اتفقت دولتا السودان وجنوب السودان على معالجة جميع القضايا العالقة بينهما، وتنفيذ الاتفاقات المبرمة بينهما، ونسج علاقات تعاون تتضمن توقيع اتفاقات جديدة وتنشيط اتفاقات قائمة بهدف إنهاء التوتر بين البلدين. وأنهى الرئيس سلفا كير ميارديت زيارة للسودان استمرت يومين، أجرى خلالها مباحثات مع نظيره عمر البشير، تناولت القضايا العالقة بين الدولتين. وقال الرئيس البشير في مؤتمر صحافي مشترك مع ضيفه رئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت في الخرطوم أمس، إن إرادة سياسية قوية توفرت لديهما لتنفيذ الاتفاقات السابقة، والاتفاقات التي أبرمت في الزيارة الحالية، مبرزا أن الحكومتين توصلتا إلى قناعة مفادها أن الخيار الأمثل هو أن يتعاون البلدان «لإنهاء فترة عصيبة دفع المواطنون ثمنها عصيباً». وعدّ البشير زيارة سلفا كير انطلاقة حقيقية وجديدة لعلاقات البلدين، وقال بهذا الخصوص: «اتفقنا على رعاية تنفيذ الاتفاقيات بصورة شخصية، وإزالة العقبات بالاتصال المباشر». من جهته، قال الرئيس سلفا كير ميارديت إن مباحثاته مع البشير وضعت خريطة طريق، موضحا أن «المباحثات وضعت خريطة طريق للمضي قدماً... لقد بدأنا ولن نتراجع... وقد أمرت فريقي بتنفيذ ما وقعناه فوراً، خاصة الملفات الأمنية، وأنا على ثقة بأننا سنجني ثماره». بيد أنه اتهم من لم يسمهم بتأجيج الفتنة بين جوبا والخرطوم، واتهمهم بنقل الأكاذيب بهدف «الحصول على أموال، ولو نقلوا لنا أكاذيب أخرى بعد الآن فسندخلهم السجن». وتعهد الرئيسان بوقف دعم المعارضة العسكرية والسياسية من كل طرف، وقال البشير إن تجربة حكومته في دعم المعارضة في دول الجوار، لا سيما إثيوبيا وتشاد وإرتريا، جعلت بلاده تتعرض لاستنزاف ولزعزعة الأمن، معلنا أن التجربة دفعته إلى اتخاذ قرار فوري بمنع المعارضين وحركات التمرد، ومنع الجنوبيين المقيمين في السودان من ممارسة أي نشاط سياسي أو عسكري معارض، وتابع موضحا: «الجنوبيون في السودان، بينهم معارضون سياسيون وعسكريون، لكننا لن نسمح لهم بممارسة أي نشاط معارض، وهم مجرد ضيوف عندنا». بدوره، نفى ميارديت وجود أي معارضة سودانية في بلاده، وقال إن مزاعم وجودها لا تستند على أي وثائق، بيد أنه أكد وجود معارضة لحكومته في السودان، وقال في هذا الصدد: «هناك معارضة جنوبية هنا في الخرطوم، بل يمكنني ذكرهم بالاسم». وأنهى الرئيسان مباحثاتهما بتوقيع بيان مشترك، اطلعت عليه «الشرق الأوسط»، أكد على تسريع اتفاقات التعاون المشترك، وتكوين مفوضية حدود، وعقد لجان التشاور السياسي، فضلاً عن مواصلة السماح بمرور المساعدات الإنسانية إلى جنوب السودان. ووفقاً للبيان، فإن الطرفين اتفقا على تنشيط الآلية السياسية والأمنية المشتركة، المنبثقة عن اتفاقيات التعاون المشترك، وعلى تسريع إقامة المنطقة الآمنة منزوعة السلاح، وأن يلعب الاتحاد الأفريقي دوره فيها، مع التحقق الفوري من انتشار القوات خارج المنطقة الآمنة منزوعة السلاح. واتفقت الحكومتان على تحديد فترة شهر من تاريخ توقيع البيان، وفي حد أقصى 31 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، لتنفيذ جميع الاتفاقات التي وقعاها. أما في الجانب الاقتصادي، فقد اتفق البلدان على العمل لإعادة تشغيل حقول النفط التي توقفت بسبب النزاع والحرب في جنوب السودان، وعلى تسوية الاستحقاقات القائمة، وتدريب وتأهيل منسوبي القطاع النفطي في جنوب السودان لتحقيق المصالح المشتركة من استئناف تصدير نفط جنوب السودان، وإعادة الإنتاج إلى حجمه قبل توتر العلاقات بين البلدين. وأورد البيان للمرة الأولى منذ اندلاع الخلافات النفطية بين البلدين، موافقة حكومة جنوب السودان على تسديد ديون السودان، الناتجة عن متأخرات رسوم استخدام المنشآت النفطية السودانية لتصدير نفط جنوب السودان. وتعهد كل من البشير وسلفا كير بالشروع فوراً في التنسيق مع الاتحاد الأفريقي والعمل على إعفاء ديون السودان، وتنفيذ «اتفاقية الخيار الصفري»، التي تحمل السودان الديون المشتركة بعد انفصال جنوب السودان، وأن يتم الاتصال بالدائنين لإعفائها خلال فترة قدرها عامان، وفي حال فشل الخيار الأول يتم تقاسم الديون بين البلدين. كما أعلن البلدان التزامهما بتنفيذ ترتيبات أمنية وشرطية وهجرية قبل افتتاح 11 نقطة حدودية بين البلدين، توافقا على إعادة فتحها بمجرد اكتمال تلك الترتيبات. ووقع السودان وجنوب السودان 9 اتفاقيات عرفت بـ«اتفاقيات التعاون المشترك»، في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا في 27 سبتمبر (أيلول) 2012 لإنهاء الخلافات بينهما، بيد أن التوتر الذي ساد علاقات البلدين حال دون تنفيذها. يذكر أن الخرطوم تشارك في الوساطة الأفريقية، لإحلال السلام في دولة جنوب السودان، إضافة إلى أن شروط رفع العقوبات الأميركية عنه، تضمنت العمل على وقف الحرب وإحلال السلام في جنوب السودان. ويؤمل على نطاق واسع أن توقف مباحثات الخرطوم سيل الاتهامات المتبادلة بين البلدين بدعم المعارضة المسلحة ضد الحكومتين، وتؤدي إلى تنفيذ اتفاقيات التعاون المبرمة بين البلدين.
مشاركة :