اعتدت على الوحدة.. ولا أشعر بالخجل من الاعتراف!

  • 8/26/2013
  • 00:00
  • 14
  • 0
  • 0
news-picture

أوضحت القاصة خديجة الصاعدي أن الكتابة حالة من الأفكار الملحة على المستوى الذاتي ولا خلاص منها إلى عن طريق تدوينها لقتلها، كما أنها الشيء الوحيد الذي تتمكن من خلاله استشعار ثقوبك، وأن الطرق وكل الطرق تؤدي إلى المعاناة: -في البدء خزينة عمرك الفارغة، فساد مشاعر الآخرين،الجرح الذي يثقبكِ في آخر الليل دون أن تعرفين شكله،كل هذا الوجع،والأشياء الأخرى التي لم أذكرها كيف يمكن أن تُكتب،بل كيف يمكن أن تُعاش؟ *تُعاش، وإن لم يكن ببساطة، لأنه ما من خَيار آخر. تمضي فحسب، نحو الفناء، رغم الخسائر والأحمال الإضافية، وقوفك على جانب الطريق يزيد الأمر سوءًا؛ يجعلك تتحسّس ثقوبك، و تعي حقيقتك الهشّة، ونهايتك المرعبة، إلى حد قد يتعذّر معه الانضمام للحشد واستئناف السير وليس لتغيير الطريق قيمة تذكر لأنك تحمل الرأس نفسه على كتفيك، ولأن "الطُرُق، كل الطُرُق تؤدي إلى المعاناة"،يُكتب للخلاص من وقعه داخل النفس، من سطوته وإلحاحه، من الطنين الذي يُحدثه و يرافقك طوال اليوم، وأنت تفرّش أسنانك أمام المرآة، وأنت تتأمل الطريق من نافذة السيارة، وأنت تقف في الصفّ تشرح الفرق بين الماضي المستمر والماضي البسيط، وأنت تتمرّغ في أحضان العائلة، و دوائر الأصدقاء، وأنت ترغي الصابون على جسدك، وأنت تقرأ، وأخيرًا، وأنت تضع رأسك على الوسادة لتنام، بشكل يدفعك نحو الجنون، تتجاهله، تتظاهر بأنك لا تكترث, لكنه يتصاعد ويتصاعد إلى أن تجلس وتكتبه. بنهاية السطر الأخير، يختفي الطنين، ويحل محله "الصمت الذي يئز في الأذن ويصيبك بالصمم". - "هنري تشالرز بوكوفسكي" ذو الجنون اللذيذ كان يدخل إلى محلات السوبر ماركت ليرقص أمام العامة ويتكلم أثناء الرقص مع البائع قائلاً:" أنا بحاجة إلى التبغ والكثير من المسكنات"،هذا النوع الناعم من الجنون نمارسه أحياناً لوحدنا،نتكلم مع الحائط ونبتسم ونتخاصم معه دون أن يعلم أحد لنعود إلى أعمالنا بالكثير من الهيبة المصطنعة،خديجة الصاعدي من الآخر هل نحن مجانين بطريقتنا الخاصة ؟ لدرجة أننا نقف ساعات طويلة أمام المرآة لنتذكر القليل عنا وعن كيف نلقي التحية على الآخرين دون أن نثير استغرابهم؟ *لستَ بحاجة للتمهيد، أو السؤال بصيغة الجمع للتخفيف من وطأة الاتهام، نعم أنا مجنونة بشكل أو بآخر، و لا أشعر بالأسف لذلك، ولا بالخجل من الاعتراف، وإن كنتُ لم أصل بعد لمرحلة الرقص أمام العامة في محلات السوبر ماركت، هذا الجنون "الناعم" كما تسميه، يحميني من الجنون الكبير، ويعينني على مواصلة الحياة، والخروج إلى الناس بالهيبة المصطنعة نفسها التي تعود بها إلى عملك بعد محادثة حميمة مع الحائط،لا بأس في ذلك يبدو غريبًا بعض الشيء،لكنك تملك الحق في ممارسته متى ما رغبت في ذلك، شريطة ألا تسيء إليه أو تظلمه أو تسبّب له الألم. لا شكّ أنك تقول له الحقيقة، الضالة التي لا نجدها إلا في أحاديث الحمقى والمجانين، وربما أشياء أخرى قد لا يتفهمها الآخرون.أرجو فقط ألا يتصدّع في نهاية الأمر، وألا يراك أحد وأنت تفعل ذلك فتفقد هيبتك المصطنعة التي تحميك بدورها مما لا يحميك منه الجنون. يبدو الحديث إلى ميمون ممتعًا أكثر لغياب ردة الفعل في حالتك؛ حيث لا مواء -وإن كان خافتًا-، ولا تثاؤب، ولا نظرات استهجان أو تعاطف، ولا رفّات سريعة متتابعة بالأذن تعبيرًا عن الضجر؛ لكنك في المقابل لا تضطر إلى إضمار بعض أفكارك أو التحفظ عند الحديث معه مخافة أن يعي فيهرب أنت تضمن ولاءه المطلق وهذا هو الشيء الوحيد الذي أغبطك عليه. -ما هو الكتاب الذي جعلكِ تنظرين إلى العالم بالكثير من المتعة ويخبركِ أن فيه شيئاً جميلاً يُستحق أن نناضل من أجله، ليس بالضرورة أن يكون كذلك حتى لو أخبرك بأن هذا العالم مجرد مسخ وحيوان مفترس قليل النزاهة فأعتقد أنه يستحق أن يُذكر؟ *لم أكن قط في حاجة لكتاب لأدرك بأن في العالَم، رغم كل شيء، "أشياء لا تُشترى" تستحق أن نناضل من أجلها. هذه الأشياء عرفتْها حيواناتي العزيزة ولم تتحمّل العيش بدونها فنفقت الواحد تلو الآخر، في حين عشت أنا لأحكي ببرود عما حدث وكأن الأمر لا يعنيني، عرفتُ في وقتٍ مبكر، من كتب التاريخ تحديدًا،وما أقسى المعرفة، خطورة الشر الكامن في الإنسان، وفداحة رغبته في الإيذاء، وشهيته المفتوحة على الدوام للعنف، كنتُ أجد صعوبة في تخيّل كيف يمكن أن يُدفن حيًا، أو يُسحل، أو يُحرق، أو أي فعل همجي آخر مبني للمجهول من موسوعة العذاب الضخمة، لكن الأمر بدا سهلاً مقابل تخيله بكامل وعيه وقواه العقلية داخل حفرة رطبة على مدى 18 عامًا والتفنن في جعل ذلك مريعًا أكثر من اللازم،وفوق طاقة الاحتمال القصوى ما زلتُ أحاول للخلاص من تفاصيل "الزنزانة رقم 10" للمرزوقي رغم مضي سنتين على القراءة، تخطر ببالي أحيانًا أثناء انهماكي بعمل حادثة طرق أحد الملازمين للباب طوال أيام ودون توقف إلى أن فارق الحياة فيرتخي جسدي ويغمرني شعور عميق بالأسى،هذه الأشياء.. ال "طخ" المدوية الخاطفة التي تنهي كل ما لديك وكل ما قد تحصل عليه، الموت الرخيص،أو ربما الحياة الرخيصة، استخدام الناس البذيء لنهش بعضهم بعضًا و سحقهم في حملات سخيفة من أجل لا شيء، الإبادات الجماعية، التطهير العرقي، معسكرات العمل وأعمال السخرة، تجارة الرقيق، الحرب من أجل السلام، وباقي الهراء، تجعلني أضع "بجعات يونغ" و "كفاح هتلر" و "خبز شكري" و غيرها من الكتب المشابهة في رفّ بعيد عن متناول ميمون كي لا يصل إليها فيعايرني بآدميتي. - ماذا عن الرجل البطل والذي حين تبكين سيعطيكِ ضلعهُ كمنديل،أم أن الأبطال في رأيك يديرون لنا ظهورهم في نهاية المطاف،حدثيني قليلاً عن الفرس الأبيض في زمن أصبح الكره بدون سبب مبرراً والحب بالكثير من الأسباب جرماً هائلاً قد نخسر تذاكر السعادة بسببه؟ *لا أتعاطى الوهم وهذا ما يجعل للأيام طعم الرمل ولا أتذكّر أنني كنتُ في انتظار شيء أو أحد -عدا غودو-يبدو الأمر مريعًا، لكن هذا هو الحال عندما يمسك العقل بزمام السيطرة، ويبدأ في سرد فرضياته، إذا كانت بعض الأضلاع مناديل، فإن بعضها الآخر حطب قد يزيد من اضطرام النار بداخلك، وجزء لا يُستهان به منها قضبان قد تُحكم سجنك، وطالما أنني لم "أختر" بعد، فكل الاحتمالات واردة، وطالما أنه لا يمكنني العودة لمفترق الطريق، عليّ "الاختيار" جيدًا وطالما أننا نعيش وفقًا لاحتياجاتنا ليس هناك خَيار صحيح وإنما خَيار مناسب فقط،المضحك أو ربما المؤسف -يختلط عليّ الأمر أحيانًا- أن اختياراتنا ليست دائمًا ذات قيمة، لأن ما نظنه جيدًا قد لا يكون كذلك، ولأسباب أخرى لا نملك أمامها سوى الرضى والتسليم،عندما أصادف فارسًا حقيقيًا -أو أظنّه كذلك- لن أتردد في القفز خلفه وإن كان يمتطي حصانًا خشبيًا وإن صادفتُ مزيفًا، سأساومه على الفَرَس أعتقد بأنني أحتاجها أكثر من أي شيء آخر،الحياة بدون حب سأم طويل كما يقول حنيف قريشي لكن العزاء فيما تقوله كوليت خوري: "أن أكون وحدي مع نفسي أمرٌ تعوّدته لكنني لا أحتمل كوني وحدي وأنا مع إنسان آخر". - شكراً يا آخر القصائد المغناة بصوت الحكمة، يا أول الحكايات المكتوبة عن الوجع والليل والوحدة، لو غبتِ طويلاً كما تفعلين دائماً فكيف يفعل القرّاء وإلى أي موقعٍ بريدي سيرسلون قلوبهم بأعين متربصة وشفاهٌ عطشى للقراءة؟ الشكر كل الشكر, لك على إطرائك الفضفاض وكلماتك الرقيقة،لا أظن بأنه غياب بقدر ما هو فرار أتفزّع من "نقلة الرِّجل، ونبلة الطفل، وميلة الظل عبر الحوائط، ومن حصوات الصياح" فأعمل بنصيحة أمل دنقل: رفرف.. فليس أمامك- والبشر المستبيحون والمستبَاحون:صاحون- ليس أمامك غير الفرار.. الفرار الذي يتجدّد كل صباح! ولأن عُمر الجناح قصير كما يقول أمل أيضًا أستريح هنا من حينٍ لآخر: "ليلتقط القلب تنهيدة، والفم العذب تغريدة" قبل أن أستأنف الفرار.. من جديد.

مشاركة :