خسرت الأوساط السينمائية السورية والعربية يوم الجمعة الماضي في دبي، واحداً من كبار دعائمها المؤسسة والمشتغلين بالنقد السينمائي والحركة السينمائية السورية والعربية، مؤسساً وناشطاً وناقداً ومخرجاً، روائياً وقاصاً، رجلاً تربت على كتاباته وأحلامه أجيال كثيرة من محبي السينما وكتابها. صلاح دهني (1925-2017) ارتبط اسمه بتأسيس السينما السورية، نقداً وتوثيقاً وأرشفة واهتماماً وفناً، تلقى تعليمه في دمشق، وتخرج في معهد الدراسات السينمائية العالية في باريس عام 1950، وفي معهد الفيلمولوجي (علم الفيلم) في السوربون، وعمل مخرجاً سينمائياً ومحرراً وناقداً سينمائياً. كما عمل رئيساً لدائرة السينما والتصوير في وزارة الثقافة، ومديراً لادارة الشوؤن الفنية في المؤسسة العامة للسينما، ورئيساً لاتحاد النقاد السينمائيين في سورية، وعضو هيئة تحرير جريدة الأسبوع الأدبي سابقاً. وغيرها الكثير، ونال عدداً من الجوائز. أرسى صلاح دهني مبكراً منذ الخمسينات، دعائم النقد السينمائي السوري وساهم في نشر الوعي السينمائي وحب السينما الجيدة من خلال كتاباته وندواته وبرامجه الإذاعية، وحضوره في كل ما يتعلق بالسينما السورية وتطويرها، وإدارته لمهرجان دمشق السينمائي في أفضل دوراته. منذ البداية أدرك دهني، من خلال أستاذه المؤرخ والناقد السينمائي الفرنسي جورج سادول الذي علمه شغف السينما في «معهد الدراسات السينمائية» في باريس، أن فن السينما يحتاج إلى الحبّ أولاً. هذه الفكرة كانت منطلق صلاح دهني في كتاباته النقدية وأعماله عامة. عاد دهني إلى سوريا حاملًا معه آمالاً بصناعة تغيير سينمائي حقيقي، فتولى في العام مسؤولية دائرة «السينما والتصوير» التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد القومي، في الجمهورية العربية المتحدة. تقدم بمشروع تأسيسي للمؤسسة العامة للسينما، والتي تم إقرارها بمرسوم تشريعي عام 1963، وتولى هو إدارة الشؤون الفنية فيها. قدّم صلاح دهني خلال أكثر من 70 عاماً من مسيرته الفنية محتوى سينمائياً نقدياً وتثقيفياً جعله في طليعة الرواد السينمائيين العرب، على رغم أنه لم يُخرج سوى فيلم روائي طويل سنة 1977، بعنوان «الأبطال يولدون مرتين»، وعشرات من الأفلام الوثائقية القصيرة منها: نزهات صيفية، الماء والجفاف، أخبار الثقافة، المعجزة الخالدة، بصرى، الآثار العربية في سورية، الزجاج في سورية في 40 قرناً، زهرة الجولان، ابن النفيس، الفن العربي الإسلامي... وغيرها). أخرج دهني عبر الإذاعة السورية أول برنامج سينمائي عربي بعنوان «صوت وصورة»، استمر بتقديمه من سنة 1989 وحتى 2005، كما قدم برنامج «السينما في أسبوع» من سنة 1952 حتى 1974، ليكون أول وأضخم مرجع سينمائي للسوريين والعرب. قدم دهني للمكتبة السينمائية العربية عشرات المقالات النقدية في مختلف شؤون السينما وعديد الكتب المؤسسة للنقد السينمائي وفن السينما مؤرشفاً ومحللاً وناقداً مصوباً سهامه النقدية والتحليلية على الحالة التي آلت اليها السينما في بلده إنتاجاً وفناً وعرضاً وحلماً. من دفاتره الساخرة كان صلاح دهني يعتبر البنك المتنقل لشلة من الرفاق الأدباء في خمسينات القرن الماضي، كما يقول الأستاذ عادل أبو شنب في كتابه (شوام ظرفاء)، فكان يدفع عنهم إذا ما كانوا في عسر ويسجل ما دفعه عن كل منهم في دفتر صغير كان يحمله في جيبه أبداً وفي سهرة من سهرات الكاس والطاس في مطعم ومشرب (قصر البللور) القديم في حي باب توما الدمشقي كان عدد من الأدباء يأكلون ويشربون ويتسامرون وبينهم عادل والمرحومان سعيد حورانية ومحمد الحريري وشوقي بغدادي وشحادة الخوري وليان ديراني. وكالعادة، فإن صلاح دهني أخرج دفتره ليســــجل عليه ما دفعه من مال عن فلان وفلان، فما كان من سعيد حورانية إلا أن اختطف هذا الدفتر وببرود أعصاب أشعل النار فيه بعود ثقاب فهلل المدينون وكبّروا سروراً. لكن صلاح دهني لم يتأثر ولم يفقد توازنه بل راح يبتسم بلا اكتراث، فقال له شوقي بغدادي: - راحت أموالك يا صلاح... أكلتها نيران سعيد حورانية. ابتسم صلاح، وقال: - هل أنا غرّ إلى هذه الدرجة؟! ألا تعلم أن في البيت نسخة طبق الأصل من هذا الدفتر؟!
مشاركة :