تحرير كركوك أم تحرير العراق بقلم: حامد الكيلاني

  • 11/1/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

صحوة مسعود البارزاني وقطاع واسع من الشعب الكردي لنوايا المشروع الإيراني جاءت بعد اختبار 14 سنة من العلاقات وتقاسم السلطات بنظام المحاصصة سيء الصيت.العرب حامد الكيلاني [نُشر في 2017/11/01، العدد: 10799، ص(9)] لم نتوقع من رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني في كلمة تنحيه عن منصبه أن يقول “لم تكن لدينا نية في إعلان الاستقلال مباشرة وإن نية الإقليم كانت طيبة عند إجراء الاستفتاء”. ويؤكد في ذات الكلمة أن حكومة بغداد كان لديها برنامج جاهز لضرب كردستان، أما الاستفتاء فهو ذريعة. ولم نتوقع تراجعه عن الذهاب بعيدا بعد الاستفتاء مطالبا بالاستقلال، لأننا كنا على ثقة أن خطوة البارزاني أو الإقليم على إجراء الاستفتاء تمت في محيط محلي ودولي رافض يدعو إلى التأجيل والتروي. حكومة حزب الدعوة في بغداد على خلاف صريح. إيران وتركيا تبديان مواقف رافضة معلنة وتطلقان التهديدات. ومواقف الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية تقف مع تجنيد كافة الجهود لمحاربة الإرهاب. الرسائل جميعها لم تكن غامضة في تحذير رئاسة الإقليم من التوقيت الخاطئ للاستفتاء، رغم أنها تؤكد على حق الشعب الكردي في ممارسة الديمقراطية دون المس بمصالح الآخرين. مسعود البارزاني داس على تلك الحقائق الموضوعية، حاملا راية الأكراد كقائد تاريخي من زمن الحركات الثورية الرومانسية، التي تفتح صدور الشباب المقاتلين ليتحملوا أوزار مفهوم الحرية والموت من أجل المبادئ العظيمة، وهي في مثالنا حلم الدولة الكردية. مثل هذه الصورة لا تجانب الحقيقة، فحصاد الاستفتاء لا علاقة له بالغيب، أو عدم استشعار المخاطر، أو من باب الأخطاء الكبرى لزعماء ساقتهم الظروف منذ طفولتهم ليكونوا في موقع المسؤولين عن مصائر شعوبهم. كان على مسعود البارزاني أن يتجرأ على الخطوة العملاقة في إعلان الاستقلال ولو ليوم واحد أو لساعات في انتظار ردود الفعل الدولية، ثم الاستجابة السريعة لمطالب المجتمع الدولي بالتراجع عن الاستقلال وحتى الاستفتاء والانصياع بالكامل للوقائع السياسية التي تجنبه انفعالات البرامج والمخططات الصريحة الموضوعة للتنفيذ على حد قوله. وكانت غلته من حصاد إستراتيجيته الدراماتيكية ستكون أكبر بكثير من مجرد تصويت 92 بالمئة من الشعب الكردي على الانفصال أو الاستقلال عن العراق. تكتيك سياسي ممكن مع خطاب ناضج، يستقرئ الخلل في النظام السياسي العراقي المهلهل، والمصاب بتخمة من غرور القادة، بعد توظيف الانتصارات العسكرية وما تحقق من دحر لإرهاب داعش على حساب تدمير المدن وقتل الأبرياء وتشريدهم والعبث بكرامتهم. التراجع عن نية الاستقلال، حتى ولو بالكلمات، يفقد البارزاني قيادته التاريخية للأكراد، رغم استدراكه بالعودة إلى صفوف البيشمركة مقاتلا ومناضلا، وبما تثيره هذه العودة من تحليلات لن تتوقف عند المعاني الاعتبارية لنهاية الخدمة في رئاسة الإقليم. تحقيق الحلم الكردي بالاستفتاء والاستقلال الذي يتبعه، وإن كان إعلاميا، إلا أن ثماره لا تقدر بثمن على مستقبل الأكراد في العراق، أو على جغرافيتهم الموحدة والمقسمة بالحدود السياسية على أربع دول. كما لو أنه جرس تنبيه متكرر، ومناسبة وطنية يعاد الاحتفال بها كل عام، للتذكير بأن الحال القائم هو إذعان للعيش بأمان تلافيا للاضطهاد وممارسات القمع المعروفة جدا في حاضر حكم العراق. استفتاء كردستان وتداعياته يراها الكثيرون غير منطقية، بحساب الإجراءات والتحليلات، لكنها إنسانية