطني بتقديم الرواية الأولى لما قد تتعرض له البلاد من هجمات إرهابية، لأن صاحب الرواية الأولى يكسب معركة الإعلام دائماً وينجح في كسب العقول والقلوب، شرط أن تكون روايته صادقة ومنطقية، وفي صياغة إخبارية مجردة من العواطف وبعيدة مِن التهويل أو التهوين. رابعاً: ضرورة بناء وتعزيز الثقة والصدقية في مصادر الأخبار الرسمية، ما يدعم اعتماد الرأي العام الداخلي ووسائل الإعلام الأجنبية على هذه المصادر، وبالتالي تضييق فرص ظهور الإشاعات وانتشارها. من جانب آخر، لا بد من تدريب عدد من الناطقين الرسميين الشباب ليتمكنوا من التعامل مع وسائل الإعلام كافة والإجابة عن أسئلتها بوضوح، وتقديم التفسير للجوانب المختلفة لأي عملية إرهابية. أن التفسير المعتمد على المعلومات الصحيحة أصبح ضرورياً للارتقاء بالتغطية الإعلامية من مجرد نقل الخبر الطازج والسريع إلى الشرح والتحليل والاستشراف للإرهاب كظاهرة اجتماعية وسياسية عابرة للحدود الوطنية. وهنا يجب التصدي بحزم لانتشار ظاهرة الاستعانة بمن يطلق عليهم «خبراء» ومعظمهم ليست لديه معلومات أو قدرات على التحليل الأمني والإستراتيجي. خامساً: صياغة قواعد مهنية للعمل تتضمن ما يجب أن يلتزم به الإعلاميون في تغطية العمليات الإرهابية، منها عدم نشر صور أو أفلام تروج للجماعات الإرهابية أو تنقل ما تقوم به من عمليات قتل، وكذلك عدم نشر صور الضحايا أو القتلى أو بث إفادات شهود العيان وهم تحت تأثير الصدمة، واحترام مشاعر أسر الضحايا، والابتعاد عن المبالغة في التناول وعدم استخدام اللغة العاطفية أو الإيحائية، أو الخلط بين الرأي والمعلومة. في هذا الإطار كانت نقابة الصحافيين في تونس قد رفعت شعاراً يحتاج إلى نقاش وهو «لا حياد إعلامياً مع الإرهاب». سادساً: إنشاء مراصد إعلامية مستقلة تحلل التغطيات الإعلامية للحوادث الإرهابية لتسجيل مظاهر الخلل في الأداء المهني وانتهاكات مواثيق الشرف الإعلامي وقواعد تغطية الحوادث الإرهابية، وطرح حلول لكيفية معالجة الخلل وتطوير الأداء الإعلامي. ومن الضروري أن يشمل عمل تلك المراصد الأداء الإعلامي للحكومة والأجهزة الأمنية، وهل قامت بتزويد الإعلام والرأي العام بالمعلومات والأخبار في الوقت المناسب، وفي شكل كافٍ للإجابة عن التساؤلات المرتبطة بالحادث الإرهابي؟ وهل حدث تضارب بين جهات الدولة في تقديم بعض المعلومات والأرقام؟ * كاتب مصري
مشاركة :