يحق للأصدقاء وحتى الحاقدين على المملكة العربية السعودية أن يتساءلوا كيف أن المملكة تعمل على جبهات عدة بكل اقتدار، بدأ من إقامة تحالفات سياسية وعسكرية واقتصادية عربية وإسلامية ودولية، ومواجهة وكلاء إيران في أكثر من منطقة حتى أنها أصبحت رقماً صعباً الكل يود أن يكسب ودها. من يتابع المملكة يرى أنها تقود ثورة نهضوية شاملة لرسم خطوط الانحياز للمستقبل، الركيزة الأساسية في هذه الرؤية هو الإنسان، وخصوصاً فئة الشباب الذين يمثلون 70 في المائة من إجمالي الشعب السعودي ذكوراً وإناثاً باعتبارهم الركيزة الأساسية في بناء المستقبل، فيما البعض يرسم خطوط الانحياز للماضي التي شكلت وبالاً على شعوبهم وعلى المنطقة. لذلك سيقود ولي العهد سمو الأمير محمد بن سلمان المملكة إلى القضاء على التطرف الذي لم يولد سوى الخراب والدمار والموت وإعاقة النمو والتقدم بحجج وذرائع دينية واهية، والدين منها براء، لكن المشكلة أنها التصقت بالمجتمع، وتحولت إلى عادات وتقاليد، لكن بالعودة إلى أصول الدين الذي نهى عن التمسك بالعادات والتقاليد التي تتناقض مع أصول الدين {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ}، أي يجب العودة إلى أصول الدين السمحة المتمثلة في الاعتدال والوسطية، خصوصاً أن السعودية مركز ديني بمنزلة مركز جذب يتابع العالم تطبيقاتنا الدينية، كما أننا كبلد ودولة يحتضن الحرمين الشريفين والأماكن المقدسة التي يقصدها الحجاج من جميع أنحاء العالم. مشروع «نيوم» المدينة الرقمية الأولى في العالم تعد وجهة استثمارية واعدة ستضم استثمارات بقيمة 500 مليار دولار تضخها السعودية وشركاؤها من جميع أنحاء العالم، تعالج التسرب الاقتصادي الذي فقدته المملكة في الفترة الماضية، نتج عنها خروج وهروب الاستثمارات الوطنية والخليجية إلى أنحاء متفرقة من العالم وبحث السكان عن أماكن سياحية عالمية تفتقدها السعودية، وتفتقد جذب السياح من جميع أنحاء العالم، رغم أن السعودية تقع على مسارات التجارة العالمية، وتمثل همزة وصل بين الشرق والغرب، وهي لا تريد فقط تقليص الفجوة تلك بل كذلك تحويل السعودية إلى وجهة استثمارية كبيرة جداً. مستثمرو العالم حولوا مبادرة مستقبل الاستثمار إلى منصة صفقات، خصوصاً أن «نيوم» تقع في ثلاث دول داخل الحدود المصرية والأردنية بمساحة إجمالية 26500 كلم مربع، وهي تقع قرب مسارات التجارة العالمية، خصوصاً بعدما شقت دولة مصر قناة ثانية لتنشيط مرور السفن العالمية وزيادة عددها، وهي قريبة أيضاً من جسر الملك سلمان الذي يربط آسيا بأفريقيا، وتضم المنطقة جزراً بكراً وجبالاً شاهقة على ارتفاع 2500 م تطل على خليج العقبة والبحر الأحمر في قمة جبل اللوز وتغطي قممها الثلوج في فصل الشتاء. سيضيف مشروع «نيوم» 100 مليار دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي المحلي السعودي عام 2030، إضافة إلى ارتفاع ناتج الفرد السعودي، الذي سيحول الاقتصاد السعودي من الاستهلاكي إلى الاقتصاد الاستثماري النفعي والتي تنقل نصيب استثمار العرب من 1 في المائة عالمياً بسبب هجرة الأموال، لكن مشروعاً ضخماً مثل مشروع نيوم خصوصاً أنه مشروع عربي وليس فقط سعودي سيكون جاذباً لعودة الاستثمارات العربية وبشكل خاص الخليجية المستثمرة في الغرب والتي تقدر بنحو تريلوني دولار بجانب استثمارات عالمية. خصوصاً أن الاستثمار في «نيوم» استثمار وفق اقتصاد مفتوح ووفق شراكة صناعية خصوصاً أنها منطقة مستثناة من الضرائب وقوانين العمل، ولهذا منحت السعودية أول روبوت الجنسية السعودية كبادرة رمزية للقوانين الجديدة في مشروع نيوم مما يشجع المستثمرين على القدوم إليها ويحقق مساحة حرة للتبادل المعرفي والتقني التي تحفز النمو والتنوع الاقتصادي التي ستنقل السعودية من الاقتصاد الاستهلاكي الريعي إلى الاقتصاد الصناعي الاستثماري المفتوح. هناك تغيرات عالمية وإقليمية، فالصين كشفت عن طموحات قيادية وهي تطمح إلى بناء الصين الجديدة وإلى طموحات قيادية عالمية تخالجها، وكذلك السعودية تطمح إلى بناء السعودية الجديدة ويخالجها إلى قيادة إقليمية وعربية والسعي نحو دور أكثر نشاطاً على الساحة الدولية. هل يحق لنا أن نسميها ثورة ربيعية بمواصفات سعودية كما صرح بذلك المستثمر السعودي العالمي الأمير الوليد بن طلال، أم يحق لنا أن نسميها ثورة اقتصادية، أم نسميها ثورة اجتماعية، أم ثورة حضارية؟، أم ثورة عقلانية لوأد التشدد والانفتاح على العالم وفق قول الله سبحانه وتعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}، من أجل أن ننشر سماحة ديننا ووسطيته وعدله واعتداله بعدما وصمنا العالم بالإرهاب والتشدد والتطرف. إذاً هي ثورة شاملة لتتحول السعودية إلى مركز جذب عالمي يرتادها الجميع بدلاً من عزلها عن العالم بحجج واهية تحت أغطية دينية، لكنها تخالف روح الإسلام السمح الذي أذن إبراهيم عليه السلام من أن جعلها مركز استقطاب {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}، {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}، فكيف نقبل أن تعزل المملكة العربية السعودية عن العالم، أو يعزلنا المتشددون، وديننا دين عالمي، وعلينا أن نفتح أجواءنا أمام الشعوب كافة لنسمح لهم بالاطلاع على هذا الدين السمح، وهو دين لم يكن مختصاً فقط بالعرب ولا بالسعودية ولا بفئة محددة، بل هو دين للناس كافة {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.
مشاركة :