بوتين أشبه بالشرير في أفلام جيمس بوند

  • 11/1/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

تأليف: هيلاري كلينتونترجمة وإعداد: محمد أمين | البعض يمتلك جهاز مناعة قوياً، بينما كان البعض الآخر أقل حظاً، حيث ضعف جهاز مناعته بسبب الإصابة أو المرض، وأصبح عرضة لشتى أنواع العدوى، التي من السهل على أصحاب المناعة القوية مقاومتها والتغلب عليها، وحين يحدث ذلك لشخص تحبه، يصبح أمراً رهيباً أن تنظر إليه. الجسم السياسي يعمل بالطريقة ذاتها، وديموقراطيتنا تتمتع بدفاعات ذاتية تجعلها قوية وصحية، بما في ذلك دستورنا. لقد اعتقد آباؤنا المؤسسون أن أحد أهم الدفاعات يستند إلى المواطن الواعي القادر على إصدار الأحكام الصحيحة بناء على الحقائق والمنطق، وفقدان ذلك هو أشبه بفقدان جهاز المناعة، بحيث يجعل الديموقراطية عرضة لكل أشكال الهجمات، والديموقراطية ــ مثل الجسد ــ لا يمكن أن تظل قوية إذا تعرضت للإصابات بشكل متكرر. الحقيقة البديلة في عام 2016، تعرضت ديموقراطيتنا إلى هجوم من عدو استهدف تضليل شعبنا وتأجيج انقساماتنا، وتوجيه الانتخابات لمصلحة المرشح المفضل له، وقد نجح الهجوم بسبب تآكل جهاز مناعتنا عبر السنين، لقد فقد كثير من الأميركيين ثقتهم بالمؤسسات، كالحكومة والمؤسسات التعليمية والصحافة، مما جعلهم عرضة لحملات التشوية والتضليل. وهناك أسباب كثيرة لحدوث ذلك، أحدها أن مجموعة صغيرة من المليارديرات اليمينية، من أمثال عائلة ميرسر وتشارلز وديفيد كوش، اكتشفوا منذ وقت طويل أن «الحقيقة تنحاز إلى الليبرالية». وبشكل عام، بذل اليمين الكثير من الجهد والمال لبناء ما يسمى بـ«الحقيقة البديلة». لقد عجّت انتخابات 2016 بالأكاذيب والأخبار المصطنعة ومعاداة الأجانب، ونظريات المؤامرة السوداء، التي التقطها أحد مرشحي الرئاسة من المجلات الشعبية والإنترنت. لقد تفادى هذا المرشح أي انتقادات من خلال مهاجمة الآخرين بحقائق مصطنعة. لقد مزج بين الأخبار والتسلية وتلفزيون الواقع والحقيقة. مسار مستقل وكانت علاقتنا سيئة لفترة طويلة. فبوتين لا يحترم النساء ويمقت كل من يقف في وجهه، أي أن مشكلتي معه مزدوجة، فبعد أن انتقدت إحدى سياساته، قال للصحافة إن «من الأفضل عدم الدخول في جدل مع امرأة»، ومع ذلك وصفني بأني ضعيفة. وأضاف مازحاً «ربما لا يكون الضعف من الصفات الجيدة للمرأة». ومع ذلك، فإن بوتين ما زال يحترق عما يعتبره إهانات التسعينات، حين فقدت روسيا جمهوريات الاتحاد السوفيتي وأشرفت إدارة كلينتون على توسيع الناتو شرقاً. وساءت الأمور أكثر بيننا حين كنت وزيرة للخارجية. حين تولى الرئيس أوباما السلطة عام 2009 تبادل بوتين المناصب مع رئيس وزرائه ديمتري مدفيديف للتحايل على الدستور الروسي. وكان من المفاجئ أن يتخذ مدفيديف مساراً مستقلاً نوعاً ما، ورغبة في تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة. وكنا نعلم أن بوتين لا يزال هو مصدر السلطة الحقيقي، لكننا حاولنا إيجاد مساحات اهتمام مشترك قد يكون من الممكن تطوير العلاقات فيها. وبالفعل، أحرزنا نجاحات كثيرة من ضمنها التوقيع على معاهدة جديدة للحد من الأسئلة النووية وفرض عقوبات على إيران وكوريا الشمالية وخط إمدادات لقواتنا في أفغانستان وزيادة الاستثمارات والتجارة وتوسيع التعاون في مكافحة الإرهاب. وفي ربيع