حتى أغلى ما نملك؟!

  • 9/7/2014
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

كنت أتابع دبلوماسياً أوكرانياً رفيعاً يجيب عن أسئلة متتابعة كالسهم وحارقة كالنار، وهو في غاية التأثر، وكان تأثره مشوباً بحزن واحباط؛ ما الحل مع روسيا؟! لكن هل هي أوكرانيا وروسيا فقط؟! عندما نتمعن، نجد ذات السيناريو تكرر عبر التاريخ، ويتكرر اليوم في أكثر من موقع؛ القوي يفرض إرادته على الضعيف أو على الأقل قوة. هذه حقيقة لا شك، بل يمكن القول إن أغلب المعاهدات العالمية نتج عن اقتتال وحروب بعد أن تعب الجميع فوقعوا اتفاقات لتجنبهم المزيد من الخسائر، لكن الانسان ينسى، فيأتي الجيل اللاحق وتبدأ المناوشات والخسائر من جديد. قال الدبلوماسي والحسرة تعتصره: لقد كانت أوكرانيا قوة كبرى، كان لدينا مخزون ضخم من الأسلحة النووية المتقدمة، تنازلنا عنها بعد تعهدات دولية، فأين العالم الآن وقد التفتت روسيا إلينا مهددةً باحتلالنا؟ فهل هذا غباء أوكرانيّ أم أنه غدر روسيّ؟ لا أدري، فكل ينظر من زاويته. ومن زاويتنا في الأمس القريب، تلقت غزة قصفاً وتدميراً «إسرائيلياً»، والآن علينا أن نعيد بناء غزة، أي تنظيف جرائم «إسرائيل» دون كثير نقاش. هناك من يبسط الأمور ليجعلها في صالح «إسرائيل» وكأنها لم تقض مع الفلسطينيين جيلاً دون أن تنفذ «سلاماً»، بل ذكر ياسر عبدربه مؤخراً ان الاتفاق الوحيد الذي التزم به «الإسرائيليون» التزاماً دقيقاً كان التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية، والسبب أنه كان يصب في مصلحتهم. وهكذا، نجد أنه دائماً منطق القوة في أوضاع مختلفة، سواء أكان مع روسيا أو «إسرائيل»، ويبدو أن فرض الذات هو طبيعة لمن يملك القوة، ولذا تلجأ الدول لتكبيل بعضها بعضاً بالمعاهدات، وردع بعضها بعضاً بامتلاك القوة، ومن هنا يتكرر الحديث عن أهمية توازن القوى والردع المتبادل، فمثلاً لم يكن مقبول أبداً أن تمتلك الهند سلاحاً نووياً دون أن تمتلكه باكستان فبين الدولتين أكثر مما صنع الحداد. ولذا، فمع انتفاء قانون الردع، لم تأبه روسيا لما يقال فهي ترى أن حسابات القوة لصالحها تماماً، و «إسرائيل» كذلك. والنقطة هنا أن منطق القوة لا يفحمه منطق السلام بل منطق الردع المرتكز إلى قوة أكبر، فالنار لا توقفها إلا نار أكبر وأشد، ولذا فلا أحد يأبه -حقيقة- لما تقوله أوكرانيا، فهي في خانة المتلقي الذي لا يملك خيارات، في حين أن جميع الوكالات والمواقع تناقلت مقولة بوتين بأن بوسعه الاطباق على كييف في أسبوعين! ومنطق القوة ليس بالضرورة عادلا بعيدا عن الظلم، لكنه مسموع لكونه القادر على إحداث تغيير على الأرض. ومع ذلك فهناك فرق بين التلويح بالقوة واستخدامها بغباء؛ ويبدو أن بوتين يريد للدولة الأوكرانية أن تسقط صَبراً، فيحدث تغيير على الأرض، في حين أن «إسرائيل» بقيت تدك غزة لنحو خمسين يوماً ثم خرجت غير منتصرة كما قررت فايننشال تايمز في تحليل مفصل، أن نتنياهو مهزوم سياسياً رغم أن قوته هائلة! وقد فشل لأنه لم يستطع أن يحدث تغييراً على الأرض. واللجوء لفرض الذات أسلوب يتبعه الواثق بقوته، أما المطمئن لسلامة حجته المرتكزة إلى نظام قيم مُلزّم فمركبه الحوار والحكمة لا محالة وإن امتلك قوة ضاربة تفوق ما لدى الخصم، إذ يمنعه نظام القيم الذي يؤمن به من استخدام أدوات القتل على هواه، فهو ملزم أن يوظف القوة وفق ضوابط أخلاقية ليس بوسعه الحياد عنها، وإلا خالف نظام القيم وانجلى عنه غطاء الأخلاق. إذاً هي عودة للتمسك بالقيم وعدم التزحزح عنها؛ فالقيم الرفيعة هي البوصلة التي تفرق بين ممارسات الغاب وتلك التي تقوم على مرتكزات أخلاقية تحترم الشرائع وكرامة الانسان. ومع ذلك فالتاريخ مشبع بمن رمى كل الأعراف والقوانين جانباً واتبع أطماعه ورغباته لتفتك بكل أحد بما في ذلك أهله الأقربون إذا حادوا عما يراه صحيحاً، ولعل أبرز الأمثلة ما أحدثه فكر مارتون لوثر للكنسية الكاثوليكية من تعارضات أدت إلى اقتتال بين المسيحيين، ولم تبرح بلدان أوروبا إلا في الأمس القريب، وإيرلندا شاهد على ذلك. وأغلى ما نملك هو الإسلام ورسالته السماوية، فهو دين التعايش لا التنافر والتقاتل؛ فقد أخذ المسلمون عمن سبقهم من الأمم فترجموا من الاغريق، ثم نقل الأوروبيون عن المسلمين. والمسلمون -كما نعلم جميعاً- نشروا الإسلام في شرق آسيا بالقدوة الحسنة وبجهود تجار كانوا يترددون على تلك المناطق. وحديثاً، شاهدنا كيف أن جهوداً بعضها فردي كانت مؤثرة في أفريقيا، وليست جهود المغفور له بإذن الله د.عبدالرحمن السميط إلا مثال على ذلك. ومع كل هذا، فأدرك أن الاقتتال على السلطة وتغليف ذلك بشتى الأغطية والتمويهات أمرّ ليس بجديد فلم يتزامن نشوؤه مع الربيع العربي، كما أن التحارب من أجل كرسي الحكم أمر لم يبتدع تواً. لكن ليس مفهوماً لما تشويه أثمن ما نملك، وهو إسلامنا، ليظهر في أعين العالم وعلى محطات التلفزة والقنوات على تنوعها بأنه متلازم مع تقطيع الرؤوس والسبي والقتل، كل ذلك لا ينصف الاسلام، الذي اتخذت حضارته التعايش مرتكزاً، فلما يصرّ أقوامٌ على ربطه بالدم والبطش؟ ولماذا الإصرار على ذبح التسامح والقدوة الحسنة اللذين نشر المسلمون من خلالهما رسالتهم عبر المحيطات؟!

مشاركة :