ارتفاع أسهم عقد مؤتمر الكونغرس السوري في سوتشي سيكون مؤشرا على نهاية جولات أستانة، ليبدأ العد في سوتشي، بينما لا يتضح اتجاه جنيف، إن كان سيتوقف عند الرقم 8 آخر هذا الشهر ليندمج في مسار سوتشي.العرب علي العائد [نُشر في 2017/11/02، العدد: 10800، ص(9)] تعكس كثافة جولات محادثات أستانة في كازاخستان الهادفة إلى وضع حد للحرب على سوريا من وجهة النظر الروسية سباق موسكو مع نفسها قبل أن تتدخل أميركا وتُفشل كل جهود موسكو الدبلوماسية خلال سبع سنوات من عمر الدعم الروسي للنظام الأسدي، وجهودها العسكرية منذ نهاية سبتمبر 2015. في عشرة أشهر فقط من العام الجاري، حققت أستانة سبع جولات، مقارنة مع سبع مماثلة لجنيف، ولكن منذ عام 2011، أي في سبع سنوات. هذا الاستعجال الروسي الذي بدأ بالتزامن مع إنشاء مناطق تخفيف التوتر الأربع في الأشهر الأولى من هذا العام، وتحديدا بعد أقل من شهر من حسم معركة حلب لمصلحة النظام وحلفائه من الميليشيات، يجد تبريره في محاولة استباق نتائج الجهد الأميركي الواضح لإنهاء ظاهرة داعش في الموصل، ومن ثم الرقة، التي بدأت في خريف العام الماضي. أنهت أميركا الآن أول معركتين ضد داعش، بتدمير الحواضن البيتونية والتاريخية للمدينتين، وأمامها خارطة طريق واضحة لجهة إنهاء داعش في محافظة دير الزور، وفي غرب الأنبار، بالتعاون مع حلفائها على الأرض في سوريا والعراق. وحتى دون نظريات مؤامرة مفترضة، أنهى داعش مهمته، ويقوم الآن بتسليم حقول نفط شرق دير الزور دون مقاومة تذكر لقوات سوريا الديمقراطية، أو لقوات النظام وميليشياته، حفاظا على الثروة النفطية من عنف السلاح الذي يخربها، أو ربما إدراكا منه لقرب عودته سالما إلى حقوله السالمة. لكن مسار الأحداث يدل على تماس أميركي مع قوات النظام، وشبه اتفاق على عدم وقوع حوادث قتالية بينهما، وحرص من روسيا على عدم التدخل في منطقة النفوذ الأميركي، مع ترجيح أن يتحجم داعش إلى الحد الأدنى المطلوب عموما من صانعيه بالرعاية أو الإهمال. أمام هذا الاحتمال، كانت الدبلوماسية الروسية رشيقة في تكثيف طرح الأفكار، لكن نجاحها في سَوْق الفصائل المعارضة إلى أستانة بعد فرض منطق “مناطق تخفيف التوتر” لم يكتمل بنجاح حتى اليوم، وكأنها لا تزال في مرحلة التجريب وجس النبض، خاصة بعد ذيوع فكرة جمع “الشعوب السورية” في منتجع “سوتشي” الروسي على البحر الأسود. في الواقع “الشعوب السورية” بلا حول ولا قوة، شأنها شأن الفصائل المساقة إلى أستانة، وشأن الائتلاف، والهيئة العليا للمفاوضات. وهؤلاء، وإن رفضوا فكرة الاجتماع في قاعدة حميميم العسكرية، واعترضوا على استخدام الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، للمصطلح الجديد والمستفز، قد يذهب بعضهم إلى سوتشي، لكن للسياحة فقط هذه المرة أيضا، دون أدنى احتمال في تحقيق أي نتيجة سياسية، ليس لأنهم أمناء على الثورة السورية الأولى، بل لأنهم “لا يمونون” على أحد من السوريين.مسار الأحداث يدل على تماس أميركي مع قوات النظام وشبه اتفاق على عدم وقوع حوادث قتالية بينهما، وحرص روسي على عدم التدخل في منطقة النفوذ الأميركي، مع ترجيح أن يتحجم داعش إلى الحد الأدنى المطلوب عموما من صانعيه بالرعاية أو الإهمال المدعوون إلى مؤتمر “الحوار الوطني” في سوتشي هم مبدئيا 33 هيئة وحزب لم يسمع بنصفهم حتى أكثر المطلعين من السوريين على فوضى السنوات الأخيرة، ناهيك عن الخطأ المقصود في تسمية بعض الهيئات المدعوة بـ”أحزاب” بالمعنى القانوني، فصفحات الفيسبوك لا تكفي وحدها لتشكل إطارا قانونيا ومجالا لإشهار حزب، عدا عن الضوابط المتعلقة بعدد الأعضاء، والنشاط المعلن، وكلها مفقودة بالنسبة لمعظم تلك الهيئات. لكن قبل ذلك، قد يتابع السوريون اجتماع توسعة الهيئة العليا للمفاوضات في الرياض يوم 10 نوفمبر الجاري، و”مؤتمر شعوب سورية” في حميميم في 18 منه، قبل جنيف 8 في 28 من نوفمبر أيضا. غير أن الوصف الروسي لمؤتمر سوتشي المرجح عقده هذا