يرى بعض مؤيدي الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بمن فيهم السفير السابق لدى الأمم المتحدة، جون بولتون، ومستشار الرئيس الأميركي، روبرت جيفرس، أن ضربة أميركية تهدف إلى اغتيال الرئيس الكوري الشمالي، كيم جون أون، هي الحل الأفضل. ومع ذلك، فإن أي محاولة لـ«قطع رأس» النظام ستكون مقامرة ذات أبعاد ملحمية. وتجدر الإشارة إلى أن تاريخ المحاولات الأميركية لقطع رؤوس الأنظمة المناوئة، لم تكن ناجحة، منها تلك التي نفذت ضد الزعيم الليبي، معمر القذافي، في عام 1986، وضد الرئيس العراقي السابق، صدام حسين، في 1991، ومرة أخرى في عام 2003. - الهجوم الرئيس على كوريا الجنوبية بالترسانة التقليدية يمكن أن يقتل أيضاً نحو 154 ألفاً من المدنيين الأميركيين و28 ألفاً من العاملين الأميركيين الذين يعيشون هناك. وإذا استخدم نظام كيم ترسانته الكبيرة من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، فإن الوفيات ستكون أكثر ارتفاعاً. - حتى في أفضل السيناريوهات، التي لن يخترق فيها سوى عدد قليل من الأسلحة النووية الكورية الشمالية الدفاعات الأميركية، فإن العواقب ستكون كارثية. - إن خفض احتمالات نشوب حرب مدمرة يتطلب وقف التهديدات الأميركية بالقيام بضربة أولى لتغيير النظام في بيونغ يانغ. كل هذه الإخفاقات تحذر من مثل هذا التفكير، وبالإضافة إلى ذلك فإن كيم قد أمر جنرالاته بإطلاق كل أسلحة الدمار الشامل المتاحة على العدو إذا قتل في ضربة عسكرية، كما فعل صدام قبل حرب الخليج 1990 -1991، وليس هناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأن الجيش الكوري الشمالي سيتردد في تنفيذ هذا الأمر. كما يتعين على قادة الولايات المتحدة مقاومة إغراء الأمل في أن تقضي الهجمات التقليدية المحدودة أو «الجراحية» على مواقع تجارب الصواريخ الكورية الشمالية أو مرافق التخزين، على التهديد النووي. ويعتقد أنصار هذا الاتجاه أن التهديد بتصعيد إضافي من جانب واشنطن من شأنه أن يثني كوريا الشمالية عن الاستجابة عسكرياً لضربة أولى محدودة، ولكن كما أوضح خبير السياسة، باري بوسن، فإن هذه الحجة غير متناسقة منطقياً. وعلاوة على ذلك، فإن هجوم محدود من قبل الأميركيين سيكون في نظر كوريا الشمالية بداية للغزو، ولأن أي ضربة أولى قد تدمر كل الصواريخ والأسلحة النووية التي تمتلكها بيونغ يانغ، فإن الولايات المتحدة وحلفاءها سيواجهون دائماً احتمال الانتقام النووي، ويتعين على وزير الدفاع، جيمس ماتيس، والقادة العسكريين أن يكونوا جاهزين لمقاومة الأوامر التي يرونها غير مسؤولة أو غير منطقية تصدر من الرئيس. ولا يمكن أن تحل أنظمة الدفاع الصاروخية المشكلة، بل يجب على الولايات المتحدة أن تستمر في تطوير ونشر الدفاعات الصاروخية، لأنها تعقد تخطيط الجيش الكوري الشمالي، الذي قد يستهدف الولايات المتحدة أو الأهداف العسكرية المتحالفة أو المدن الكورية الجنوبية أو اليابانية، إلا أن القادة العسكريين في واشنطن يجب أن يتحلوا بالصراحة في ما يخص حدود وقدرات أنظمة الدفاعات الباليستية، فقد فشلت معظم هذه الأنظمة في اختبارات عديدة، ويمكن أن تفشل حتى تلك الأنظمة الأكثر فعالية، مثل «ثاد»، إذا أطلقت كوريا الشمالية صواريخ متعددة-حقيقية أو وهمية- على هدف واحد، ولهذا السبب تختبر بيونغ يانغ عمليات إطلاق صواريخ عدة في وقت واحد، ولذلك ينبغي لأي