الصعوبة الرئيسية أمام روسيا في ترجمة هذه الانتصارات العسكرية إلى حل سياسي كفيل بإعادة الاستقرار إلى سوريا ووضع حد لحرب أسفرت عن مقتل أكثر من 330 ألف شخص ونزوح الملايين في ست سنوات. وأوضح الكسندر شوميلين من مركز تحليل نزاعات الشرق الأوسط في موسكو أن "الاستراتيجية بسيطة وهي مغادرة سوريا عن طريق المفاوضات. من الجلي أن العمليات العسكرية لن تجلب الحل السياسي الذي يتعذر إنجاز شيء قبل تحقيقه". وهذه المحاولات التفاوضية برعاية موسكو بدأت في يناير/كانون الثاني 2017 في مؤتمر استانا الأول الذي جمع في عاصمة كازاخستان للمرة الأولى وفود النظام السوري والفصائل المعارضة. وتوصلت هذه الآلية التي رعتها روسيا وايران حليفتا دمشق وتركيا الداعمة لفصائل المعارضة بعد عدة جولات إلى اتفاق على إنشاء أربع "مناطق لخفض التوتر" تحد من العنف، لكنها لا توقف المعارك فعليا. واتخذ الكرملين منذ ذلك الحين صورة صانع للسلام فضاعف تسيير القوافل الانسانية المخصصة للمدنيين السوريين أو إرسال فرق نزع الألغام لتنظيف المدن التي استرجعها الجيش السوري ونشر الشرطة العسكرية الروسية لضمان تطبيق وقف اطلاق النار. في المقابل، كثفت موسكو الإعلانات الرامية إلى تشويه صورة أنشطة الولايات المتحدة في سوريا واتهمتها بارتكاب جرائم حرب وبأنها "تتظاهر" بمقاتلة تنظيم الدولة الاسلامية وبشن غارات همجية على الرقة، عندما كانت المدينة تحت سطوة التنظيم المتطرف. لكن عملية أستانا التي تركز على النواحي العسكرية وعملية جنيف السياسية الموازية ما زالتا تصطدمان بالإشكالية الأساسية المتمثلة في مصير الرئيس السوري بشار الأسد. وفيما بات بوتين قادرا على التباهي بنجاحه في إبعاد فكرة تنحي الأسد عن ذهن الغربيين، ما زال مصيره نقطة الخلاف الرئيسية التي تبدو المعارضة غير مستعدة للتنازل بشأنها. ويواصل الرئيس الروسي تكثيف المساعي بهذا الشأن وآخرها توجهه إلى طهران الأربعاء بعد زيارة تركيا أواخر سبتمبر/أيلول. كما بحث الملف السوري مساء الخميس في اتصال هاتفي مع نظيره الفرنسي ايمانويل ماكرون. وأكد خبير الشؤون الروسية اليكسي ملاشينكو أن "روسيا في ورطة لأنها عاجزة عن انتزاع تسوية بشأن سوريا"، فيما يتعذر عليها توفير التمويل اللازم بمفردها لحاجات إعادة الاعمار الهائلة في هذا البلد. وإدراكا للمأزق، يسعى الروس إلى تنظيم مؤتمر الحوار الوطني السوري في 18 نوفمبر/تشرين الثاني في سوتشي بجنوب غرب روسيا بلا ضمانات للنجاح. وسبق أن استبعدت المعارضة في المنفى المشاركة معتبرة المبادرة "مزحة". وقال شوميلين إن مؤتمر "سوتشي لن يفلح لأن الأسد وبدعم إيراني، ليس مستعدا للقيام بتسويات ويرى أنه لا يحتاج إلى التضحية بشيء. يريد نصرا عسكريا فيما روسيا ترغب في مفاوضات".
مشاركة :