عام 2011، وافق مدفيديف على الامتناع عن التصويت على مشروع قرار يسمح باستخدام القوة لحماية المدنيين في ليبيا من معمر القذافي، وهو القرار الذي أثار غضب بوتين آنذاك. تعاون براغماتي اتفقنا، الرئيس أوباما وأنا، على ان السعي للتعارف البراغماتي مع روسيا بشأن قضايا معينة لا يتعارض مع الدفاع عن قيمنا وإبداء التأييد للتطلعات الديموقراطية للشعب الروسي. وشعرت بالمسؤولية بالحديث ضد قمع الكرملين لحقوق الإنسان في روسيا، ولا سيما تخويف وقتل الصحافيين والمعارضين السياسيين. في أكتوبر 2009، كنت في موسكو وأجريت مقابلة مع إحدى القنوات المستقلة القليلة التي لا تزال باقية في البلاد، وعبرت فيها عن تأييدي لحقوق الإنسان والمجتمع المدني، وقلت إنني أعتقد أن الكثير من الروس يرغبون في أن يروا أفراد عصابات الإجرام التي تهاجم الصحافيين، ماثلة أمام العدالة. وكنت أعلم أن بوتين لن يكون سعيداً لذلك، لكني شعرت أن الولايات المتحدة إذا قبلت بالتزام الصمت حيال هذه القضايا، فسوف تكون لمثل هذا القرار تداعياته، ليس فقط على روسيا، بل على أماكن أخرى حول العالم. ثورات الألوان جهاز المخابرات الروسي «كي.جي.بي» علمّ بوتين أن يكون مرتاباً من الجميع، بيد أن متاعب روسيا في التسعينات و«ثورات الألوان» بعد عام 2000، حيث سلسلة الانتفاضات الشعبية، التي أطاحت الأنظمة السلطوية في عدد من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، نقلته من موقع الشك في الآخرين إلى موقع الخوف من الآخر، وأصبح يرى في المعارضة الشعبية خطراً وجودياً. وحين سمعني وعدد من الزعماء الغربيين الآخرين نعبّر عن تأييدنا للمجتمع المدني في روسيا، اعتبر ذلك مؤامرة لإضعافه. وقد حانت اللحظة الحاسمة بالنسبة لبوتين في عام 2011، فقد أعلن في شهر سبتمبر من ذلك العام أنه سوف يترشح لمنصب الرئيس ثانية. وفي شهر ديسمبر انتشرت تقارير على نطاق واسع، عن تزوير في الانتخابات البرلمانية، الأمر الذي أثار احتجاجات محلية وتنديداً عالمياً، وفي مؤتمر عقد في ليتوانيا، وركز على تعزيز الديموقراطية وحقوق الإنسان في أوروبا، عبّرت عن مخاوف أميركا على حقوق الإنسان في روسيا، وقلت إن «الشعب الروسي ــ شأنه شأن أي شعب آخر ــ يستحق أن يُسمع صوته، وهذا يعني أنهم يستحقون انتخابات حرة ونزيهة وشفافة وزعماء يكونون مسؤولين أمام شعبهم». وكان عشرات الآلاف من الروس قد خرجوا إلى الشوارع وهتفوا «بوتين لص»، في تحدٍّ غير مسبوق لقبضته الحديدية. واعتقد بوتين، الخائف أكثر من أي وقت مضى، أنها مؤامرة حاكتها واشنطن، وألقى باللائمة عليَّ تحديداً، زاعماً أنني «أعطيتهم الإشارة». لهجة عدائية تجاوز بوتين تلك الاحتجاجات، وفاز في الانتخابات، لكن أصبح الآن، يخوض الانتخابات وهو في حالة فزع وغضب. لقد نشر في خريف 2011 مقالة يعد فيها باستعادة مكانة روسيا الإقليمية والدولية، واعبترت ذلك خطة لإعادة مجد الاتحاد السوفيتي الضائع، وقلت ذلك علناً، وحين عاد بوتين إلى الحكم، بدأ يسعى إلى وضع خطته موضع التنفيذ، فقد عزز قبضته على السلطة، وشن حملة ضد ما تبقى من معارضة محلية، وبدأ يتحدث بلهجة عدائية ضد الغرب، ويعرب عن ضغينة شخصية ضدي. وقد حذرت الرئيس أوباما في سلسلة من المذكرات أن الأمور في روسيا تتغير، ويتعين على الولايات المتحدة أن تتخذ موقفاً أكثر