أول سطر في قصة (الوعد ـ المؤامرة)، يكشف عن توافق بريطاني أمريكي على المؤامرة والهدف والمطامع.. ولم تكن النوايا خافيه منذ أن منح وزير الخارجية البريطاني، آرثر جيمس بلفور لليهود، في 2 نوفمبر / تشرين الثاني 1917 ، (وعدا) من 67 كلمة فقط، في نسخته الإنجليزية، وفي نصه المترجم للعربية 84 كلمة .. وكان بداية تغيير مجرى التاريخ في منطقة الشرق الأوسط.. الوعد «اللعنة» على المنطقة العربية، وهي لا تزال تعاني من آثاره بعد اغتصاب تاريخ وجغرافية دولة عربية في القلب من الوطن العربي (فلسطين) .. وتبدو الإشارة إلى وعد بلفور في نص وثيقة الاستقلال المعلنة مع قيام دولة إسرائيل، دليلا فصيحا على أهمية هذا الوعد بالنسبة لليهود، حيث نقرأ في هذه الوثيقة: «الانبعاث القومي في بلد اعترف به وعد بلفور». صياغة وعد بلفور استغرقت 4 أشهر قبل الوصول إلى الصيغة النهائية، وذلك بعد مفاوضات استمرت ثلاث سنوات دارت بين الحكومة البريطانية من جهة، واليهود البريطانيين والمنظمة الصهيونية العالمية من جهة أخرى، واستطاع من خلالها الصهاينة إقناع بريطانيا بقدرتهم على تحقيق أهداف بريطانيا، والحفاظ على مصالحها في المنطقة..وحرصت وزارة الخارجية البريطاني ـ في تلك المرحلة ـ على الاقتضاب في تصريحاتها، وتحاشي التفاصيل، والاعتماد على العبارات المطاطية. وفي ما يلي نص الرسالة: وزارة الخارجية في الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني سنة 1917 عزيزي اللورد روتشيلد يسرني جدا أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته، التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرته: « إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جليا أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى..وسأكون ممتنا إذا ما أحطتم الاتحاد الصهيونى علما بهذا التصريح» !! تصريح بلفور أعطى وطنا لليهود وهم ليسوا سكان فلسطين، حيث لم يكن في فلسطين من اليهود عند صدور التصريح سوى 30 ألفا فقط من أصل عدد اليهود في العالم حينذاك، والذي كان يقدر بحوالي 12 مليونا، في حين كان عدد سكان فلسطين من أبنائها في ذلك الوقت يناهز 650 ألفا من المواطنين الذين كانوا، ومنذ آلاف السنين يطورون حياتهم في بادية وريف ومدن هذه الأرض، ولكن الوعد المشؤوم تجاهلهم ولم يعترف لهم إلا ببعض الحقوق المدنية والدينية، متجاهلا حقوقهم السياسية والاقتصادية والإدارية. في 11 ديسمبر/ كانون الأول 1917 أي بعد أسابيع فقط من الوعد، دخلت الجيوش البريطانية بقيادة «الجنرال ألنبي» القدس، الذي قال عبارته الشهيرة: «الآن انتهت الحروب الصليبية»، وفي مؤتمر فرساي يناير 1919 قدمت الحركة الصهيونية خطة تنفيذ مشروع استيطان فلسطين، ودعت إلى إقامة وصاية بريطانية لتنفيذ وعد بلفور، وأن تشمل حدود فلسطين ضواحي صيدا ومنابع الليطاني ونهر الأردن وحوران وشرق الأردن والعقبة وأجزاء من صحراء سيناء المصرية. توافق أمريكي ـ بريطاني على «الوعد المشؤوم» وكانت الحكومة البريطانية قد عرضت نص «وعد بلفور» على الرئيس الأمريكي ولسون، ووافق على محتواه قبل نشره، ووافقت عليه فرنسا وإيطاليا رسميا سنة 1918، ثم تبعها الرئيس الأميركي