الشهر أيضا بـ”كونغرس الشعب السوري”، بعد الإضراب عن استعمال “زلة لسان” الرئيس الروسي بوتين، خطف الأضواء حتى من اجتماع الرياض الذي تزداد التكهنات في شأنه، خاصة لجهة عدد المدعوين الذي قد يصل إلى 1300 سوري سيمثلون جهات سياسية معارضة وموالية، ووفد النظام الأسدي، وممثلين للطوائف الدينية. هذا بالإضافة إلى ممثلين لـ”فيدرالية الإدارة الذاتية” الكردية، وفقا للرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطية، إلهام أحمد. الشك قائم حول دعوة ممثلي الفيدرالية الكردية لمؤتمر سوتشي، ابتداء من تكتيك الاعتراض الإيراني على ذلك، والقابل للتفاوض بين روسيا وإيران، إلى الرفض التركي القاطع. ولا يخفف من هذا الشك دعوة أميركا إلى عدم التشدد في رفض الحضور الكردي، فالقطيعة السياسية في الملف السوري قائمة بين تركيا وأميركا، على خلفية الدعم الأميركي لأكراد سوريا، والتحدي التركي للإرادة الأميركية خاصة في محافظة إدلب ومحيط مدينة عفرين المهددة حاليا باجتياح تركي في منطقة تنتمي إلى النفوذ الروسي المتوافق مع تركيا إلى حد بعيد، في هذه المرحلة على الأقل. وفيما يلف الغموض عبارة الخارجية الأميركية عن توحيد المعارضة بـ”طريقة خلاقة”، ويتجه بعض المحللين إلى تفسيرها بتخلي أميركا عن الهيئة العليا للمفاوضات، لا يتضح موقف السعودية من هذه الهيئة التي لا تزال تتمسك بمسار جنيف وحده، حتى لو ظل جنيف مجرد محادثات لم تبلغ بعدُ درجة المفاوضات مع النظام. عمليا، لم تصدر عن أستانة 7 أي نتائج، عدا الإعلان عن انتهاء الجولة، فليست هنالك مقررات ولا مناطق تخفيف توتر جديدة ولا إطلاق لسراح المعتقلين لدى النظام الأسدي. وبالإجمال، لم ينتج عن هذه الجولة حتى إعلان حسن نوايا في قضية المغيبين قسريا، ومجهولي المصير، في سجون النظام. وعلى الأرجح، سيكون ارتفاع أسهم عقد “مؤتمر الكونغرس السوري” في سوتشي مؤشرا على نهاية جولات أستانة، ليبدأ العد في سوتشي، بينما لا يتضح اتجاه جنيف، إن كان سيتوقف عند الرقم 8 آخر هذا الشهر، ليندمج في مسار سوتشي. ولأن مسار جنيف تحت الرعاية الأممية، خلافا لمساري أستانة وسوتشي الروسيين، يبدو ستيفان دي ميستورا كمن يضع رجلا هنا ورجلا هناك، مع استمرار عجزه عن تحقيق أي تقدم قبل تقاعده وكتابة مذكرات فشله في وضع حد للحرب على سوريا، على خطى أسلافه: كوفي عنان، والأخضر الإبراهيمي، ومبعوث الجامعة العربية محمد أحمد مصطفى الدابي. فالسيد دي ميستورا لا يستطيع التقدم في مهمته من دون أنياب الولايات المتحدة، والولايات المتحدة تبدو مستمرة على نهج أوباما، فهي ليست جائعة للسياسة، وتركز في عهد ترامب على الصفة الانسحابية في دبلوماسيتها، حفاظا على تقدمها في محو آثار أزمة الرهن العقاري، بأداء مثالي للدولار في تذبذبه يصب في مصلحة بريطانيا والاتحاد الأوروبي واليابان، مع نفط رخيص، وتوازن في سعر الذهب، ترجمه ارتفاع ثقة المستهلك الأميركي إلى أعلى مستوى منذ نهاية عام 2000. في ظل هذه الجعجعة السياسية الروسية والأميركية والقفز في الفراغ السوري، يمكن ترجمة التسابق الدبلوماسي الروسي الأميركي، الظاهر منه على الأقل، بأنه تمهيد لانسحاب وزارتي دفاع البلدين من الساحة السورية، وتنازع صفحات الملف بين وزارتي خارجية البلدين، على الرغم من الحضور الكبير لوزارة الخارجية الروسية في سوريا في الفترات الماضية. وعودة الملف الشائك إلى خارجيتي البلدين، على فرض حصوله قريبا، وبالرغم مما يبدو أن الأرنب الروسي سبق السلحفاة الأميركية بمسافة طويلة، يفسح المجال للتفكير في تعويم شخصية “كرزاي سوري” يقود وفد السياحة السورية في سوتشي، بين مناف طلاس أو أحمد الجربا، أو أيّا يكن، ممن قد تتفق عليه موسكو وواشنطن، ويستمر تنازع السوريين على رفضه في “كونغرس سوتشي الافتراضي السوري”، أو فضاءات السياسة السورية التي تشتتت إلى عالم افتراضي يفرقه فيسبوك، ولا يجمعه سوى دمار مدن سوريا ومجتمعاتها. كاتب سوريعلي العائد
مشاركة :