صرامة تجاه بوتين. وقلت للرئيس إن علاقاتنا مع روسيا مرشحة إلى التدهور قبل أن تتحسن، وإننا بحاجة إلى أن نوضح لبوتين أن قيامه بخطوات عدائية ستكون لها عواقبها. العبقري والمتلوّن لقد اتجهت علاقات الولايات المتحدة بروسيا نحو مزيد من السوء أثناء ولاية الرئيس أوباما الثانية، وبعد مغادرتي موقعي كوزيرة للخارجية، لا سيما بعد إقدام روسيا على احتلال جزيرة القرم وضمها. أما بالنسبة للتدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية، فكان الأمر غريباً منذ البداية. فلماذا يبعث دونالد ترامب باستمرار القبلات الهوائية لبوتين؟ ولماذا يواصل الثناء عليه كزعيم «يحظى باحترام شديد في بلاده وخارجا»، وأبدى ارتياحه لوصف بوتين له بـ«العبقري»، مع أن الوصف الحقيقي لترامب هو «المتلوِّن»! وكان لافتاً أن يدافع ترامب عن الاتهامات الموجهة لبوتين بتصفية صحافيين، قائلاً: «على الأقل فهو زعيم، وليس مثل ما لدينا في بلادنا». وأضاف: «أعتقد أن هناك الكثير من عمليات القتل في بلادنا أيضاً». ولم يكن أحد ليتخيل أي مرشح رئاسي أميركي يشوه سمعة بلاده، كما فعل ترامب، أو يجري أي مقارنة بين الديموقراطية الأميركية والسلطوية الروسية، فلا عجب إذاً أن يحظى ترامب بحب بوتين. تحويل واشنطن إلى موسكو لقد كنت أتساءل بدهشة: «ما الذي يحدث هنا؟»، إنه أمر خارج مألوف السياسات الأميركية، لا سيما بالنسبة لرجل يعتبر نفسه جمهورياً، فكيف لهذا الحزب الذي أنجب رونالد ريغن أن يصبح حزب بوتين؟ وأظن أن هناك ثلاثة تفسيرات محتملة لهذا «الحب» بين بوتين وترامب. الأول، أن لدى ترامب هوساً غريباً بالطغاة والقادة الأقوياء. فقد امتدح كيم جونغ أون لقدرته على الإمساك بزمام السلطة والقضاء على المعارضين، وامتدح مجزرة تيان انامني ضد الطلبة العزل في الصين عام 1989، قائلا انها تعكس قوة النظام. فالقوة هي كل ما يهم ترامب ولا يعبأ لحقوق الإنسان، وبوتين يفكر بالطريقة ذاتها، وان كان بطريقة استراتيجية. والمشكلة ان ترامب ليس فقط معجبا ببوتين، بل يريد أن يقلده بحيث يصبح زعيما سلطويا أبيض يستطيع اخماد المعارضين وقمع الأقليات واستغلال الناخبين واضعاف الصحافة وجمع الملايين لنفسه. انه يحلم بتحويل واشنطن الى موسكو! ترامب يُطرب بوتين ثانيا، على الرغم من تجاهله وجهله بمعظم القضايا السياسية الخارجية، لدى ترامب رؤية للعالم تنسجم مع أجندة ترامب. فهو متشكك من حلفاء واشنطن ولا يعتقد أن القيم يجب ان تلعب دوراً في السياسة الخارجية. ولا يبدو أنه يعتقد ان الولايات المتحدة يجب أن تواصل حمل راية زعامة العالم. لقد انفق ترامب عام 1987 مائة ألف دولار على اعلانات في صحف واشنطن بوست ونيويورك تايمز وبوسطن غلوب لانتقاد السياسة الخارجية لرونالد ريغان ومطالبة واشنطن بالتوقف عن الدفاع عن الحلفاء الذين يجب ان يتولوا المسؤولية عن أنفسهم بأنفسهم، وقال ان العالم يستفيد من الولايات المتحدة ويضحك علينا. وبعد ثلاثين عاما، ما زال يكرر المواقف ذاتها. وكل ذلك يُطرب آذان بوتين، فالهدف الاستراتيجي الأبرز للكرملين هو اضعاف الناتو وتقليص النفوذ الأميركي في أوروبا وترك القارة الأوروبية نهباً للهيمنة الروسية. ولا يمكن لبوتين أن يطلب من ترامب ما هو أفضل من ذلك. علاقات تجارية ثالثاً، يبدو أن علاقات مالية واسعة تربط ترامب بروسيا، وهذا