الشارقة: أمل سرور متميز ومختلف ومتفرد بل ومدهش ومفاجئ أيضاً، انطباعات تتسرب إليك وسرعان ما تتيقن منها منذ اللحظة الأولى التي تخطو فيها بقدميك أرض الجناح البريطاني في معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته لهذا العام.ليس لأن بريطانيا ضيف شرف المعرض، أو أنه يتضمن أهم الإنتاجات والإصدارات الأدبية لصناعة النشر البريطانية، أو لأنه شهد تدشين شراكة استراتيجية بين هيئة الشارقة للكتاب والمجلس الثقافي البريطاني فحسب، وإنما أيضاً لذلك المعرض التفاعلي الرقمي الذي تقيمه جامعة برمنجهام، بالتعاون مع المجلس الثقافي البريطاني ووزارة الثقافة وتنمية المعرفة، وهو الذي فاجأ الجميع بعرضه لمخطوطة برمنجهام القرآنية، التي خرجت لأول مرة من بريطانيا لتشارك في معرض الشارقة الدولي للكتاب.حالة من القشعريرة تدب في جسدك، ونسمة هواء باردة تحتل صدرك، وشيء ما، من الهدوء والسكينة ينتابك ما إن تقع عيناك على تلك المخطوطة القرآنية التي تأتيك حروفها المقدسة من خلف لوح زجاجي ضخم يتوسط قاعة العرض المخصصة لها في الجناح البريطاني.السعودي خالد الجفري طالب الدكتوراه في جامعة برمنجهام والمتخصص في أصول الفقه الإسلامي، أول وجه استقبلنا بترحاب في ردهة العرض المخصصة للمخطوطة، والذي راح يتحدث بفخر وود عن رحلتها منذ اللحظة الأولى لاكتشافها قائلاً: تلك المخطوطة المقدسة تضم صفحتين من القرآن الكريم، عُثر عليها في جامعة برمنجهام، وتبيّن بفحصها بتقنية الكربون المشع أن عمرها يبلغ نحو 1370 عاماً، وهو ما قد يجعلها من أقدم نسخ المصحف في العالم، وهي التي قد عثرت عليها الدكتورة ألبا فيديلي، التي كانت تدرس العناصر في مجموعة من مخطوطات الشرق الأوسط كجزء من بحثها للحصول على درجة الدكتوراه، ولاحظت فيديلي أن المخطوطة تتضمن صحفتين من مصحف غير معرّفتين تعودان لأواخر القرن السابع الميلادي. ورتبت لفحصهما باستخدام الكربون المشع في وحدة مسارع الكربون المشع في جامعة أكسفورد، حيث قُدّر أن تاريخ المخطوطة يعود للفترة بين عامي 568 و645 ميلادي بنسبة دقة 95.4.ولازال الحديث على لسان الجفري: العديد من البريطانيين قاموا بالاطلاع عليها ودراستها، وأقروا أن هاتين الصفحتين قد تم كتابتهما بخط حجازي جميل ومقروء بشكل مدهش، وأكدوا على أنهما تعودان بالفعل إلى زمن الخلفاء الثلاثة الأوائل، وأن الخط الحجازي يعد من الخطوط العربية التي كان يُكتب بها القرآن في القرن الأول الهجري، وهو ما يجعل الوثيقة إحدى أقدم نسخ القرآن في العالم.صمت الجفري قليلاً، ثم عاود الحديث وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة قائلاً: أتذكر اللحظة الأولى التي عرفت فيها خبر العثور على هذه المخطوطة، وعندما ألقيت النظر إليها، أدركت جمال محتواها الخالص وخطها الحجازي الواضح بشكل مثير، ولن أنسى طوال عمري شعوري بالسعادة، بل مشاعر المسلمين وحتى البريطانيين أنفسهم عندما رأوا تلك المخطوطة المقدسة.قاطعت الجفري متسائلة عما تتضمنه المخطوطة المقدسة من كلمات الله عز وجل، فأجاب مسرعاً: إنهما صفحتان من المصحف الشريف، وتحتوى الأولى من المخطوطة على الآيات من الآية رقم 22 إلى الآية رقم 31 من سورة الكهف، أما الثانية فتشتمل على جزأين من النصوص بينهما فاصل، والجزء الأول عبارة عن الآيات الخمس الأخيرة من سورة مريم، والجزء الثاني من الصفحة نفسها، يحتوي على بدايات سورة طه.أنتقل بالحديث من الجفري إلى نائب رئيس جامعة برمنجهام ديفيد إيستوود الذي انضم إلى جلستنا ليتحدث عن مدى أهمية مشاركة بريطانيا بتلك المخطوطة التاريخية المقدسة في معرض الشارقة الدولي للكتاب قائلاً: بالتأكيد إن مخطوطة برمنجهام القرآنية تشكل أهمية عظيمة للتراث الإسلامي والدراسة الأكاديمية لهذا الدين الحنيف، والحقيقة أننا نشعر بالفخر والسعادة لاستضافتنا مثل هذا الكنز في جامعة برمنجهام، لأسباب عديدة أولها أننا بالفعل نعتبر جلب هذا المعرض لأول مرة في دولة الإمارات إنجازاً حقيقياً لأنها بلد تحترم فلسفة وسياسة وخصوصية الآخر، فيكفي أنها تضم الآفاً مؤلفة من الجنسيات المتعايشة تحت سماء الخير والأمل والتفاهم، أما السبب الثاني يعود لفخرنا بأننا انفردنا بإتاحة فرصة للناس للاحتفاء بهذا العمل المقدس.ختم نائب رئيس جامعة برمنجهام حديثه بالقول: نقيم أيضاً على هامش المعرض دورة لمدة أربعة أسابيع ابتداءً من 20 نوفمبر 2017 بعنوان «مخطوطة برمنجهام القرآنية» لنُعرّف الزائرين رحلتها من قلب البلاد الإسلامية، وتتناول أصولها وأهميتها والأساليب التي استخدمت لتحديد عمرها وكيف تتم العناية بها في جامعة برمنجهام.وعن تفاصيل تلك الدورة المجانية تحدثت سوزان وروال، مديرة المجموعات الخاصة في مكتبة أبحاث جامعة كادبوري، والمشرفة الخاصة على المخطوطة: إننا نهدف من خلال تلك الدورة إلى تعليم زائرينا وخاصة الأطفال كيفية إنتاج خطوط شبيهة بتلك التي عُثر عليها في مخطوطة برمنجهام القرآنية وغيرها من المخطوطات القديمة.
مشاركة :