مخطط أميركي حذِر أن يفترض أنه في حالة وقوع هجوم، فإن بعض الصواريخ النووية الكورية ستصل إلى أهدافها، وحتى في أفضل السيناريوهات، التي لن يخترق فيها سوى عدد قليل من الأسلحة النووية الكورية الشمالية الدفاعات الأميركية، فإن العواقب ستكون كارثية. إن تقدير عدد الضحايا المحتمل في ضربة نووية محدودة أمر صعب للغاية، إلا أن خبير الأسلحة النووية، أليكس ويلرستاين، صمم أداة مفيدة لوضع النماذج تسمى «نيوكماب»، التي تستخدم بيانات من تفجيرات هيروشيما وناجازاكي لتقديم تقديرات تقريبية لعدد الأشخاص الذين سيموتون في هجوم نووي. اختبارات صاروخية إذا نجحت الولايات المتحدة في إعادة كوريا الشمالية إلى طاولة المفاوضات، فعليها أن تكون مستعدة لتقديم تغييرات في المناورات العسكرية في الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية مقابل وضع حدود لنشاط كيم العسكري، والإخطار بأي اختبارات صاروخية تقوم بها بيونغ يانغ وإعادة تشغيل الخط الساخن بين شطري شبه الجزيرة الكورية. كما يجب على الولايات المتحدة أن تواصل توسيع مظلتها النووية إلى كوريا الجنوبية لخفض حافز سيؤول للحصول على ترسانتها النووية. وفي هذا الصدد، طالب البعض بعودة الأسلحة النووية التكتيكية الأميركية إلى القواعد الجوية في كوريا الجنوبية، إلا أن هذه الأسلحة ستكون عرضة لضربة كوريا الشمالية الأولى. ثمة خيار أفضل يتمثل في إبقاء القاذفات النووية في جزيرة «غوام» في حالة تأهب ميداني. أو يمكن للولايات المتحدة أن تعيد استخدام تكتيك استخدمته في أعقاب أزمة الصواريخ الكوبية، ولتهدئة موسكو وعدت واشنطن بإزالة صواريخها الباليستية من طراز «جوبيتر» من تركيا بعد الأزمة. ولطمأنة أنقرة، في المقابل، خصصت أيضاً بعض صواريخ الغواصات لتغطي الأهداف الانتقامية نفسها في الاتحاد السوفييتي. واليوم، يمكن لاستدعاء الغواصات الأميركية، في بعض الأحيان، إلى موانئ كوريا الجنوبية أن يعزز الردع من دون إثارة كوريا الشمالية. في عام 1947، حدّد الدبلوماسي الأميركي جورج كينان استراتيجية «رصينة وصارمة» لاحتواء الاتحاد السوفييتي. وكتب ذلك في مجلة «فورين بوليسي»، متوقعاً أن مثل هذه السياسة من شأنها أن تؤدي في نهاية المطاف إلى «إما تفكك أو إضعاف تدريجي للسلطة السوفييتية». لقد كان على حق. وبالمثل، ردعت الولايات المتحدة كوريا الشمالية عن غزو كوريا الجنوبية أو مهاجمة اليابان لأكثر من 60 عاماً. وعلى الرغم من كل التوتر والصخب الذي نشهده اليوم، ليس هناك ما يستبعد أن تعمل استراتيجية كينان للاحتواء والردع في مواجهة كوريا الشمالية، كما فعلت مع الاتحاد السوفييتي، ويجب على أميركا أن تنتظر بالصبر واليقظة حتى ينهار نظام كيم تحت وطأة ضعفه الاقتصادي والسياسي. وبعد أن أجرت كوريا الشمالية تجربتها النووية السادسة في مطلع سبتمبر، أفادت الأنباء بأن وكالات الاستخبارات في اليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة قدمت مجموعة من التقديرات لنتائج تفجير بقوة تقارب 100 كيلوطن. ووفقاً لـ«نيوكماب»، فإن سلاحاً نووياً قوته 100 كيلوطن إذا انفجر في مدينة «بوسان» الساحلية في كوريا الجنوبية، التي ظهرت كهدف في بيان صحافي صادر عن كوريا الشمالية أخيراً، سيقتل 440 ألف شخص في ثوانٍ معدودة. وإذا استخدم سلاح من هذا الحجم فوق سيؤول فسيقضي على 362 ألف شخص، في حين سيقتل 323 ألف شخص