ولسون رسميا وعلنيا سنة 1919، وكذلك اليابان، وفي 25 إبريل/ نيسان سنة 1920، وافق المجلس الأعلى لقوات الحلفاء في مؤتمر سان ريمو على أن يعهد إلى بريطانيا بالانتداب على فلسطين، وأن يوضع وعد بلفور موضع التنفيذ حسب ما ورد في المادة الثانية من صك الانتداب، وفي 24 يوليو /’تموز عام 1922 وافق مجلس عصبة الأمم المتحدة على مشروع الانتداب الذي دخل حيز التنفيذ في 29 سبتمبر/ أيلول 1923، وبذلك يمكننا القول إن وعد بلفور كان وعدا غربيا وليس بريطانيا فحسب !! وفي العام 1918، صادق الرئيس الأمريكي (ولسون) رسميًا على وعد (بلفور) وقال: «أغتنم الفرصة لأعبر عن الارتياح الذي أحسست به نتيجة تقدم الحركة الصهيونية في الولايات المتحدة والدول الحليفة منذ إعلان السيد بلفور باسم حكومته عن موافقتها على إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، ووعده بأن تبذل الحكومة البريطانية قصارى جهدها لتسهيل تحقيق ذلك الهدن في حين صدر إعلان الانتداب على فلسطين في مؤتمر «سان ريمو» في 31 مايو/ آيار 1920، وعُين البريطاني الصهيوني «هربرت صموئيل» مندوبًا ساميًا في القدس، وكان وزيرًا للداخلية البريطانية ومتعاطفًا مع الصهاينة. وبعد ثلاثة أيام فقط من إعلان صك انتداب بريطانيا على فلسطين، كشفت بريطانيا عن مضمون وعد بلفور، واحتج الفلسطينيون وحدثت اشتباكات لأول مرة بين الحرس البريطاني وأصحاب الأرض من الفلسطينيين، وأصدرت بريطانيا أوامرها إلى الإدارة العسكرية البريطانية الحاكمة في فلسطين، أن تطيع أوامر اللجنة اليهودية التي وصلت إلى فلسطين في ذلك الوقت برئاسة حاييم وايزمن خليفة هرتزل، وكذلك عملت على تحويل قوافل المهاجرين اليهود القادمين من روسيا وأوروبا الشرقية إلى فلسطين، ووفرت الحماية والمساعدة اللازمتين لهم. ولم يستسلم الشعب الفلسطيني للوعود والقرارات البريطانية والوقائع العملية التي بدأت تفرض على الأرض من قبل الحركة الصهيونية وعصاباتها المسلحة، بل خاض ثورات متلاحقة، كان أولها ثورة البراق عام 1929، ثم تلتها ثورة 1936. (الوعد ـ المؤامرة) مثّل سابقة في تاريخ العلاقات الدولية، على حساب الشعب العربي الفلسطيني.. ودشن آخر جيوب الاستعمار في العالم، واقتلاع أمة بأكملها من ديار أجدادها، ليستمر تدمير أجيال عدة من الفلسطينيين بعد عقود من الزمن.. بعد أن تمكن اليهود من استغلال تلك القصاصة الصادرة عن آرثر بلفور المعروف بقربه من الحركة الصهيونية، ومن ثم صك الانتداب، وقرار الجمعية العامة عام 1947، القاضي بتقسيم فلسطين ليحققوا حلمهم بإقامة إسرائيل في الخامس عشر من مايو/ أيار عام 1948، وليحظى هذا الكيان (المشروع الصهيوني) بعضوية الأمم المتحدة بضغط الدول الكبرى، ولتصبح إسرائيل أول دولة في تاريخ النظام السياسي العالمي التي تنشأ على أرض الغير، وتلقى مساندة دولية جعلتها تعربد في المنطقة، وتتوسع وتبتلع المزيد من الأراضي الفلسطينية والعربية، وتبطش بمن تبقى من الشعب الفلسطيني على أرضه دون رحمة ؟!! شارك هذا الموضوع:اضغط للمشاركة على تويتر (فتح في نافذة جديدة)انقر للمشاركة على فيسبوك (فتح في نافذة جديدة)اضغط للمشاركة على Google+ (فتح في نافذة جديدة)
مشاركة :