روت «اليوم السابع» في 45 حلقة الأيام الأخيرة من حكم الرئيس حسني مبارك، في عمل صحافي متقن ومتوازن وخال من العقد. معظم ما ورد كانت الصحف قد تداولته متفرقا من قبل. لكنني توقفت عند أكثر اللحظات «بشرية»، إذا صح التعبير، وهما اثنتان، بالنسبة لي: الأولى: حسني مبارك ينهار ويكاد يفقد الوعي عندما يرى مدى الفرحة التي عبر عنها المصريون لذهابه. الثانية: دهشته من تصريحات مساعديه وأعوانه، الذين ادعى كل واحد منهم أنه كان نصح الرئيس، لكنه لم يتعظ! «كل واحد منهم ما كانش بينطق بكلمة والآن بيقول قلتلو»! محزنون ومضحكون البشرُ. أولا، لم يكن ممكنا لأحد أن يقول للرئيس، لأن الرئيس أحاط نفسه بالذين لا «يقولون». وإذا فعلوا، قالوا له ما يرضيه لا ما يبقيه. ولست أشك لحظة في أن مبارك كان أكثر رئيس يعطي الحريات ويتغاضى عن النقد ويفتح صدره لآراء الناس، لكنه لم يكن يصغي إلى من حوله إلا في المدائح، ولذلك، لم يتغير صفوت الشريف طوال فترة الحكم، ولا أتى رئيس وزراء يناقش القرار، اللهم إلا من الدكتور كمال الجنزوري. أما تخلي الأبعدين والأقربين لحظة السقوط، فعادة بشرية قديمة وطبع بشري عام. يروي محمد حسنين هيكل أن جمال عبد الناصر كان يخشى لحظة الاستقالة أن تنقض الناس عليه وأن يتخلى الجيش عنه. إلا أن العكس هو الذي حدث. ومع ذلك، تلك كانت قراءته لأطباع البشر. لقد رآها عندما انتهى فاروق وعندما وُضع محمد نجيب في الإقامة الجبرية. ورآها حسني مبارك في نهاية السادات، وشاهد كيف فرّ زعماء الدول الاشتراكية إلى جهات مجهولة من دون مرافق أو كلمة وداع. في لبنان (أسرع شعوب الإنكار)، شاهدنا الرئيس بشارة الخوري يدخل إلى عزلته ولا يلقي عليه التحية أحد، وفؤاد شهاب يتقاعد ولا يعود يزوره سوى الخلّص من الأقربين، وشارل حلو تنتهي ولايته ويضطر هو إلى زيارة الناس كي يراهم، وفي آخر سنوات الرئيس إلياس الهراوي كنت واحدا من ستة أو سبعة ألتقيه مرتين أو ثلاثا في الأسبوع. ونادرا ما يزيد عددنا. مارغريت ثاتشر، أقوى رجل في بريطانيا، أصبحت بعد الاستقالة تتلقى أربع بطاقات معايدة في رأس السنة. اثنتان منهما؛ من ابنها وابنتها.