كان "وعد بلفور" مؤلفاً من 67 كلمة بالإنجليزية كُتبت في بلاد بعيدة قبل مئة عام. ولكن بالنسبة للإسرائيليين والفلسطينيين، فقد ساهمت في تشكيل مسار حياتهم. وتحل، اليوم الخميس، الذكرى المئة لـ "وعد بلفور"، عندما قال وزير الخارجية البريطاني في حينه آرثر بلفور إن حكومته "تؤيد إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين" في الثاني من نوفمبر 1917. ويختلف الفلسطينيون والإسرائيليون في نظرتهم إلى "وعد بلفور" بعد مرور قرن كامل عليه، إذ يشيد به المحتل الاسرائيلي بوصفه أحد العوامل التي ساعدت على قيام كيانه عام 1948 على أرض مغتصبة من الفلسطينيين، وتشجيع آلاف اليهود على الهجرة إليها. وقد وصفه نائب وزير إسرائيلي، مايكل أورين، مؤخرا بأنه "علامة فارقة للدبلوماسية الصهيونية". لكن بالنسبة للفلسطينيين، ساهم هذا الوعد في مأساة سلب أرضهم؛ ما أدى إلى النكبة عام 1948، بتهجير نحو 760 ألف فلسطيني بسبب مطاردة القوات اليهودية لهم أو طردهم من قراهم. وجرى تدمير 400 قرية، فيما يستمر احتلال جزء كبير من أراضيهم منذ 50 عاماً. وكان عدد قليل من اليهود يعيشون في البلاد قبل 1917 مع الفلسطينيين، بينهم يهود فرّوا من الاضطهاد من بلاد أخرى. وكان القادة الصهاينة يشجعون الهجرة الجماعية في إطار الجهود الساعية إلى تحقيق حلمهم بإقامة "دولة يهودية" في فلسطين. وهاجر والدا باروخ ليفي من العراق إلى فلسطين التي كانت خاضعة للانتداب البريطاني عام 1934، بينما كان هو رضيعاً لا يتجاوز عمره السنة الواحدة. ويقول لوكالة فرانس برس: "كان والداي صهيونيين ومتدينين. أعتقد بأنهما قدما إلى هنا بعد (وعد بلفور) (...) بعد الحرب العالمية الأولى عندما سيطر البريطانيون" على المنطقة. وبحسب ليفي، فقد أعطاهما وعد بلفور "نوعاً من الدافع للمجيء". ولم تكن العلاقة بين اليهود والفلسطينيين مثالية، ولكنها تدهورت أكثر فأكثر بعد الانتداب البريطاني في فلسطين إثر نهاية الحرب العالمية الأولى. "دمر حياتنا" ويرى الفلسطينيون "وعد بلفور" بصورة مختلفة تماماً، كما هو حل كل العرب. ووُلد محمد حليل (94 عاماً) بعد ست سنوات فقط من الرسالة التي حددت مصير شعبه وبلاده. ولكنه اكتشف معناها بعد عشرين عاماً على ولادته. ويروي حليل أن رسالة بلفور نُشرت في الصحف البريطانية، لكن أحداً لم يكلّف نفسه عناء إبلاغ الفلسطينيين بذلك إبان الانتداب البريطاني الذي انتهى في عام 1948. واضطر حليل وعائلته في عام 1946 للفرار من أراضيهم الزراعية في يافا لينتهي بهم المطاف في غزة، وسمعت العائلة في حينه عن "وعد بلفور" من ضابط عسكري بريطاني. ويروي حليل أنه فُوجئ عندما سمع بـ "وعد بلفور"، مشيراً إلى أن البريطانيين "دمروا حياتنا"، مضيفاً "ما بريطانيا بالنسبة إليّ؟ وعد بلفور". ولكن الفلسطينيين في المدن الكبرى كانوا على علم بـ "وعد بلفور". وتروي ريما ترزي التي وُلدت عام 1932، أن تظاهرات منتظمة ضد السياسات البريطانية كانت تحصل خلال فترة الانتداب. ووصل آلاف من اليهود إلى فلسطين خلال فترة الحكم البريطاني. وتتهم ترزي البريطانيين بالمعاملة غير العادلة للشعب الفلسطيني. وتضيف: "لم يكن هناك أي حق أو عدل في (وعد بلفور). كيف كان لهم الحق في منح أرض شخص ما إلى شخص آخر؟ لا أستطيع أن أفهم هذا أبداً". وترى ترزي أن وعد بلفور "طارد" الشعب الفلسطيني لمئة عام. وتتذكر ترزي أنه على الرغم من تدهور العلاقات بين الفلسطينيين واليهود خلال فترة الانتداب البريطاني، فإن عائلتها كانت على علاقة جيدة بعائلة يهودية من الجيران. وقصدت الوالدة في تلك العائلة والدة ترزي خلال الحرب العالمية الثانية للتحدث معها عندما بدأ النازيون بملاحقة اليهود. وتشير ترزي إلى أن المرأة قالت لوالدتها: "في حال قدم النازيون إلى هنا، هل بإمكانك أن تعديني برعاية ابنتي باتيا مثل ابنتك؟" وأجابت أمي: "بالطبع".;
مشاركة :