من منظور الحاجات الأساسية لحياة الشعوب وتطلعاتها بعيدا عن سلوك الكتل الكبيرة، أو اعتبارات الأمن القومي، أو خرقا لسقف سلطتها، حتى لمجرد عدم الاستجابة لإيماءة أو إشارة، كما ورد في تحليل أو تعليق للسفير زلماي خليل زاده عندما فسر ما حدث في كركوك والمناطق الأخرى أنها نتيجة لرفض النصيحة أو الطلب الأميركي بالتأجيل لما بعد الحرب على داعش. غياب المناورة في الخطاب الكردي على منصة السياسة الدولية والإقليمية أفقد الأكراد لحظتهم الفارقة في فضح ما يراد بالإقليم ومواطنيه بمن لجأ إليه هربا من الملاحقات الطائفية، أو نتاج ومحصلة لما بين سطور الحرب على الإرهاب وصراع النفوذ في المنطقة. صحوة البارزاني وقطاع واسع من الشعب الكردي لنوايا المشروع الإيراني جاءت بعد اختبار 14 سنة من العلاقات وتقاسم السلطات بنظام المحاصصة سيء الصيت، ورهان داخلي على أخوة الدم مع حزب الاتحاد الوطني الكردستاني أو مع حزب التغيير أو الحزب الإسلامي، الذين انتابهم الخجل من عدم التصويت، وفي الساعات الأخيرة قرر عدد منهم الإدلاء بأصواتهم حتى لا يخسروا رصيدهم عند شعبهم، لكن الانقسام بمرجعيته التاريخية القريبة عاد ليفرض واقعا لا خيار فيه، إما بالاستسلام لإرادة السياسة الطائفية وبنادقها الميليشياوية وإما بتدمير المدن الكردية، كما هي شواهد الموصل القريبة جدا من ذاكرة وجغرافية الأكراد. شخصيات من حزب التغيير تتعاطى مع مسعود البارزاني وقرار الاستفتاء بتعالي فكري جربناه في تاريخ العراق السياسي لجذورهم اليسارية أو الماركسية، كأنهم في حالة تربص دائم للسخرية من كل قرار أو رأي للقيادة الكردية في تقمص لدور المعارضة الشعبوية، رغم أن مرجعيتهم الثقافية كان يمثلها الراحل نوشيروان مصطفى بمؤلفاته وسلوكه المتواضع المحبب عند من عرفه من الأكراد. الشطر التقليدي الآخر للواقع السياسي الكردي فرط بوحدة المجتمع الكردي، عندما فرط بنموذجه المتجذر في الطرق الصوفية الإسلامية، وهو جذر مشترك في تاريخ الحركة الكردية بين الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني، لكن الأخير وبرحيل زعيمه جلال الطالباني عن منصبه كرئيس للعراق، وثم رحيله الجسدي، فقد العنصر الأهم من صلته الشخصية بمصطفى البارزاني المتفق عليه في أبوته للأحزاب وحركات التحرر الكردية. الهجوم على المقرات الحزبية في دهوك وزاخو، ومع أنه رد فعل غاضب لتنحي الرئيس مسعود البارزاني، الذي أعلن منذ مدة ليست بالقصيرة عن عدم ترشحه لأي انتخابات قادمة، إلا أن توصيفات الخيانة في ليلة اقتحام كركوك لن تمحى من التاريخ الحديث للشعب الكردي، وقطعت بالدليل تلك العلاقة المترنحة بين الأكراد وإيران، وتركت الباب مفتوحا باتجاه واحد مع حزب عائلة الطالباني أو مع مسلسل المندسين. هل ستطلق حكومة العبادي قواتها، بما فيها ميليشيات الحشد، في إقليم كردستان بحجة حماية المقرات الحزبية وأمن المواطنين الأكراد. ماذا عن بذور الفتن في حاضر السياسة العراقية من نواب وساسة وجدوا في التحولات مع الإقليم أرضا خصبة لحصاد نوعي من الصراعات قبل الانتخابات البرلمانية المقررة في 12 مايو 2018 وأخطرها التلميح لخروقات أمنية في بغداد والمحافظات. ما لا يمكن تجاهله هو أن الإقليم استقبل مئات الآلاف من اللاجئين السوريين في معسكرات دوميز وغيرها، وسمح لعرب العراق الهاربين من الإبادات الإرهابية والطائفية بالدخول إلى مدنه. لكن ما لا يمكن تفهمه هو الانفصام في الموقف العام من استعادة وتحرير كركوك ونفط كركوك من المحتل الكردي، بينما بغداد محتلة والعراق بأسره محتل من النظام الإيراني. كاتب عراقيحامد الكيلاني

مشاركة :