في حال استهدف مدينة سان فرانسيسكو، على الساحل الأميركي الغربي. وعلاوة على ذلك، لا تشمل هذه التقديرات سوى الوفيات المباشرة الناجمة عن الانفجار، وليس الوفيات الناجمة عن الحرائق بعد تفجير نووي أو الوفيات الأطول أجلاً التي قد تنجم عن التداعيات الإشعاعية. وهذه الآثار الثانوية يمكن أن تتسبب بسهولة في مضاعفة عدد القتلى. وحتى لو اقتصرت الحرب على شبه الجزيرة الكورية، فإن التكاليف ستظل غير مقبولة، ووفقاً لدراسة مفصلة نشرها معهد «نوتيلوس» في عام 2012، وهو مركز بحثي مقره في كاليفورنيا، فإن كوريا الشمالية لديها الآلاف من قطع المدفعية التقليدية على طول المنطقة المنزوعة السلاح، التي يمكن أن تتسبب في 64 ألف حالة وفاة في سيؤول في اليوم الأول من الحرب. كما أن الهجوم الرئيس على كوريا الجنوبية يمكن أن يقتل أيضاً نحو 154 ألفاً من المدنيين الأميركيين و28 ألفاً من العاملين الأميركيين الذين يعيشون هناك. وإذا استخدم نظام كيم ترسانته الكبيرة من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية فإن الوفيات ستكون أكثر ارتفاعاً. وأخيراً، هناك عدد من محطات الطاقة النووية بالقرب من بوسان التي يمكن أن تدمر، مع احتمال انتشار مواد مشعة عقب أي هجوم، ويقول الخبراء إن مليون شخص قد يموتون في اليوم الأول في حرب ثانية تندلع في شبه الجزيرة الكورية. حرب عرضية حتى لو تخلت الولايات المتحدة عن الضربات الوقائية التقليدية أو النووية، فإن خطر وقوع حرب عرضية بسبب الخوف المتبادل من هجوم مفاجئ، سيبقى قائماً. وتعتمد كوريا الجنوبية على نحو متزايد، وبشكل علني، على استراتيجية الاستباق و«قطع الرأس». في عام 2013، أعلن رئيس هيئة الأركان المشتركة في كوريا الجنوبية، الجنرال جيونغ سيونغ- جو، أنه «إذا كانت هناك نية واضحة بأن كوريا الشمالية على وشك استخدام سلاح نووي، فإننا سوف نقضي عليها أولاً حتى في ظل احتمال نشوب حرب»، متابعاً «الهجوم الاستباقي ضد الشمال الذي يحاول استخدام الأسلحة النووية لا يتطلب التشاور مع الولايات المتحدة وهذا ما يسمى حق الدفاع عن النفس». ونشرت وزارة الدفاع في سيؤول، العام الماضي، استعراضاً تدريبياً لإطلاق صواريخ ومجموعة من «الكوماندوس» الكوريين الجنوبيين يهاجمون مبنى «قيادة الحرب» في بيونغ يانغ. ومن غير المفاجئ أن الكوريين الشماليين لديهم أفكار مماثلة حول الاستباق: ففي أبريل 2016، رداً على المناورات العسكرية الأميركية وكوريا الجنوبية، ذكرت وسائل الإعلام في كوريا الشمالية أن «القوات المسلحة الثورية (كوريا الشمالية) قررت اتخاذ هجوم وقائي كطريقة لردها العسكري». الحق في الهجوم الوقائي النووي ليس بأي حال حكراً على الأميركيين وحدهم. إن خفض احتمالات نشوب حرب مدمرة يتطلب وقف التهديدات الأميركية بالقيام بضربة أولى لتغيير النظام في بيونغ يانغ. في مثل هذه البيئة المتوترة، يمكن لخطة استباقية للحرب أن تبدو إلى حد كبير مثل خطة الضربة الأولى ضد العدو. فهل ترى سيؤول خروج صواريخ بيونغ يانغ النووية من الكهوف التي يتم تخزينها فيها كتمرينات أو احتياطات دفاعية أو بداية هجوم؟ هل يمكن لنظام كيم أن يخطئ التقدير إزاء عملية مشتركة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية تحاكي هجوم «قطع الرأس»، ويعتبرها هجوماً حقيقيا؟ هل يمكن أن تثير «تغريدة» غير مرغوب فيها من قبل الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، رداً عسكرياً من كيم؟ وماذا لو قام فني رادار، عن طريق الخطأ، بوضع شريط تدريبي لإطلاق صاروخ على نظام الإنذار؟ وقد حدث هذا فعلاً، وخلق لحظات من الذعر، لم تدم طويلاً، أثناء أزمة الصواريخ الكوبية، ويضاف إلى ذلك، احتمالية دخول طائرة عسكرية أميركية أو كورية جنوبية عن طريق الخطأ إلى المجال الجوي لكوريا الشمالية، أو انفجار سلاح نووي في كوريا الشمالية عن طريق الخطأ أثناء النقل. ويوضح الخوف من هجوم أميركي سبب اعتقاد كيم أنه بحاجة إلى ترسانة نووية، ومما لا شك فيه أن تطوير الأسلحة النووية في بيونغ يانغ يتناغم مع رغبة الرأي العام المحلي في تحقيق الاعتماد الذاتي، ولكن هذا ليس هدفه الأساسي، وقد أكد المتحدثون باسم الرئيس الكوري الشمالي، أنه لن يواجه مصير صدام أو القذافي، حيث تخليا عن برامجهما النووية ليتم مهاجمتهما من قبل الولايات المتحدة في وقت لاحق. إن الترسانة النووية الكورية ليست صفقة مساومة، وهي رادع قوي يهدف إلى منع وقوع هجوم أميركي أو تعطيل الهجوم الذي قد يحدث بتدمير القواعد الجوية والموانئ الأميركية من خلال الاستباق، إن أمكن، وربما الانتقام إذا لزم الأمر، فإذا فشل كل شيء آخر، فستكون وسيلة الانتقام هي تدمير مدن أعداء كيم. قد يبدو ذلك غير قابل للتصديق، ولكن يجب أن نضع في اعتبارنا أن كاسترو أوصى بمثل هذا الهجوم في عام 1962. الهدوء والردع إن العيش مع كوريا الشمالية النووية لا يعني، وفقاً للدكتور سترانجيلوف، تعلم «التخلي عن القلق وحب القنبلة»، بل على العكس من ذلك، فهذا يعني القلق باستمرار ومعالجة كل خطر يلوح في الأفق واتخاذ التدابير الضرورية إزاءه، ويجب أن تهدف سياسة الولايات المتحدة إلى إقناع كيم بأن بدء الحرب سيؤدي إلى كارثة غير معتادة لكوريا الشمالية، خصوصاً أن وزراءه ومستشاريه العسكريين قد يكونون خائفين جداً من غضبه إذا تحدثوا في مثل هذه العواقب، وينبغي لأميركا أن تُذكِّر بوضوح وهدوء أن أي هجوم من جانب بيونغ يانغ سيؤدي إلى انتهاء نظام كيم بسرعة وعنف. قد يرى كيم، تحت تأثير الوهم، أنه إذا أقدمت كوريا الشمالية على تدمير القواعد الجوية الأميركية وقتل مئات الآلاف من الأميركيين واليابانيين والكوريين الجنوبيين، فإن الرأي العام الأميركي سيسعى ويضغط من أجل السلام. في الواقع، من المرجح أن يتطلب ذلك الانتقام وإنهاء نظام كيم، بغض النظر عن التكاليف، ومثل هذه الحرب ستكون دموية، ولكن ليس هناك شك في الجانب الذي سيسود، وهناك عدد قليل، إن وجد، من الأهداف العسكرية في كوريا الشمالية التي لا يمكن للولايات المتحدة أن تدمرها بالأسلحة التقليدية المتقدمة في حرب طويلة، ولا يمكن لنظام كيم أن يتجاهل إمكانية الانتقام النووي الأميركي. إن التحدي الأكثر صعوبة سيكون إقناع كيم بأن الولايات المتحدة لن تهاجمه أولاً، وبالتالي، فإن الحد من مخاطر الحرب يتطلب وضع حد للتهديدات الأميركية بتغيير النظام بشن الضربة الأولى. في أغسطس، قال وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، للصحافيين إن الولايات المتحدة لن تسعى إلى الإطاحة بالرئيس الكوري ما لم يكن قد بدأ حرباً. يجب على القادة الأميركيين الآخرين أن يرددوا تعليقات تيلرسون باستمرار، ولسوء الحظ، فإن خطاب إدارة ترامب لم يكن متناسقاً أبداً. سكوت ساغان محلل سياسي وأستاذ في جامعة ستانفورد
مشاركة :