لعلي وأنا أكتب هذا المقال، أعي تماما كمية الهجوم التي سأتعرض لها من قبل عدد كبير من القراء الذين تدفعهم مكامن الثورة، ودوافع الحرية، وثورة الدم والثأر... ولكنْ في القضية السورية التي قارب عمرها الست سنوات، يجب أن نقف ونصحح مفاهيم كانت غائبة عنَّا عندما اندلعت شرارتها في درعا، محاكيةً بذلك مثيلاتها في الوطن العربي بما يسمى «الربيع العربي». لا أحد يشك بأنَّ الثورات العربية خرجت من رحم الاضطهاد والقهر والجهل والفقر، وأنَّ النظام العالمي استغل هذه الثورات ليثبت ويخلع عملاءه في المنطقة، وهذا ما حدث فعلا. ولكنَّ الواقع المرير الذي أصاب سورية وشعبها يختلف تماما عن الذي حدث في الكثير من الدول العربية، فملايين المشردين ومئات الألوف من القتلى جعلت الأوضاع أكثر صعوبة وأكثر تعقيدا مما حدا بالنظام العالمي، والقوى العظمى لتغليب المصلحة لا الحق، وهذا ما حدث فعلاً. فالمشهد في سورية كان موجودا فعلا منذ 13 عاما في العراق بعد غزوه من قبل أميركا، وإن اختلف في مسبباته. ولكن ما يهمنا هو عوامل الانهيار، إن أبرز عوامل الدمار والانهيار الداخلي كانت تشرذم الجبهة الداخلية لكلا البلدين والتي أدت إلى إضعاف الضغط الدولي وانحيازه لصاحب المبادرة والقدرة على مد يد التعاون مع النظام العالمي، فسقط العراق بيد فئات لم يكن ليسقط فيها لولا التواطؤ والخيانة، وغاب شرفاء البلد عن المشهد ومن هم الأجدر بإدارة بلد عظيم مثل العراق... والمشهد السوري كذلك، تشرذمت القوى الداخلية في الثورة السورية، بين ألوية شامية وإسلامية وداعشية وأخرى ديموقراطية، والكل يحارب الكل من أجل المعركة الكبرى مع بشار الأسد التي لن تحدث أبدا إلا في مخيلتهم الضيقة. إننا ونحن نرى الملايين من السوريين في مشارق الأرض ومغاربها، نعلم حجم الكارثة التي حلَّت بهم، ونؤمن بأنَّ الأمر تعدى مرحلة الثورة إلى مرحلة الكارثة الأكثر ألما في التاريخ الحديث. ونؤمن أيضا أننا كنا مخطئين عندما كنا نأمل من دول كثيرة مساندة الشعب السوري في أزمته وكأننا أصابنا العمى أو الغباء. فكيف كنا نعتقد بأنَّ دولاً تعتقل مواطنيها بلا قضية ولا تحقيق، أن تنصر شعبا يطالب بالحرية التي طالب بها المسجون سالف الذكر؟ وكيف لنا أن نطلب من دولٍ تحقيق العدالة الاجتماعية في سورية، وهي تعيش حالة من الفوضى في توزيع مقدراتها بين أطفال لا يميزهم عن الآخرين إلا أنهم ولدوا من نطفٍ خاص؟ وكيف كنا نعتقد أنَّ هذه الدول يمكن أن تحقق العدل وحرية الاعتقاد، وهي نفسها تمنع بعض الكتب من مكتباتها لأنها فقط لا تعجبها أو تخالف أهواء نواب مجالس الشعب أو الأمة أو الشورى؟ نحن في تطلعاتنا لنصرة الثورة السورية، كنا نطلب من الذئب أن ينقذ الغنم من فك ذئب آخر، وهذا ما حدث فعلاً بسبب جهلنا وطيبتنا وحسن نياتنا بأنَّ العالم النفعي يمكن أن يضم ولو جزءاً بسيطاً من الحياء والإنسانية والحرية التي صدَّعوا رؤوسنا بها ليل نهار في المحافل الدولية. لا أدعو إلى استمرار الأسد في الحكم ولكنْ بعد أن فهمت واستوعبت جيدا طريقة اللعبة السياسية التي تدار بها الأمور، عرفت جيدا أنَّ المشكلة ليست في بشار الأسد أو في غيره، ولكنَّ المشكلة تكمن في السذاجة السياسية لمن يطالب بالحرية، وقد يعذر لهذه السذاجة لأنَّ جميع الفرق المعارضة في وطننا العربي لم تمارس السياسة إلا من خلال المنفى أو السجون، فكيف لهم أن يعرفوا التعاطي مع اللعبة السياسية وهم لم يعرفوها قبل هذه المرة. وبعد كل هذا، إذا سألتني عن رأي في بقاء الأسد أم رحيله، فلن أستطيع الإجابة عن ذلك السؤال لأنني بكل بساطة لا أملك إجابة، شأني شأن الكثير من الناس الذين تأثروا بالإعلام وشاهدوا القضية من منظور المسموح العالمي. أمَّا الإجابة فستجدها حتما في عيون الأيتام والأرامل والمشردين في المخيمات وعلى الحدود. ستجدها في ضحكات مترددة لأطفال لا يعرفون شيئا عن سورية إلا اسمها وصور ضحاياها، ولون الدم فيها الذي لطَّخ كل شيء جميل هناك. حتما ستعرف الإجابة وأنت تشاهد كل هذه الصور والأحداث التي أسأل الله أن ينهيها وأن يعود السوريون إلى أرضهم ووطنهم وأن تشفى الجراح ويعود كل لاجئ إلى وطنه. خارج النص: كنت مسافراً إلى بوسطن لحضور مؤتمر في جامعة هارفرد، وكان بجانبي وزير من الحكومة المستقيلة، فتأملت في شكله وبنيته، فرأيته في العمر شاباً ولكنه أهمل نفسه وبدا سميناً، ليتبادر لي سؤال مهم، كيف لشخص أهمل نفسه بهذه الطريقة أن يصلح ويحافظ على وزارة وبلد! وأعتقد أنه في إجازة ليعود مرة أخرى فيقسم ويصبح وزيراً ويزداد سمنة وبدانة. AlSaddani@hotmail.com
مشاركة :