ما اعترف به ابنه دون عام 2008. وفي عام 2013، قال ترامب في مقابلة مع ديفيد ليترمان ان لديه «علاقات تجارية كبيرة مع الروس». وكشف الصحافي البارز الذي يغطي لعبة الغولف جيمس دودسون ان اريك ترامب أبلغه «نحن لا نعتمد على البنوك الأميركية، بل نحصل على ما نحتاجه من تمويل، من البنوك الروسية». حين سأل السيناتور انغوس كينغ مدير اف بي آي السابق جيم كومي: «هل كان التدخل الروسي في انتخابات عام 2016 لمرة واحدة فقط، أم انها استراتيجية طويلة المدى وانهم سوف يعودون؟» أجاب كومي «انهم سوف يعودون، والأمر لا يقتصر على الديموقراطيين والجمهوريين، انه شأن يطال الولايات المتحدة بأسرها». أسوأ من ووترغيت وأضاف: «نحن نتحدث عن حكومة أجنبية تستخدم تقنية تدخل بأساليب مختلفة وحاولت صوغ طريقة تفكيرنا وتصويتنا وتصرفنا. هذا أمر خطير ويجب أن يعي الناس ذلك.. انهم يستهدفون أميركا وليس حزبا بعينه». وحين سئل الجنرال المتقاعد في سلاح الجو ابان عهد ريتشارد نيكسون جيم كلابر في يونيو 2017 عن الفارق بين الفضيحة الروسية الأخيرة وفضيحة ووترغيت، قال: «عشت فصول ووترغيت. بل كنت أعمل في القاعدة الجوية ذاتها كضابط شاب. لقد كانت أياما مرعبة. ولكن حين نقارن بين الفضيحتين، أجد أن ووترغيت تتضاءل مقارنة بالفضيحة الروسية». (يتبع) العدوى الروسية والآن، وقد أصابنا الرس بالعدوى، واكتشفوا مدى ضعف دفاعاتنا، وقد تنضم إليهم قوى أخرى، وسوف يواصلون استهداف أصدقائنا وحلفائنا، وهدفهم النهائي هو إضعاف ــ وربما تدمير ــ الديموقراطية الغربية ذاتها. وهذا يجب أن يثير قلق كل الأميركيين. صحيح أن الانتخابات انتهت، ولكن لدينا انتخابات جديدة قريباً، وهناك الكثير حول الدور الروسي لم نعرفه بعد، فالتحقيقات ما تزال جارية، والرواية تتغير يومياً، لقد نفى ترامب وحلفاؤه الاتهاماتبارتكاب أية مخالفة، لكن يمكن للمرء أن ينظر إلى الأمور بنفسه ليكتشف، ولكن الشيء الذي لا يرقى إليه أي شك هو أن أي تدخل أجنبي في الانتخابات هو أمر خاطئ. وأن ما نواجهه من الخارج والداخل يمثل خطراً ليس فقط على حملة انتخابية أو حزب أو انتخابات بعينها، بل على البلاد بأسرها. صبيٌ مملّ شبه الرئيس أوباما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ذات يوم بذلك «الصبي الممل في آخر مقاعد الصف». لقد التقيت بوتين أكثر من مرة وبدا لي كواحد من أولئك المشاغبين الذين يجلسون في محطة القطار ويمدون أرجلهم كثيراً إلى الأمام ويعيقون مسير غيرهم وكأنه يقول لك: «سوف آخذ ما أريد وأنا لا أحترمك كثيراً وسوف أتصرف كأنني أسترخي في معطف الحمام». هذا هو بوتين. لقد تعاطيت مع الكثير من القادة الرجال في حياتي، لكني لم أجد أحداً على شاكلة بوتين، فهذا الضابط السابق في جهاز المخابرات السوفيتي (كي جي بي) متورط في أعمال عنف منها ما خلصت إليه التحقيقات البريطانية في اغتيال أحد معارضيه في لندن قبل سنوات. لقد أصبح بوتين في تصرفاته أشبه بالشرير في أحد أفلام جيمس بوند – ولكن كثيراً ما يساء فهمه أو يتم التقليل من شأنه، وقد قال جورج دبليو بوش عنه ذات يوم «انك إذا نظرت إلى عيني بوتين فسوف تكتشف انه إنسان مستقيم وجدير بالثقة، ويتمتع بقلب طيب». وكنت أقول في نفسي إن «هذا الرجل كان جاسوساً في كي جي بي ولا قلب له»، وأظن أن ذلك لم يعجب بوتين.

مشاركة :